هآرتس: الهجوم في اصفهان يبدو محدود ونفي ايران يمكن أن يعفي النظام من الرد
هآرتس 19/4/2024، عاموس هرئيل: الهجوم في اصفهان يبدو محدود ونفي ايران يمكن أن يعفي النظام من الرد
هذه ايام تاريخية في الشرق الاوسط – ليس الى الافضل. في منتهى السبت، للمرة الاولى في التاريخ، هاجمت ايران بشكل مباشر اسرائيل بواسطة مئات الصواريخ البالستية والصواريخ المجنحة والمسيرات. الهجوم الذي كان كانتقام على اغتيال الجنرال الايراني في دمشق قبل اسبوعين من ذلك، تم احباطه بالكامل بمساعدة دول غربية ودول عربية صديقة. وفجر اليوم جاء الرد. حسب تقارير ايرانية تمت مهاجمة هدف عسكري قرب مدينة اصفهان التي توجد فيها منشآت نووية.
المهم بشكل خاص هو من هو المسؤول عن هذا الهجوم. جهات في الادارة الامريكية اوضحت بشكل قاطع أن هذه عملية اسرائيلية في الاراضي الايرانية. يبدو أننا اكثر قربا مما في أي وقت مضى من خطر اندلاع حرب اقليمية واسعة، رغم أن المجتمع الدولي سيبذل الآن بالتأكيد الجهود الكبيرة لتهدئة النفوس. هذه عملية اولى في نوعها، يجب الذكر. لقد نسبت لاسرائيل في السابق هجمات بطائرات مسيرة تم فيها تدمير مشروع لانتاج المسيرات في كرمنشاهقبل سنتين تقريبا، وسلسلة من الاغتيالات لرؤساء المشروع النووي في داخل ايران على مدار سنين. حتى الآن لم يحدث هجوم كما شهدت ايران الآن: اصابة واضحة ومدوية. حدث، الذي كما يبدو لا يمكن اخفاءه ولا يمكن نفيه، ومع ذلك بعد ساعتين على الهجوم بدأت وسائل الاعلام الايرانية في الادعاء بأن الهجوم تم افشاله، وعمليا لم يحدث أي شيء. هذا يمكن أن يكون محاولة لتهدئة النفوس واعفاء النظام من الحاجة الى الرد.
العملية الايرانية السابقة عكست تغير في الاتجاه الاستراتيجي. فخلال سنوات اهتم النظام برئاسة المرشد الاعلى علي خامنئي (الذي يحتفل اليوم بعيد ميلاده الـ 85) بادارة سياسة هجومية، ولكن مع ذلك صبورة بدرجة معينة ازاء اسرائيل. ايران طورت مليشيات ومنظمات ارهابية التي أوجدت “طوق من النار” حول اسرائيل، حسب حلم الجنرال قاسم سليماني، لكنها امتنعت بشكل عام عن مواجهتها بشكل مباشر. هجمات “المعركة بين حربين” الاسرائيلية، التي تركزت في سوريا وشملت اغتيال لرجال حرس الثورة وتفجير قواعد عسكرية وقوافل سلاح مهربة، مرت على الاغلب مع ردود ضئيلة من ايران.
في هذه المرة تم اطلاق مئات الصواريخ، يبدو من خلال رؤيا لقوتها المتزايدة والتقدير بأن اسرائيل تخشى من المواجهة الشاملة في الوقت الذي هي متورطة فيه في حرب في غزة وفي لبنان. على الاقل علنا، احباط هجومهم ازعجبشكل قليل ايران. فقد رسموا توجها للمستقبل ودعموه بتهديدات اخرى على اسرائيل، وحتى نثروا في هذا الاسبوع اشارات حول امكانية قيامهم بالدفع قدما بالمشروع النووي حتى الهدف النهائي وهو انتاج القنبلة.
اسرائيل ايضا لم تعتبر احباط هجوم الصواريخ نهاية الامر. هذا كان هجوم واسع، وجه نحو اراض تحت سيادة اسرائيل (عدد من الصواريخ البالستية اصاب قاعدة سلاح الجو في نفاتيم، وهي الهدف الرئيسي للهجوم). الرد ليلة أمس يبدو أنه رد محدود اكثر ومركز اكثر، ومن النظرة الاولى اكثر نجاعة. منظومات الدفاع الجوية الايرانية، التي هي أدنى من حيث المستوى من المنظومات الاسرائيلية ومن حيث قدرة اعتراضها للصواريخ، محدودة، وايران لا تعتمد على مساعدات استخبارية من الدول السنية كما نشر بأنه حدث اثناء احباط الهجوم ضد اسرائيل.
في مناطق كثيرة في الشرق الاوسط فان ايران اقل شعبية من اسرائيل، التي تقوم بالتنكيل بمواطنيها في الوقت الذي تسعى فيه الى تقويض انظمة اعداءها وتساعد وتمول نشاطات ارهابية في ارجاء المنطقة. لا أحد من الزعماء العرب سيذرف أي دمعة في هذا الصباح على المس بسيادة ايران؛ يمكن التخمين أنهم فقط يقلقون من امكانية أن تنتشر النار بصورة تضعضع الاستقرار في دولهم.
اذا كان الهجوم الاسرائيلي وبحق تركز على موقع واحد في اصفهان، الذي ليست له أي صلة بشكل مباشر بالمشروع النووي، فان هذا يبدو أكثر مثل تقديم مثال على القدرات ونقل رسالة تقول: نحن قادرون على الحاق ضرر كبير بكم. رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي يهدد بمهاجمة ايران منذ عقدين حقق حلمه، أو على الاقل جزء منه. والسؤال هو ماذا عنا نحن المدنيون.
محاولة لهز السفينة
اضافة الى الرد المباشر على عدوان ايران، فان العملية في ايران (التي لم تتحمل اسرائيل المسؤولية رسميا عنها) يمكن أن تعكس درجة الاحباط من الشرك الاستراتيجي الاقليمي. الحرب في قطاع غزة بدأت في المذبحة التي نفذتها حماس في 7 اكتوبر. بعد يوم من ذلك انضم حزب الله للقتال بقوة منخفضة اكثر على الحدود مع لبنان. وبعد اكثر من نصف سنة اسرائيل حتى الآن لم تحقق اهدافها العلنية. معظم المخطوفين لم يعودوا (110 تمت اعادتهم في تشرين الثاني الماضي، و133 ما زالوا لدى حماس، وكثيرون منهم ليسوا على قيد الحياة). حماس لم تتم هزيمتها بالكامل حتى الآن. ولم يتم العثور على حل لابعادرجال حزب الله عن الحدود. فعشرات آلاف الاسرائيليين، من الشمال ومن الجنوب، بقوا لاجئين في بلادهم.
في برنامج “عوفداه” في القناة 12 نشر أمس تقرير طويل للمراسل ايتي اينغل، من مستوطنة المطلة المهجورة. هذا الواقع وصف هنا ايضا مرات كثيرة في الاشهر الاخيرة، لكن لا يوجد افضل مما تراه العين. الكثير من المشاهدين ردوا بدهشة: كيف يعقل أن اسرائيل قامت باخلاء قطاع كامل قرب الحدود من مواطنيه وتسمح لمنظمة ارهابية، اضعف بكثير من الجيش الاسرائيلي، بقصف المستوطنات تقريبا بدون ازعاج؟.
هذا هو الشعور العام في الدولة، الذي يتسرب ايضا الى القيادة. ايران، التي تستمر في تمويل وتشجيع حزب الله وحماس، هي المسؤولية بشكل كبير عن هذا التعقيد الدموي الذي تعلق فيه اسرائيل، وتقريبا لا تدفع أي ثمن عن ذلك. اضافة الى الرد يجب اعتبار هجوم أمس محاولة لهز السفينة الاقليمية من اجل التوصل الى اتفاقات جديدة تعمل على وقف القتال في الجبهات المختلفة، وأن تظهر للمتورطين حجم الثمن المتوقع للحرب الشاملة.
في الخلفية نشر في “وول ستريت جورنال”، التي لها علاقة وثيقة مع مكتب نتنياهو، تقرير آخر متفائل حول اتفاق تطبيع قريب بين اسرائيل والسعودية. مع ذلك، من الجدير عدم الخطأ. فقد كان لاسرائيل كل الحق في الرد على الهجوم. ولكن عندما تكون مقادة من قبل رئيس حكومة فقد منذ زمن دعم الجمهور له، وشرعية جميع خطواته محل شك كبير، فان الحكومة تلعب هنا بالنار امام ايران. هذا ما زال يمكن أن ينتهي بشكل سيء جدا، بالنسبة لجميع الاطراف.