هآرتس: الهدف السياسي المصري: وقف نار طويل

هآرتس 2023-11-24، بقلم: تسفي برئيل: الهدف السياسي المصري: وقف نار طويل
عشية دخول وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ، وبداية عملية إطلاق سراح المخطوفين، تجري منافسة إعلامية بين مصر وقطر حول لمن يعود الفضل في نتائج المفاوضات.
موقع “اليوم السابع” المصري، المقرب من النظام، نشر مقالاً طويلاً عن “الجهود التي بذلتها مصر في عملية الوساطة”، في حين أنه أبعد إلى الهامش دور قطر.
الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بارك في حسابه في تويتر عملية الوساطة المصرية، القطرية والأميركية – في البداية مصر وبعد ذلك قطر. وأكد على أن مصر تستمر في بذل الجهود من أجل الدفع قدماً بحل شامل للصراع.
مصر وقطر هما الدولتان اللتان تعهدتا بضمان أن تنفذ حماس نصيبها في الصفقة، في حين أن الولايات المتحدة هي “المسؤولة عن الطرف الإسرائيلي”.
أدوات الضغط الأميركية على إسرائيل ليست بحاجة إلى توضيح، والأكثر صعوبة هو معرفة قدرة مصر وقطر على منع حماس من خرق الاتفاق أو فحص ما هي التعهدات التي تسلمتها قيادة حماس منهما لضمان وجودها.
إمكانيات قطر تتراوح بين تأمين الملجأ الآمن لقيادة حماس في الخارج فيها، وبين التهديد بالانفصال التام عن هذه المنظمة ووقف دعم مؤسساتها.
في المقابل، مصر لم تساعد حماس مالياً، وممثليتها في مصر غير كبيرة.
أساس قوتها هو في السيطرة على معبر رفح والعلاقات الشخصية التي طورها رئيس المخابرات عباس كامل مع قادة حماس في غزة وفي الخارج.
مع ذلك، من الواضح لماذا مهم لمصر أن تستعرض إسهامها الجوهري في المفاوضات، الذي حصلت بسببه أمس على الثناء، حتى من الرئيس الأميركي جو بايدن.
“مصر لن تتردد في اتخاذ أي وسيلة تضمن الأمن على حدودها إذا بدأت هجرة إلى أراضيها.
هذا ستكون له نتائج حاسمة حسب القانون الدولي”، هكذا أعلن رئيس الحكومة المصرية، مصطفى المدبولي، في جلسة خاصة للبرلمان عقدت يوم الثلاثاء الماضي في القاهرة.
باختصار، هذا هو خوف مصر الأكبر من اليوم الذي سيعقب وقف إطلاق النار، الذي ستبدأ فيه المعركة في جنوب القطاع. وهي المعركة التي من شأنها، حسب مصر، أن تؤدي إلى “تهجير قسري” لمليوني غزي إلى شبه جزيرة سيناء.
تساهم في هذا الخوف أيضاً تصريحات لوزراء إسرائيليين، من بين ذلك الاقتراح الذي مثل اختراقة لوزيرة المعلومات غيلا غملئيل، الذي نشر في نهاية شهر تشرين الأول والذي يقول إن “هجرة كبيرة للسكان من مناطق القتال هي طبيعية ومطلوبة”.
منذ بداية الحرب تخوض مصر نضالاً سياسياً عنيداً جندت له السعودية والأردن واتحاد الإمارات والولايات المتحدة من أجل مواجهة خطر الهجرة من قطاع غزة إلى مصر.
جهات مصرية رفيعة قالت لوسائل إعلام عربية إن “الرئيس المصري يجري دون توقف محادثات حثيثة مع الإدارة الأميركية من أجل الحصول على ضمانات، أو على الأقل وعود، بأن لا تعمل إسرائيل “بشكل يهدد أمن مصر القومي”.
القصد هو إمكانية أن تبدأ، عند بداية المعركة في جنوب القطاع، نفس حملة الهرب للسكان إلى شبه جزيرة سيناء. نقاط الفضل والأحقية عن دورها في نجاح صفقة المخطوفين، يمكن حسب رأيها أن تساعدها في تجنيد الدعم لهذا الطلب.
مع ذلك، مصر لا تكتفي بالمحادثات الدبلوماسية، حيث إن قوات مصرية معززة تقف مستعدة منذ بضعة أسابيع على الحدود لإحباط أي احتمالية كهذه، وفي نفس الوقت تستمر النقاشات بين زعماء عرب يريدون الدفع قدما بعملية سياسية ما من أجل منع استمرار المعركة العسكرية، وفي ظل ذلك التوصل إلى وقف طويل لإطلاق النار.
أول من أمس في لقاء خاص بين ممثلي الدول الأعضاء في “البريكس” أكد ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، على أن “المملكة ترفض أي محاولة لاقتلاع المواطنين من بيوتهم”.
وقد تحدث عن الحاجة إلى وقف إطلاق النار وطلب من جميع الدول عدم بيع السلاح لإسرائيل.
هذا التصريح كان أحد التصريحات الشديدة التي أسمعها حتى الآن محمد بن سلمان ضد إسرائيل.
من ناحية مصر والأردن؛ الدولتين المعرضتين أكثر للتهديد من انزلاق الحرب إلى حدودهما، فإن قضية “اليوم التالي” تنقسم إلى اثنتين. اليوم التالي لكل الحرب واليوم التالي لوقف إطلاق النار القريب.
في الوقت الحالي لا يوجد لأي دولة، حتى الولايات المتحدة، أي بداية لخطة يمكنها ترتيب السيطرة في قطاع غزة بعد ما سيعلن عن نهاية حكم حماس.
الفجوة بين موقف إسرائيل القاطع بأنها لن تسمح للسلطة الفلسطينية بموطئ قدم في القطاع وبين موقف الرئيس الأميركي الذي يطمح إلى تأسيس “سلطة متجددة” بحيث تستطيع الحكم في غزة، أكبر من أن يمكن جسرها.
محمود عباس نفسه يساعد موقف نتنياهو عندما رفض إمكانية تحمل المسؤولية عن إدارة القطاع دون أن يكون ذلك في إطار خطة سياسية شاملة تستهدف حل الدولتين.
لكن الخوف هو من أنه إلى حين بدء الحوار حول حل الدولتين لن يتبقى هناك ما يديره في غزة بعد انتهاء الحرب.
التدمير المنهجي لشمال القطاع، الذي لن يسمح بعودة مئات آلاف الأشخاص إلى بيوتهم، يمكن إضافته بعد وقف إطلاق النار إلى الدمار المتوقع من استئناف القتال في جنوب القطاع، الذي يعيش فيه الآن أكثر من 1.25 مليون إنسان.
مصر توجهت في السابق إلى واشنطن وطلبت منها الضغط على إسرائيل من أجل تغيير استراتيجيتها القتالية والتوقف عن التدمير المنهجي للمباني والشوارع والبنى التحتية.
“يجب إبقاء طريق من أجل عودة المواطنين إلى بيوتهم”، قال مصدر مصري مطلع على الخطوات الدبلوماسية لبلاده.
“إسرائيل ليست الدولة الأولى أو الوحيدة التي تحارب ضد منظمة إرهابية أو ضد بنى تحتية إرهابية. مصر لها معركة كهذه منذ العام 2013، لكنها لا تقوم بتدمير البنى التحتية”.
هذا ليس دقيقاً.
مصر قامت “بتسوية” قطاع طويل على طول الحدود بين قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء بعمق 1.5 – 3 كم وخلال ذلك اقتلعت آلاف الأشخاص من بيوتهم.
الفرق هو أن المصريين الذين تم تهجيرهم كان يمكنهم الانتقال إلى مدينة العريش ومدن أخرى قريبة، وحتى أنهم حصلوا على بعض التعويضات المالية.
إضافة إلى جهود مصر للاهتمام بأمن حدودها، والتي تديرها بشكل مباشر وحصري أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن الدول العربية تعمل على التوصل إلى وقف طويل لإطلاق النار بعد إنهاء صفقة المخطوفين.
في هذا الأمر تنشغل في الوقت الحالي بعثة لوزراء الخارجية العرب، برئاسة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان. ويشارك في هذه البعثة أيضاً وزراء خارجية مصر والأردن والسلطة الفلسطينية.
وقد اجتمعت البعثة يوم الثلاثاء مع وزير الخارجية الروسي، سرجيه لافروف، وقبل يوم مع وزير الخارجية الصيني فانغ يي.
البعثة حظيت بدعم علني من وزراء الخارجية الذين التقت معهم، لكن هذا الدعم يجب أن يخضع لامتحان عملي إذا تم تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب إسرائيل بوقف إطلاق النار، ليس فقط بشكل مؤقت، من أجل استكمال صفقة المخطوفين.
ساحة مجلس الأمن، كما أوضح القرار الذي اتخذ يوم الأربعاء الماضي، يمكنها أيضاً المفاجأة.
مشروع القرار الذي تمت إجازته تحدث في الواقع فقط عن فتح ممرات إنسانية وعن إطلاق سراح المخطوفين، ولم يتحدث عن وقف إطلاق النار. ولكن خلافاً لموقف إسرائيل وتوقعاتها فإن الولايات المتحدة قررت الامتناع وليس فرض الفيتو.
واشنطن حتى الآن ما زالت تظهر الدعم الكامل لمواصلة القتال ضد حماس في غزة. ولكن الرئيس الأميركي يسمع جيداً أيضاً الاحتجاجات الآخذة في الازدياد في الولايات المتحدة ضد استمرار القصف الكثيف والإضرار الكبير بالسكان.
من غير المستبعد أنه في الفترة التي سيستمر فيها وقف إطلاق النار الحالي سيتم فحص إمكانية تغيير تكتيك الحرب بصورة تأخذ في الحسبان الضغوط الدولية، خاصة الأميركية، وتخوفات الدول العربية.