ترجمات عبرية

هآرتس: انجاز تكتيكي، مراوحة استراتيجية

هآرتس 28/11/2024، تسفي برئيلانجاز تكتيكي، مراوحة استراتيجية

لوحة المراهنات الجديدة تبدلت في لحظة. اذا كان يجب على المراهنين حتى التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار مع لبنان الاجابة بشكل صحيح على سؤال هل سيتم التوقيع على الاتفاق، فانه منذ أمس سؤال المليون هو متى سيتم خرق هذا الاتفاق. حوالي مليون ونصف نازح لبناني بدأوا في تعبئة “نماذج الرهان” عندما تدفقوا بجموعهم في طريق عودتهم الى بيوتهم في صور والضاحية الجنوبية وبعلبك. في الحقيقة هم لم يعودوا الى قراهم في جنوب لبنان، لكن عملية اعادة الاعمار الاولى بدأت.

في مقابل اللبنانيين، الذين عبروا عن الثقة بالاتفاق، فانه في اسرائيل توجد ثقة مطلقة بأن الاتفاق سيتم خرقه، اذا لم يكن في الاشهر القريبة القادمة فبالتأكيد بعد بضعة اشهر أو سنة. الافتراض الاساسي هو أن حزب الله سيفعل ما في استطاعته لملء صفوفه بالمقاتلين الميدانيين والقيادات، وملء من جديد مخازن السلاح والذخيرة، وبعد ذلك التسرب مرة اخرى الى جنوب لبنان من اجل تجديد ميزان الردع امام اسرائيل. هذا الافتراض يوجد له بالطبع ما يستند اليه. فالاتفاق تم التوقيع عليه ظاهريا بين اسرائيل وبين دولة تسمى لبنان، لكن عمليا هو اتفاق بين دولة ومنظمة. ومن اجل عدم بقاء الاتفاق فقط كصفحة “اكسل” تسجل عليها خروقات الطرفين واحصاء النشاطات التي ستبرر الرد العسكري، فان لبنان يحتاج الى تغيير في الهيكلية. 

المتحدثون بلسان حزب الله يسعون الى الاثبات بأنهم انتصروا في الحرب وتسببوا بأضرار باهظة وقتلى لاسرائيل، وأنهم بذلوا كل الجهود في استخدام وحدة الساحات. أو كما جاء في عنوان صحيفة “الاخبار” الناطقة بلسان حزب الله، “نحن نقف بصمود وانتصار”. ولكن حزب الله تنتظره معركة قاسية في الساحة الداخلية في لبنان، التي يجب عليه فيها اعادة بناء مكانته المهددة امام اسرائيل لاستخدامها كرافعة سياسية مثلما فعل بعد حرب لبنان الثانية وقبلها بفترة طويلة.

الاتفاق ينص على أن الحكومة اللبنانية تتحمل المسؤولية عن تفكيك البنى التحتية لحزب الله في جنوب نهر الليطاني ومنع تهريب السلاح من سوريا ومن ايران وعن طريق البحر الى حزب الله. وبعد ذلك العمل على تنفيذ القرار 1559 الذي ينص على نزع سلاح حزب الله وسلاح المليشيات الاخرى. ولكن ذلك يبدو في هذه الاثناء مهمة غير محتملة. فالجيش اللبناني فيه القليل من الجنود، وهو غير مزود للعمل في كل الجبهات المطلوبة منه حسب الاتفاق. قائد الجيش اللبناني، جوزيف عون، اوضح لرئيس الحكومة المؤقتة نجيب ميقاتي ونظرائه الامريكيين والفرنسيين بأن نشر القوات على حدود لبنان سيجبره على نقل قوات من الحدود مع سوريا من اجل وضعها على الحدود الجنوبية. المعنى هو أن المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان يمكن أن تكون مكشوفة، على الاقل الى حين تجنيد وتدريب 6 آلاف جندي آخر من اجل تعزيز صفوف الجيش اللبناني.

لكن في ظل عدم القدرة العملياتية فانه من اجل العمل ضد البنى التحتية لحزب الله التي توجود شمال نهر الليطاني، في بعلبك وفي شمال الدولة، الامر يحتاج الى تصميم سياسي يستند الى دعم الجمهور الواسع. هذا من اجل أن تستطيع الحكومة اللبنانية وقف ترميم البنى التحتية العسكرية لحزب الله، وليس فقط في منطقة الجنوب. يجب على الحكومة أن تكون مستعدة لمواجهة مقاتلي حزب الله بشكل مباشر، الذي ليس فقط هو الجسم العسكري الاكبر في الدولة، بل من يمثل اغلبية السكان الشيعة. هذا القرار يحتاج الى تغيير عميق للبنية السياسية في لبنان، التي هي الآن مصنوعة من عدة رقع وتنقسم بين الطوائف والاديان وتحكمها نخب مشوبة بالفساد، الذي افسد اجهزة الدولة. هذه البنية افشلت تنفيذ القرار 1701، ويمكن أن تعيق تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار الجديد الذي يستند بشكل ما على أسس هذا القرار.

من اجل تأسيس نظام قوي في لبنان يستطيع مواجهة حزب الله وتجسيد سيادة الدولة من ناحية دستورية وسياسية فانه من الحيوي التوصل الى تفاهم حول تعيين رئيس جديد للدولة، الذي من صلاحيته تعيين رئيس حكومة بشكل ثابت، التي تحظى بثقة الجمهور.  بعد ذلك يجب الاعلان عن اجراءات الانتخابات للحكومة بموافقة واسعة من الجمهور. لقد مرت سنتين منذ انهاء الرئيس ميشيل عون ولايته، ولبنان لم ينتخب بعد رئيس بديل. في هذه الاثناء لا توجد أي اشارة على خطوات سياسية جديدة رغم الحرب، الدمار الكبير ووقف اطلاق النار. إن غياب حكومة مستقرة وقوية كان العامل الاساسي الذي مكن حزب الله من جر لبنان الى الحرب والى أن يكون في “وحدة الساحات”، من اجل هدف بعيد عن قلوب معظم مواطني الدولة.

حكومة مستقرة وقوية هي حيوية ايضا لاعادة اعمار لبنان، لأنه الآن يتوقع حدوث صراع سياسي صاخب حول اعادة الاعمار. هل ستكون الحكومة أم حزب الله الذي سيتعاون مع ايران في اعادة الاعمار، التي عرضت في السابق مساعدات مالية وتم رفضها؟ حسن نصر الله تعهد بالاهتمام باعادة اعمار كل بيت تم هدمه وكل حقل تم احراقه. بالنسبة لحزب الله لا توجد هنا فقط مسألة المكانة والوفاء بالتعهد، بل ايضا استعراض القوة السياسية. وكي تستطيع حكومة لبنان احباط طموحات حزب الله فانه يجب عليها الآن تجنيد مئات ملايين الدولارات، وبعد ذلك المزيد من المليارات. ولكن مقابل حزب الله الذي تمويله الايراني لا يضع له حدود فانه يجب على الحكومة اجراء الاصلاحات قبل الحصول على المنح والقروض التي تتجاوز المساعدات الانسانية الفورية الضئيلة. 

الحكومة الحالية في لبنان عليها دين بمبلغ 45 مليار دولار، 195 في المئة من الناتج الوطني الخام. وهي غير مخولة وغير قادرة على اجراء هذه الاصلاحات. هذا يعني أنه في المنافسة بين الدولة وحزب الله وايران حول اعادة الاعمار فان الدولة يمكن أن تخسر.

هذه ليست فقط مسألة اقتصادية أو سياسية في لبنان. فالمال السياسي الذي سيكسبه حزب الله من المنافسة على مشروع اعادة الاعمار سيضمن ليس فقط استمرار سيطرته على السياسة في لبنان، بل ايضا على استقرار مرساة ايران في لبنان وفي سوريا. “التطبيق الجدي للقرار 1701 يمكن أن يحدث تغيير كبير في دور حزب الله وايران الاقليمي”، كتب في هذا الاسبوع غسان شربيل، محرر صحيفة “الشرق الاوسط” السعودية. “المغزى من خروج لبنان من “وحدة الساحات”، التي يطمح العراق في الانسحاب منها ايضا، لا يعتبر تغيير بسيط، بل هو تغيير لا مناص منه كي يتمكن اللبنانيين من الدخول مجددا تحت سقف الدولة والقانون”.

شربيل هو مقرب من متخذي القرارات في السعودية ويعرف جيدا المزاج السائد في بلاط ولي العهد محمد بن سلمان، وهو يعبر عن الأمل في أن التغيير السياسي في لبنان الذي يجد الآن الفرصة للتحقق، على الاقل سيقلص مستوى سيطرة طهران في بيروت. السعودية هي عضوة في مجموعة الخمس دول، الى جانب قطر ومصر والولايات المتحدة وفرنسا، والتي ستلتقي في هذا الاسبوع لمناقشة طريقة للدفع قدما بالتغيير السياسي في لبنان. السعودية ايضا هي الدولة التي يمكنها المشاركة بشكل جوهري في اعادة اعمار لبنان، وبالتالي، زيادة احتمالية ابعاد ايران عن الساحة.

من اجل نجاح هذه الخطوات السياسية توجد اهمية كبيرة في ضمان تنفيذ الاتفاق لفترة طويلة. افتراضيا هذه الخطوات يمكن أن تحدث تغيير استراتيجي اقليمي، واسع واكثر اهمية من الحفاظ على الهدوء على طول الحدود بين اسرائيل ولبنان. وبدونها اتفاق وقف اطلاق النار يمكن أن يستمر في أن يكون مصدر للتوتر والاستعداد في انتظار خرقه.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى