هآرتس: الوساطة الامريكية هي أمر حيوي لمنع اندلاع حرب شاملة
هآرتس 22/9/2024، عاموس هرئيل: الوساطة الامريكية هي أمر حيوي لمنع اندلاع حرب شاملة
اغتيال كبار قادة حزب الله ابراهيم عقيل وقيادة وحدة النخبة “الرضوان” أول أمس في بيروت، توقع ضربة قاسية ثالثة على التنظيم خلال بضعة ايام. يبدو أن اسرائيل تزيد الضغط على حزب الله في محاولة للفصل بين ما يحدث في الساحة اللبنانية وبين مواصلة الحرب ضد حماس في قطاع غزة. هي تريد أن تفرض على رئيس الحزب، حسن نصر الله، انسحاب رجاله الى ما وراء نهر الليطاني مع التهديد بمواصلة تدمير قواته العسكرية اذا لم يتوقف عن اطلاق النار، وحسن نصر الله دفع الى الزاوية بصورة يمكن أن تؤدي الى حرب شاملة. كثيرون في القيادة العليا في اسرائيل لا يعارضون بالضرورة هذا السيناريو بعد سنة احباط وبدون حسم في الشمال.
بالنسبة لحزب الله فان الاسبوع الاخير الذي شاهده يساوي في قيمته المفاجأة والفشل العسكري الذي تكبدته اسرائيل في 7 اكتوبر في الهجوم المفاجيء لحماس. وقتل المدنيين في الهجومين غير قابل للمقارنة. اسرائيل، بقدر مسؤوليتها عن هذه العملية، حرصت على توجيه هجماتها نحو نشطاء حزب الله، لذلك فان عدد القتلى المدنيين في لبنان كان قليل جدا اذا اخذنا في الحسبان حجم الهجمات. هذا في الوقت الذي عملت فيه حماس بشكل متعمد على قتل جماعي للمدنيين. ولكن حزب الله نفسه تبين أنه مخترق تماما للاستخبارات الاسرائيلية ومعرض للضرب المنهجي خلافا لصورته في نظر اعضائه.
غداة هجوم البيجرات المتفجرة جاء هجوم اجهزة الاتصال، وبعد يومين جاء اغتيال عقيل و15 من رجاله، قادة رئيسيين في قوة الرضوان، من بينهم خمسة من قادة المناطق. هذه ضربة شديدة للثقة على كل المستويات: ثقة الطائفة الشيعية في لبنان بحزب الله باعتباره يحافظ على مصالحها بقوة الذراع، وثقة نشطاء التنظيم بقيادتهم التي بالفعل وفرت لهم الاجهزة التي قتلتهم وجرحتهم، وثقة حسن نصر الله نفسه بمنظومات اتصال التنظيم.
حزب الله اضطر الى أن يغير كل يوم طريقة الاتصال بين رجاله بعد أن تبين بأن الشبكات اخترقت من قبل الاستخبارات الاسرائيلية. هو لا يستطيع أن يكون على ثقة بأن تفعيل منظوماته الاستراتيجية ضد اسرائيل، اذا صعد القتال، لن تعرضه لعمليات تخريب اخرى. عقيل، الذي بعد اغتيال قائد وحدة الرضوان وسام الطويل في كانون الثاني تحمل المسؤولية عن الوحدة (الى جانب منصبه كرئيس قسم العمليات في الحزب)، وعقد اجتماع لقيادة الرضوان في المكان الذي اعتقد بأنه آمن، في ملجأ تحت مبنى متعدد الطوابق في الضاحية. مع ذلك، وجد هناك موته، 24 سنة بعد أن تملص بالكاد من محاولات اغتيال اسرائيلية سابقة.
اغتيال عقيل يبقي نصر الله تقريبا وحده في القيادة العسكرية القديمة للحزب. عماد مغنية تمت تصفيته حسب التقارير على يد اسرائيل في دمشق في 2008، وتصفية من جاء بعده، مصطفى بدر الدين، قررها حسن نصر الله وايران في 2016 بعد مواجهة داخلية صعبة في قيادة الحزب. رئيس الاركان الحالي لحزب الله، فؤاد شكر، وعقيل وثلاثة من القادة الاربعة في الوحدات التنفيذية الكبيرة في الحزب قتلوا في هجمات اسرائيلية في الحرب الحالية. من المجموعة العليا بقي فقط علي كركي، قائد الجبهة الجنوبية، وطلال حمية رئيس جهاز العمليات الخارجية. جزء من المخضرمين ساروا مع حسن نصر الله مدة اربعين سنة بمجموعة مقلصة تبلورت عند انشاء المنظمة. بعضهم شغلوا مناصبهم الاخيرة لسنوات كثيرة. اضافة الى المشكلات الاخرى فانه الآن يجب على رئيس الحزب التقرير هل يذهب الى حرب شاملة، حيث الى جانبه ستكون قيادة عديمة التجربة.
الهجمات المتزايدة ادت بوضوح الى ضغط كبير في قيادة حزب الله واخطاء في السلوك اليومي، واسرائيل تستغل هذه الفوضى من اجل ايقاع ضربات اخرى. الى جانب الاحداث البارزة – الصحافة البريطانية مثلا خصصت يومين من العناوين الرئيسية لهجمات الاجهزة المتفجرة – هناك جهود متواصلة للمس بقواعد الاطلاق ومنظومة الصواريخ، بهدف المس بموارد حزب الله الهجومية قبل البدء في الحرب. مع ذلك، هناك شك في أن يستطيع حسن نصر الله أن يؤجل لفترة طويلة رده أو الاكتفاء بعمليات مقلصة يتم تسويقها على انها انجاز كاذب (كما فعل في قضية اطلاق المسيرات نحو غاليلوت في الشهر الماضي).
اسلوب المعادلات للزعيم الشيعي لفظ انفاسه تماما. من المرجح أنه سيرى أنه ملزم بالرد بقوة على اهداف في مركز البلاد ومنطقة حيفا، ولن يكتفي طوال الوقت باطلاق النار نحو الجليل فقط. مع ذلك، خط احمر لم يتم تجاوزه بعد هو اطلاق يهدف الى قتل جماعي للمدنيين. حسن نصر الله يعرف أن معنى ذلك سيكون كما يبدو حرب شاملة، من هنا فانه اذا فعل ذلك فهو سيصل الى هذه النتيجة بصورة متعمدة تماما. هو سيضطر ايضا الى أن يأخذ في الحسبان احتمالية أنه في حالة اطلاق نيران تتجاوز حدود القطاع السابقة للمناوشات فان اسرائيل سترد من الجو بهجوم شديد بشكل خاص. مساء أمس بدأ هجوم كثيف لسلاح الجو تجاه مناطق اطلاق في لبنان. قائد سلاح الجو، تومر بار، قال أمس إن سلاح الجو “يواصل الوقوف في اقصى حالات الاستعداد التي يمكن أن نضع السلاح فيها”.
المبادرة الى اغتيال عقيل جاءت من الجيش الاسرائيلي بعد تشخيص فرصة عملياتية نادرة. عمليا، خلافا لما تحاول حاشية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تسويقه فان التوجيه الذي املاه الكابنت على الجيش قبل بضعة ايام لم يتحدث عن تصعيد آخر، بل عن عمليات هجومية محدودة، بانتظار فهم ماذا سيكون تأثير هذه الخطوات على حسن نصر الله. في هذه المرة الجيش هو الذي قاد خط الهجوم، لكن فعليا هناك في الفترة الاخيرة خلاف بين الرتب والتشكيلات حول مسألة الى أي قدر يمكن استغلال وضع الضعف الذي وصل اليه حزب الله، وهل من اجل زيادة المس بقدراته الهجومية، التي يمكن لاسرائيل أن تتضرر منها في المستقبل، يمكن المخاطرة ايضا بحرب اقليمية؟.
المواقف مختلفة ايضا في هيئة الاركان، حيث أن قائد سلاح الجو بار وقائد قيادة المنطقة الشمالية اوري غوردن يسعيان الى خطوات حاسمة اكثر. ولعبة البوكر تجري ليس فقط مع حزب الله، بل في داخل المنظومات فيما بينها. هنا علاقات القوى تميل بوضوح لصالح نتنياهو، الشخص الوحيد في القيادة الذي لم يظهر أي ندم حول مسؤوليته عن اخفاقات 7 اكتوبر. نتنياهو قلص حرية عمل وزير الدفاع يوآف غالنت عندما سرب ضده وكأنه يضع عقبات امام القيام بخطوات هجومية في لبنان. في حين أن قيادة الجيش، بخلاف تام لنتنياهو، ما زالت ملاحقة في الشعور بالذنب حول المذبحة في غلاف غزة، وهو الشعور الذي سيزداد كلما اقتربت الذكرى السنوية الاولى للكارثة. يمارس ضدهم هجوم مسموم، موجه من قبل نتنياهو وحاشيته، لكنه يحصل على الدعم ايضا من عائلات المخطوفين والقتلى التي تطالب باستقالة الضباط الكبار.
في هذه الظروف المطلوب هو بالاساس جهود امريكية جديدة لعقد صفقة، في الشمال وفي الجنوب، في نقطة فيها القدرة على المساومة لحزب الله تضررت ازاء اخفاقاته على الارض. الادارة الامريكية باركت تصفية عقيل، القاتل الارهابي المسؤول عن قتل مئات الامريكيين والاسرائيليين، حيث وضعت الولايات المتحدة جائزة بمبلغ 7 ملايين دولار لرأسه. ولكن واشنطن التي اظهرت قدرة وساطة متدنية جدا طوال الحرب غاضبة مما يبدو من هناك كمحاولة لاسرائيل لتصعيد المواجهة مع حزب الله، وربما توريط الادارة الامريكية في حرب اقليمية عشية الانتخابات الرئاسية الامريكية.
فشل امريكي آخر يعني ضربة قاضية لصفقة المخطوفين التي بدون ذلك المفاوضات حولها جمدت تماما ازاء رفض نتنياهو ورئيس حماس يحيى السنوار. من خطابات نتنياهو الاخيرة ومن تصريحاته في محادثات مع كبار قادة الجيش من الواضح أنه لا توجد له أي مصلحة بالدفع قدما بالصفقة، في الوقت الذي فيه شركاءه في اليمين المتطرف يعارضونها. مصيره الشخصي اكثر اهمية من مصير المخطوفين. وقد قرر الرهان على كل الصندوق أو على معظمه على الاقل، وبدلا من التركيز على الصفقة مع حماس هو يحاول القيام بعملية طموحة اكثر، التي ستضر بحزب الله وربما ستؤثر بشكل غير مباشر على حماس.
لعبة البوكر الدموية
في ايار 1982، قبل ثلاثة اسابيع على اندلاع حرب لبنان الاولى، نشر يوئيل ماركوس مقال في “هآرتس” بعنوان “لعبة البوكر الدموية”. وقد حذر ماركوس، استنادا الى الاستعدادات في الجيش الاسرائيلي قبل الحرب ضد م.ت.ف، بأن حكومة بيغن – شارون “تنوي الخروج عن الوعي السياسي”. وقال إنه في ظل غياب التهديد الوجودي فانه لا يوجد مبرر لشن حرب ضد لبنان.
الظروف في هذه المرة مختلفة. فاسرائيل تورطت بدرجة كبيرة في اعقاب هجوم حماس الارهابي. في الحقيقة هي انزلت عليها ضربة قاسية في القطاع، لكنها لم تنجح في هزمتها. هي تجد صعوبة في ايجاد مخرج سياسي من الوضع بسبب الرفض الحازم للحكومة لأي تسوية تشمل مشاركة السلطة الفلسطينية. في الشمال، تقريبا خلال سنة، ازعاج حزب الله المتكرر، الذي بدأ بدون أي استفزاز من قبل اسرائيل، ابعد 60 ألف مواطن في الجليل عن بيوتهم وهنا لا يلوح أي حل في الافق. خلافا للوضع في 1982 يصعب الحديث هنا عن حرب مارقة. ولكن الامر البارز هو عدم ثقة الجمهور، المبررة، باعتبارات رئيس الحكومة. عندما تكون متورطا في ثلاث مخالفات جنائية واكثر من نصف الجمهور لا يصدق أي كلمة تقولها فانه يصعب عليك الاقناع بأن القرارات المصيرية يتم اتخاذها بشكل نظيف.