هآرتس: الهجوم في قطر خطر لازمة شديدة مع شريكتنا الولايات المتحدة

هآرتس 14/9/2025، د. ابراهام بن تسفي: الهجوم في قطر خطر لازمة شديدة مع شريكتنا الولايات المتحدة
بصياغة اخرى للمقولة الاسطورية للمفكر الاستراتيجي من القرن التاسع عشر كارل فون كلاوزوفيتش، الذي قال ان الحرب من شانها ان تكون استمرارية للسياسة بوسائل مختلفة، هكذا ايضا يمكن القول بان اتفاق سياسي، صفقة او حتى وقف لاطلاق النار، يمكن ان ينبثق بعد صمت المدافع. هذا على فرض ان الحديث لا يدور عن، حسب تعريف كلاوزوفيتش، “حرب مطلقة”، التي تسعى الى الهزيمة المطلقة للعدو بدون شروط وبدون تفكير باليوم التالي.
في الواقع الذي تعيش فيه اسرائيل منذ سنتين، يبدو ان المنطق النقي والصافي للحرب المطلقة هو الذي يوجه نموذج سلوك الحكومة المتكرر منذ 7 اكتوبر المرير. التعبير الاخير بشان ان معظم قرارات اسرائيل في هذه الفترة تستمد من اعتبارات تكتيكية – عملياتية، مع تجاهل مطلق لعنقود كامل من الضغوط أو الاحتياجات الاستراتيجية – السياسية (اقليمية ودولية على حد سواء)، كان محاولة تصفية قيادة حماس الخارج في الدوحة.
بنفس الدرجة التي تسببت فيها المحاولة الفاشلة لتصفية خالد مشعل في 1997، الذي اصبح بعد ذلك رئيس المكتب السياسي لحماس، وبالتحديد في الاردن، والضرر السياسي الكبير والحرج لاسرائيل – خاصة فيما يتعلق بعلاقات الثقة والتعاون الاستخباري والعملياتي بين الدولتين – هكذا ايضا فاقم الهجوم على قادة حماس في قطر التسونامي السياسي الذي يهدد باعادة اسرائيل الى فترة الحضيض التي عاشت فيها منذ اقامتها.
في تلك الايام البعيدة، عندما “دول الغرب العظمى – الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا – ادارت ظهرها لاسرائيل، وفي نفس الوقت اغلق عليها سور العداء، العزل والمقاطعة في الدائرة الداخلية لدول المنطقة المحيطة بها، كان ذلك فقط هو الاتحاد السوفييتي برئاسة ستالين هو الذي هب لمساعدتها من خلال تزويدها بالطائرات والنفط باهظة الثمن. لقد كانت تلك شراكة قصيرة وعديمة الجدوى، التي سرعان ما اختفت على خلفية الدعم المتزايد لموسكو للمعسكر العربي.
لكن رغم فشل 1997 – بتجاهل تام للاعتبارات السياسية والاستراتيجية الحاسمة التي كان يجب ان تقف كاشارة تحذير واضحة امام اعين رئيس الحكومة في حينه بنيامين نتنياهو – إلا أنه عادت وتكررت في الاسبوع الماضي هذه الصورة للتضحية بالمجال الاستراتيجي والسياسي على مذبح انجاز تكتيكي مقدر من قبل نفس رئيس الحكومة.
تداعيات مدمرة
لكن الفشل في هذه المرة اخطر باضعاف من سابقه، وتداعياته يمكن ان تكون مدمرة وشاملة في نطاقها، لان الحديث لا يدور الآن عن مواجهة شديدة مع المملكة الاردنية الهاشمية، بل بخلق ازمة شديدة ايضا مع الحليفة والشريكة المخلصة والوحيدة، الولايات المتحدة. هذا بدون الحديث عن الشرخ الزائد الذي لا لزوم له مع الكيان “المعقد” الذي يسمى قطر، ومع كل العالم العربي والاسلامي، ومع كل المنظومة الدولية، ومع التداعيات المقلقة بخصوص مصير المخطوفين.
اولا، يجب ان نذكر بانه خلافا لمشعل فان كل الاشخاص الاشرار الذين حاولوا اغتيالهم في الدوحة لم يكونوا يعيشون في الظلام والخفاء، بل ظهروا وعملوا علنا في قطر. بناء على ذلك، حتى لو كان محكوم عليهم بالقتل، فما الذي جعل نتنياهو يصمم على تصفيتهم الآن بالذات، في الوقت الذي فيه عملية الوساطة التي في اساسها توجد الولايات المتحدة، كانت ما تزال في ذروتها؟ ما الذي جعله يعتقد ان ورثتهم سيظهرون فجأة الاعتدال وروح المصالحة والنية الجيدة؟ هل حسن نصر الله مثلا، كان معتدل اكثر من سلفه عباس موسوي الذي تمت تصفيته في شباط 1992؟.
في الاساس اذا لم يكن الامر يتعلق بالرغبة في هز السفينة العالقة وتغيير اتجاهها، بل الرغبة في انهاء أي احتمالية للتوصل الى صفقة ومواصلة ادارة “الحرب المطلقة” – حتى لو كان ثمنها السياسي، الاقتصادي – الاجتماعي، آخذ في الارتفاع، وفي الوقت الذي فيه حياة المخطوفين آخذة في النفاد امام انظارنا –يتولد الانطباع بانه حتى بعد عشرات السنين من محاربة الارهاب العربي فان الزعماء لدينا لم يتحرروا بعد من التصور والمفهوم الذي بحسبه علاقة القوة بين الطرفين هي المفتاح الحصري للنصر المطلق.
هذا تفكير بسيط وعرقي، يفترض انه حتى الحركات القاتلة والمتعصبة والراديكالية يحركها طموح يسعى الى تقليص الاضرار والبقاء. هل دروس مواجهات بقوة قليلة في القرن العشرين مثل الحرب بين الهند والصين، حرب فيتنام وحرب افغانستان، لم تثبت مرة تلو الاخرى بان الطرف الضعيف لا يسعى بالضرورة الى النصر العسكري، بل هو يطمح الى استنزاف العدو وسفك دمائه وتحطيم معنوياته واضعاف اساس دعمه، الداخلي والخارجي، في الطريق الى ذلك.
يجب علينا أن نتذكر بان نقطة انكسار امريكا في حرب فيتنام كانت ترتبط بالتحديد بتجسيد استعداد الفيتكونغ بتنفيذ نوع من الانتحار الجماعي من خلال الخروج من غياهب الغابات المظلمة وشن حرب مواجهة عديمة الاحتمالية امام الدبابات الامريكية وضد الجيش الاكبر باضعاف. هذه كانت الانعطافة التي اثبتت لمتخذي القرارات في ادارة الرئيس جونسون بان شيفرة التشغيل التي توجه الاعداء مختلفة جوهريا عن اعتقادهم بقدسية الحياة وقيود الاخطار التي ايضا منظمات العصابات الارهابية مستعدة لتحمل مسؤوليتها.
حاجة فورية الى تفكير سياسي حقيقي
على هذه الخلفية التاريخية فانه من الواضح ايضا ان شعار “النصر المطلق” ليس اكثر من شعار. وبناء على ذلك فان استمرار القصف في غزة يمكن ان يسرع الانجراف السريع في مكانتنا الدولية، حيث كل ما بني بعمل كبير منذ اقامة الدولة من اجل توسيع دائرة العلاقات والشراكات يتحطم الى شظايا امام انظارنا.
في المقام الاول، شبكة العلاقات الخاصة بين واشنطن والقدس، التي منذ الستينيات اعطت اسرائيل شبكة امان قوية في كل المجالات، آخذة في التمزق. كيف ان قادتنا الذين يركزون على المستوى التكتيكي يمكنهم بشكل عام تجاهل الاهمية الاستراتيجية والتجارية الكبيرة للدوحة بالنسبة لترامب، واحراج الرئيس في ذروة المفاوضات التي يجريها مبعوثوه مع ممثلين اسرائيليين وقطريين في العاصمة الامريكية، وعدم التشاور مع البيت الابيض قبل الهجوم؟.
وكيف أنهم لا ياخذون في الحسبان فصل محور وساطة قطر دفعة واحدة؟. مع كل تعقيداتها، حسب تعبير نتنياهو، فان قطر كانت الدولة الاكثر ارتباطا بكل اجزاء العالم العربي. لماذا نقطع هذا المحور ولو حتى بشكل مؤقت؟ هل لا يوجد في ذلك ضربة قاضية لحلم التطبيع الاقليمي الواسع الذي سعى ترامب الى تحقيقه بلا كلل وملل؟.
من بالضبط سيستبدل قطر في مهمة الوساطة؟ هل هذا هو رئيس حكومة فيجي، الذي يتوقع ان يزورنا في هذا الاسبوع؟. في الختام، على خلفية كل ذلك أي صورة لاسرائيل يمكن ان ترتسم امام العالم، بالاساس في محيطنا في الشرق الاوسط؟ ألن يكون فيها ما من شانه أن يمحو صورتها كمرساة استقرار ومسؤولية في داخل محيط مليء بالازمات والانقسامات؟.
من خلال هذه الصورة البائسة والمقلقة يبدو ان قرار الامم المتحدة المصادقة اول أمس باغلبية ساحقة، 142 دولة، على “بيان نيويورك”، الذي في اساسه يشكل اطار ملزم لتطبيق “حل الدولتين”، ويؤيد بشكل صريح اقامة دولة فلسطينية سيادية، وفي نفس الوقت المطالبة بوقف الحرب في غزة، فان هذا اشارة واضحة تدل على الحاجة الفورية الى تفكير سياسي حقيقي.
في عالم العولمة الذي تحاول اسرائيل الاندماج في اطره المختلفة كدولة شرعية ومحترمة، فان اظهار نظرة تستخف بالمؤسسات والمنظمات الدولية، حسب صيغة رئيس الحكومة الاول دافيد بن غوريون الذي قال بان “الامم المتحدة هي جسم عاجز”، فقط سيزيد من شدة ضائقة اسرائيل بكل المعاني، ويمكن ان يحولها الى دولة منبوذة.