هآرتس: انسحاب قطر يمنح الحكومة اعفاء من صفقة المخطوفين
هآرتس 10/11/2024، تسفي برئيل: انسحاب قطر يمنح الحكومة اعفاء من صفقة المخطوفين
اعلان قطر عن تجميد مشاكرتها في المفاوضات حول اطلاق سراح المخطوفين لا يجب أن تفاجيء أي أحد. مع ذلك الحديث حتى الآن لا يدور عن اغلاق نهائي لقناة الوساطة لقطر. حسب بيان المتحدث باسم وزارة الخارجية في الدوحة، ماجد الانصاري، فان “قطر ستعود الى جهود الوساطة عندما سيظهر الطرفين نية جدية لوقف الحرب البربرية في غزة ومعاناة المدنيين في القطاع. في هذه الحالة قطر ستقف على رأس الوسطاء من اجل استثمار كل الجهود للتوصل الى انهاء الحرب وإعادة المخطوفين والسجناء الفلسطينيين”. حماس نفت أنها حصلت على بيان في هذا الشأن.
في شهر أيار الماضي أوضحت قطر بأنها ستعيد فحص دورها كوسيطة إزاء الجهود في المحادثات. يبدو الآن أنها توصلت الى استنتاج بأنه لم تعد هناك فائدة لوساطتها – حتى بمجرد وجود الاتصالات طالما أن الطرفين لا يظهران أي استعداد للتنازل عن مواقفهما. المعنى العملي لهذه الخطوة هو أنه لا يوجد لإسرائيل أو لحماس الآن أي قناة مفاوضات ناجعة.
هذا في الوقت الذي فيه الضغط العسكري الذي طرحته إسرائيل باعتباره الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي الى الصفة، فشل. ومثله أيضا الضغط الذي طلبت إسرائيل استخدامه على قطر. مشروع تصفية كبار قادة حماس، وعلى رأسهم يحيى السنوار، ربما ساهم في رفع معنويات إسرائيل وهز بشكل دراماتيكي بنية قوة حماس. ولكن النتيجة الأساسية التي تعتبر احد اهداف الحرب، تحرير المخطوفين، أيضا هي لم تثمر.
قرار قطر يأتي قريبا من التسريبات الامريكية بشأن مطالبة الإدارة الامريكية من قطر ابعاد قيادة حماس من أراضيها، وهو طلب ظهر مثل نسخة جديدة لاغنية قديمة اثارت ذات يوم الانفعال. ففي شهر تشرين الثاني 2023 نشر وزير الخارجية الامريكي انطوني بلينكن بأنه تحدث نظيره القطر محمد بن عبد الرحمن، الذي يشغل أيضا منصب رئيس الحكومة، حول إمكانية طرد قيادة حماس كوسيلة ضغط من اجل التوصل الى صفقة التبادل.
قطر أعلنت في حينه بأنها تفحص هذه الامكانية. الافتراض في حينه كان أن قطر لا تضغط بما فيه الكفاية على حماس رغم أن الدوحة لديها رافعة ضغط استراتيجية وهي استضافة قيادة حماس، التي يمكن للتهديد بها تغيير مواقف يحيى السنوار. ولكن قطر أوضحت في المراحل الأولى من المفاوضات بأنه يمكن على الأكثر الوساطة والاقناع، لكن طرد قيادة حماس لا يعتبر “سلاح استراتيجي” لأنه لا يوجد لقيادة حماس الخارج أي قوة حقيقية لاقناع السنوار بتغيير طلباته حول انهاء الحرب وانسحاب إسرائيل من القطاع.
في شهر آذار مرة أخرى تم فحص خيار الطرد، عندما ارسل بلينكن رسالة الى عبد الرحمن وأعاد فيها طرح هذا الطلب. وقد رد في حينه على ذلك المتحدث بلسان وزارة الخارجية القطرية الانصاري وقال: “لا يوجد أي سبب لانهاء وجود حماس في قطر طالما أن جهود الوساطة مستمرة حول انهاء الحرب في غزة. قطر تلتزم بالوساطة ولكنها ستعيد النظر في دورها”.
في شهر نيسان تعرضت قطر امام هجوم دبلوماسي امريكي. عضو الكونغرس الديمقراطي ستني هوير طلب من الرئيس بايدن “إعادة فحص علاقات الولايات المتحدة مع قطر اذا لم تستخدم الأخيرة الضغط على حماس”. رئيس الحكومة القطرية رد بغضب على هذا الطلب وقال: “قطر ستفحص استمرار مشاركتها في الوساطة حول صفقة التبادل”. هذا تصريح تم تفسيره بأنه نية لابعاد قيادة حماس من الدولة. بعد هذه الاقوال نشر بأن ايران توجهت الى سوريا وطلبت منها استضافة قيادة حماس، اذا تم طردها من قطر. رد سوريا كان الرفض البارد.
في شهر حزيران وضع وزير الدفاع القطري خالد بن عطية في المؤتمر الذي عقد في جامعة البوسفور في تركيا طلب ابعاد حماس في مكانه عندما قال: “لا تعتقدوا أن مكاتب حماس في قطر سيتم اغلاقها، ليس لأننا فقط نريد أن تبقى حماس في قطر، بل لأننا نريد التسهيل على المفاوضات مع الطرفين من اجل أن يكون بالإمكان الوصول الى حماس مباشرة”، أوضح. وحسب اقوال الوزير فان الامر لا يتعلق بموقف أيديولوجي، بل بموقف نفعي الذي بحسبه استضافة حماس في قطر تستند الى طلب امريكي من العام 2012 من اجل إعطاء ملجأ لقيادة حماس لأن الولايات المتحدة ارادت الحفاظ على قناة اتصال غير رسمية، لكنها قابلة للوصول اليها، مع الحركة.
لقد تبين لقطر بأن الوساطة في صفقة المخطوفين تتطور الى تهديد على مكانتها السياسية والإقليمية، لا سيما امام الإدارة الامريكية. طالما أن إسرائيل وإدارة بايدن قاموا باعتبار حماس بأنها المسؤولة الوحيدة عن افشال المفاوضات، فان قطر على اعتبار أنها تعطي الرعاية للمنظمة وتمثل موقفها في المفاوضات، فانها هي نفسها أصبحت هدفا مباشرا لهجوم دبلوماسي بصورة يمكن أن تضر بالعلاقات بين قطر والإدارة الامريكية.
انتخاب ترامب، الذي العلاقة معه عرفت ارتفاع وهبوط، يضيف عدم اليقين للوضع. في العام 2017 أيد ترامب قرار السعودية ومصر ودولة الامارات فرض المقاطعة والحصار على قطر، وطلب من الأخيرة وقف دعمها للارهاب. ولكن في موازاة ذلك حاول ترامب بدون نجاح، المصالحة بين دول الخليج وقطر. وبعد سنة قام ترامب بالتراجع عن موقفه ووافق على صفقة سلاح بمبلغ 300 مليون دولار لقطر. في مؤتمر صحفي عقده في حينه مع حاكم قطر الشيخ تميم أوضح ترامب بأنه “يقف الى جانبي رجل مهذب يشتري معدات كثيرة منا، ومشتريات كثيرة وطائرات قتالية وصواريخ كثيرة”. في شهر أيلول الماضي التقى مرة أخرى الشيخ تمام مع ترامب في مزرعته في فلوريدا، وفي نهاية اللقاء حصل على وابل من الثناء من المرشح للرئاسة عندما قال: “لقد اثبت الأمير أنه زعيم كبير وقوي لدولته. هو أيضا شخص يريد السلام في الشرق الأوسط وفي كل العالم. لقد كانت لنا علاقة ممتازة في ولايتي الأولى وهي ستكون افضل في هذه الولاية”، اعلن ترامب.
من الأفضل للذين ينتظرون بصبر أن يلوح ترامب بالسوط على رأس قطر أن لا يحبسوا الانفاس. ولكن حتى قبل دخول ترامب الى البيت الأبيض وترجمة الى أفعال تقديره الكبير للشيخ تميم فان قطر تستند بالفعل الى أساس قوي يتمثل في مكانتها المؤثرة في الولايات المتحدة. منذ العام 2022 وهي تحظى بمكانة رسمية كحليفة كبيرة ليست عضو في الناتو. وقد حصلت على هذه المكانة من خلال سلسلة مبادرات الوساطة الناجحة التي شملت ضمن أمور أخرى، الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبات حول ترتيب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وصفقة تبادل الاسرى بين أمريكا وايران، وخطة لحل الخلاف الدموي في تشاد، وجهود وساطة بين الولايات المتحدة وايران في قضية الاتفاق النووي الجديد التي لم تؤد الى أي نتائج، ومؤخرا هي نشيطة جدا في جهود التوصل الى حل للازمة السياسية الخطيرة في لبنان.
وساطة قطر في نزاعات إقليمية أصبحت بالنسبة لامريكا ذخر استراتيجي، خاصة على خلفية لامبالاة أو عجز دول عربية أخرى مثل مصر أو دولة الامارات أو السعودية. قرار قطر أن تكون عرابة رئيسية في صفقة المخطوفين هو وليد شبكة العلاقات هذه، واذا قررت حقا الانسحاب من الوساطة ورفع يدها فانها تعكس ليس فقط الإحباط العميق، بل أيضا الرغبة في تقليص خسارتها على المستوى السياسي، ناهيك عن أنه اذا كان المعنى هو طرد قيادة حماس، الذي اذا تم تنفيذه فانه سيتبين أنه لا فائدة منه في الدفع قدما بالمفاوضات حول تحرير المخطوفين.
في الحقيقة يمكن التوقع أن كبار قادة الإدارة الامريكية وعلى رأسهم رئيس الـ سي.آي.ايه وليام بيرنز ووزير الخارجية بلينكن، الذين بذلوا جهود كبيرة للدفع قدما بخطة لتحرير المخطوفين، سيحاولون الآن اقناع قطر بالتراجع عن هذا القرار. يبدو أن صيغة بيان قطر الرسمي يمكن أن تدل على أن قناة قطر حتى الآن لم تغلق بشكل نهائي.
لكن قطر، بالذات قرار الانسحاب، تريد ليس فقط تخليص نفسها من الشرك السياسي الذي يهددها، بل تريد “اصلاح” التأطير الأمريكي والإسرائيلي لها من خلال القاء الاتهام بشكل متساو على الطرفين وجعل الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل بالصورة التي تطلب فيها واشنطن من قطر الضغط على حماس. بالنسبة للمخطوفين وعائلاتهم فان هذه بشرى قاسية، تتركهم ليس فقط بدون وسيط، بل مع حكومة ومع رئيس حكومة سيحاولون القاء كل الذنب على حماس وقطر والتملص بشكل نهائي من المسؤولية عن مصير أعزائهم.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook