ترجمات عبرية

هآرتس: الهجوم على تقرير الجوع جاء ليخفي عن الإسرائيليين ما تم فعله باسمهم

هآرتس – نير حسون – 24/8/2025 الهجوم على تقرير الجوع جاء ليخفي عن الإسرائيليين ما تم فعله باسمهم

الكثير من نقاط الحضيض سجلت في الحرب في قطاع غزة، واول أمس اضيفت اليها نقطة اخرى، عندما قرر خبراء الامم المتحدة بان اسرائيل هي المسؤولة عن وضع المجاعة الجماعية بدرجة 5، وهي الدرجة الاعلى. قبل التقرير الذي نشروه فان هذا الوضع يسود تقريبا في مدينة غزة، ويتوقع أن ينتشر جنوبا الى مناطق اخرى في القطاع.

من اجل فهم عمق هذا المستوى المتدني يكفي الفحص في أي دول اعلن فيها عن مجاعة بهذه الدرجة في القرن الواحد وعشرين، جميعها في افريقيا. آخرها كان في السنة الماضية، في السودان، الى جانبها توجد في القائمة اثيوبيا، جنوب السودان والصومال. في اليمن وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية وفي نيجيريا تم الاعلان في السنوات الاخيرة عن مجاعة بمستوى متدن بدرجة أقل.

بالنسبة لاسرائيل الرسمية فان الحديث يدور عن كارثة اعلامية وسياسية. ومؤخرا عملت مجموعة كبيرة من الموظفين والضباط ساعات اضافية في محاولة للعثور على نقاط ضعف في التقرير. في الهجوم عليه حتى قبل صدوره، شارك رئيس الحكومة، وزارة الخارجية، وزارة الدفاع ووزارة الشتات. وسائل الاعلام في معظمها سارعت الى تبني السردية التي بحسبها الحديث يدور عن وثيقة متحيزة وغير موثوقة. 

العالم يصعب عليه التصديق بان الدعاية ستقنع، لكن هدفها الاساسي واحد وهو اخفاء الحقيقة عن الجمهور الاسرائيلي حول ما يتم باسمه. هذه الحقيقة تتبين من خلال زيارات افتراضية للعيادات في غزة،  في المقال الذي نشر في “ملحق هآرتس” في نهاية الاسبوع الذي صدر فيه التقرير.

من اجل فهم التقرير وادعاءات اسرائيل تجاهه يجب فهم ما هو مؤشر “آي.بي.سي”، الذي تم تطويره في 2004 في محاولة لتقدير مستوى الجوع في الصومال. 21 منظمة انسانية معروفة، من بينها منظمات تابعة للامم المتحدة ومنظمات غير تابعة لها، تقوم لجنة توجيهية لخبراء بجمع وتحليل احصائي معقد للبيانات. 

الدليل التقني لـ آي.بي.سي يتكون من  اكثر من 200 صفحة. حكومات ومنظمات انسانية تحفظت من هذا المؤشر بذريعة أنه محافظ ومتشدد جدا، حيث انه ليس بالضرورة سيشخص المجاعة في وقت حدوثها. “هم حذرون جدا”، قال مؤخرا للصحيفة البروفيسور اليكس دي فال، الخبير الدولي في الجوع. “اذا لم ينجحوا في الحصول على معلومات أو أن هناك من يمنع وصول المعلومات، فيمكن ان تحدث مجاعة بدون الاعلان عن ذلك. بعد ذلك انت تصل وتحصي قبور الاطفال وتقول، نعم، كانت هنا مجاعة جماعية”.

الخبراء في آي.بي.سي قاموا بوضع ثلاثة مؤشرات. اذا تم اختراقها كلها فتكون هناك مجاعة بمستوى 5. المؤشر الاول يتعلق باستهلاك الطعام – اذا كان هناك ما يكفي من الطعام في منطقة معينة، فهل هو في متناول يد جميع السكان. مستوى استهلاك الطعام يتم فحصه من خلال عمليات مسح تقوم بها المنظمات الشريكة في المنطقة. في التقرير الاخير ابلغت 86 في المئة من العائلات في غزة عن نقص الطعام، واكثر من نصف كبار السن ابلغوا انهم يقفزون عن الوجبات على الاقل اربع مرات في الاسبوع (في محادثات مع “هآرتس” قال غزيون بانهم يأكلون وجبة واحدة في اليوم)، وتقريبا الثلث قالوا انهم بحثوا عن الطعام بين الانقاض. مع هذه البيانات اسرائيل تجنبت النقاش، حيث انه لا يوجد خلاف حول انها منعت الطعام عن الغزيين مدة شهرين، وبعد ذلك تم ادخال كميات قليلة من الطعام الى القطاع.

المؤشر الثاني هو معدل الاصابة بسوء التغذية الشديد والمتطرف، بالاساس في لدى الاطفال. هذه المعلومات تم جمعها في عشرات العيادات التي تقوم بعلاج الاطفال في القطاع، من قبل ممرضات يقمن بقياس بشكل ثابت سمك الابط. اسرائيل تدعي ان عينة من ياتون الى العيادات غير تمثيلية، وأن الحديث يدور من البداية عن الاطفال الاكثر ضعفا، وان طريقة القياس لا تعكس وضع التغذية الحقيقي للاطفال، خلافا لدمج الوزن والطول (كان هناك من قالوا حتى بانه تم اختراع الطريقة بشكل خاص لغزة). ولكن نفس هذه الطريقة التي تظهر في بروتوكول آي.بي.سي استخدمت لقياس الجوع ايضا في السودان وهي مقبولة في الاماكن التي تتعرض فيها منظومة الصحة للانهيار ولا يمكن قياس ووزن كل طفل – مثلما في غزة. الاستطلاعات التي يستند اليها الخبراء تشمل ايضا اطفال معافين ياتون الى العيادات للحصول على التطعيمات.

ادعاء اسرائيلي آخر هو انه حتى حسب آي.بي.سي، فان البيانات التي تم جمعها في تموز لا تجتاز عتبة الجوع من الدرجة 5 – 15 في المئة سوء تغذية شديد لدى الاطفال. ان اجراء حسابات على البيانات بالنسبة لكل الشهر يظهر حقا ان غزة ما زالت لم تجتز العتبة، لكن التقرير يميز بين النصف الاول من الشهر والنصف الثاني الذي فيه تم اجتياز العتبة (التقارير عن الموت بسبب الجوع في القطاع بدأت تنشر في 20 تموز). المهم هو التوجه، الذي هو نحو التدهور.

المؤشر الثالث هو معدل الوفيات بسبب الجوع، هنا النسبة التي تم تحديدها هي حالتي وفاة من بين كل عشرة آلاف. اسرائيل تدعي ان معدل الوفاة في غزة بعيد جدا عن هذه النسبة. ويبدو أن تقارير وزارة الصحة في غزة تؤكد هذا الادعاء: في الشهر الاخير حسب الوزارة مات في غزة بسبب الجوع 205 اشخاص، 0.3 كل يوم من بين كل عشرة آلاف. ولكن آي.بي.سي لا يتعامل مع الموت بسبب الجوع، بل مع الوفيات غير العنيفة عموما. الجوع الجماعي ليس فقط مشكلة صحية بسبب نقص الطعام، بل ايضا انهيار مطلق لنسيج الحياة. كبار السن والاطفال الرضع يموتون بسبب ضعف مناعتهم، وهم يعانون بسبب التلوث من العيش في الخيام بدون منظومة الصرف الصحي وشبكة المياه؛ المرضى بامراض مزمنة يموتون لانه ليس لديهم طريقة للحصول على العلاج أو الطعام الخاص أو لانهم اضعف من ان يصلوا الى العلاج، وهناك ولادات مبكرة كثيرة وتعقيدات في الحمل.

في الاسابيع الاخيرة تحدثت “هآرتس” مع 13 طبيب كانوا في غزة، جميعهم شهدوا بان وضع المرضى يتدهور بسرعة، وان وضع جميع السكان سيء جدا. من المرجح ان الوفيات في القطاع لا يتم الابلاغ عنها كما يجب، كتب في التقرير، “بسبب انهيار منظومة الرقابة، والوضع الصحي المتفاقم بسبب التلوث وبسبب عدوى مقاومة الادوية، التي تحول الاصابات التي كان يمكن علاجها في السابق الى وفيات، وانهيار وحدات العناية المركزة للاطفال حديثي الولادة”.

ذروة هجوم الدعاية الاسرائيلية كانت في البيان الذي نشره مكتب رئيس الحكومة أول أمس. البيان مليء بالاكاذيب والاكاذيب البيضاء وانصاف الحقائق والتشهير والاتهام بـ “الفرية الحديثة”. الكثير منها تم دحضه في السابق، لكن لا مناص من دحضه مرة اخرى. هكذا يدعي نتنياهو ان “اسرائيل سمحت بادخال طن من المساعدات لكل شخص في غزة بالمتوسط منذ بداية الحرب”. بدون الدخول الى مسالة هل هذا هو الوضع حقا، يجب التساؤل هل طن للشخص خلال سنتين هو كثير أو قليل، حيث ان الشخص المتوسط ياكل مئات الكيلوغرامات من الطعام في السنة. اضافة الى ذلك المساعدات ليست بالضرورة طعام. الشاحنات التي دخلت القطاع حملت ايضا الوقود والخيام والمعدات الطبية، التي من غير الواضح اذا تم شملها في الحساب. والى ذلك يجب اضافة سرقة الشاحنات والتوزيع غير المتساوي للطعام، وحقيقة ان من يحتاجه اكثر من الجميع يجد صعوبة في الحصول عليه. حتى لو تجاهلنا كل ذلك فان ما يزيد الوضع خطورة هو ان اسرائيل منعت ادخال الطعام الى غزة لفترة طويلة، الامر الذي لا يمكن أي متوسط من اصلاحه.

ادعاء آخر مشكوك فيه، يكرره نتنياهو، هو ان حماس سيطرت على المساعدات التي تم ادخالها الى غزة. عمليا، هذا لا يوجد عليه أي دليل، كما اعترف ايضا ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي، الذين اقتبست اقوالهم “نيويورك تايمز” وكما اظهر تحليل لمنظمة “يو.اس.ايد”. رئيس الحكومة كرر ايضا الكذبة التي بحسبها الامم المتحدة لا تقوم بجمع الطعام الذي يتم ادخاله الى القطاع في الوقت الذي فيه العنصر الوحيد الذي يزعجها في فعل ذلك هو الجيش الاسرائيلي. هكذا فانه من بين الـ 79 طلب حركة التي قدمتها الامم المتحدة للجيش في الاسبوع الماضي، فقط 45 تم تنفيذه بالكامل.

نتنياهو حتى تفاخر بان اسعار الطعام في القطاع انخفضت. هو فقط نسي الاشارة الى ان ذلك حدث بعد أن ولدت التقارير عن الموت بسبب الجوع، وبعد ان تجاهل جميع التحذيرات، الضغط الدولي الذي اجبر اسرائيل على ادخال الى غزة المزيد من الطعام – وانه حتى الان الكميات التي تم ادخالها بعيدة عن تلبية كل احتياجات السكان.

الجوع الجماعي هو ظاهرة ترافق الناس من الازل، مثلما شهد التناخ وكل الاساطير الاخرى. ولكن في القرن الواحد والعشرين هذه ظاهرة نادرة جدا. لقد تعلمت الانسانية انتاج ونقل والحفاظ على الطعام واطعام حتى الضعفاء جدا في المجتمع. لذلك فان الجوع الجماعي في هذه الايام هو دائما من صنع يد الانسان. اناس يتم منعهم من قبل اناس آخرين من الطعام الذي هم بحاجة اليه، والجوع في غزة يشبه ذلك اكثر من أي جوع آخر. لا يوجد حول القطاع نقص في السعرات، البروتينات والفيتامينات. شاحنات محملة بالطعام انتظرت لاشهر في مصر، الاردن، الضفة الغربية واسرائيل، من اجل الدخول اليه واطعام الغزيين. حكومة اسرائيل الماسورة بجنون الانتقام والبقاء السياسي احدثت بشكل متعمد الكارثة. الجوع في غزة حقيقي وهو من صنع ايدينا.


مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى