ترجمات عبرية

هآرتس: المواجهة مع إسرائيل تساعد الحوثيين وتقلق دول الخليج

هآرتس 23/12/2024، تسفي برئيلالمواجهة مع إسرائيل تساعد الحوثيين وتقلق دول الخليج

أمر جديد هبط في شهر تشرين الاول على سكان صنعاء، عاصمة اليمن، التي تخضع لسيطرة الحوثيين، ينص على أنه يجب على أصحاب قاعات الافراح التي يتم فيها اجراء احتفالات الزواج انهاء الاحتفالات حتى الثامنة مساء “كجزء من الحفاظ على مباديء الدين والأخلاق”. السلطات منعت أيضا استخدام مكبرات الصوت، ومن اجل منع سماع صوت الافراح في الشوارع تم حظر استئجار خدمات الـ دي.جي أو الفنانين واطلاق النار كتعبير عن الفرح. أيضا حظر تصوير العرائس.

هذه التعليمات لم تخرج الجمهور الى الشارع من اجل التظاهر ضد النظام الحوثي الذي سيطر على صنعاء في 2014. يوجد للازواج الشباب، الذين يخططون للزواج وأبناء عائلاتهم أمور تشغلهم اكثر بكثير. مثلا، تجنيد 3500 دولار من اجل دفع المهر أو دفع نفقات حفل الزواج، التي يمكن أن تصل الى اكثر من 1500 دولار. بعد ذلك تمويل اجرة الشقة أو بناء البيت الجديد. كل ذلك براتب متوسط يتراوح بين 180 – 250 دولار في الشهر، هذا اذا وجد. لأن اكثر من 700 ألف موظف عام، بما في ذلك المعلمين ومعلمات رياض الأطفال والمهندسين وعمال الخدمات والصيانة، يخدمون في كادر الحكومة المعترف بها في اليمن. ولكن من يعملون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، لم يحصلوا على رواتبهم في السنوات الثمانية الأخيرة.

في هذا الشهر أعلن النظام الحوثي الذي يسيطر على 60 في المئة من سكان اليمن، الذين يبلغ عددهم 38 مليون نسمة، أنه ينوي ترتيب بشكل مؤقت دفع الرواتب. التمويل ستمنحه السعودية للحكومة المعترف بها في اليمن، حسب الاتفاق الثلاثي الذي وقع عليه بين الحوثيين والسعودية والحكومة. هذا الاتفاق أيضا يسمح للحكومة اليمنية بتصدير النفط من ميناء حضرموت، الذي تعرض مدة سنتين لهجمات الحوثيين وأدى الى فقدان مداخيل بمليارات الدولارات. “اتفاق الرواتب” هو انتصار مهم للحوثيين، لأن من شأنه أن يبعد على الأقل عامل واحد غير مرغوب فيه من بين العوامل التي تشكل التهديد بشكل دائم على النظام الحوثي.

إزاء هذه الترتيبات والتفاهمات التي يجريها النظام الحوثي يمكن التشكيك في مستوى تأثير هجمات إسرائيل على ميناء الحديدة وأهداف أخرى، وعلى قدرة النظام على مواصلة إدارة الحرب أو ردعه عن اطلاق الصواريخ والمسيرات على إسرائيل. الأهم من ذلك هو أنه رغم الصور المؤثرة التي تأتي من المواقع التي تضررت وانقطاع الكهرباء الذي يرافقها، فان مجال عمل إسرائيل في اليمن محدود.

هذا ليس بسبب غياب القدرة العسكرية. فعندما أصيب ميناء الحديدة لم يقتصر الضرر على مناطق الحوثيين والنظام الحوثي، بل أثر على كل الدولة، لأنه عبر هذا الميناء يدخل السلاح والمساعدات العسكرية من ايران، وأيضا تدخل المساعدات الإنسانية المخصصة لـ 70 في المئة من سكان الدولة، الذين يوجدون تحت خط الفقر. هذا أيضا كان السبب في أن الولايات المتحدة والأعضاء في التحالف العسكري الذي شكلته في الحرب الأحمر، امتنعوا دائما عن المس بالميناء.

استراتيجية رد أمريكا على تهديد الحوثيين ما زالت تعتمد على مبدأ “ردع وتقليص قدرة” الحوثيين، الامر الذي يعني عمليا المس بالقواعد العسكرية ومنصات اطلاق الصواريخ والمسيرات، لكن ليس بالبنى التحتية المدنية. إدارة بايدن كانت تطمح الى الدفع قدما بالمفاوضات السياسية بين شطري اليمن بيد، وباليد الأخرى اظهار قبضة قوية ضد إرهاب الحوثيين، ولكن بدون نجاح. يبدو أنه لا توجد لإسرائيل معضلة مشابهة، وتدمير البنى التحتية المدنية لا يشكل أي عائق امام اعتباراتها الاستراتيجية. ولكن اكثر مما في غزة وفي لبنان، والآن في سوريا، فانه مطلوب منها الاخذ في الحسبان، ليس فقط مصالح وسياسة أمريكا، بل أيضا مصالح السعودية واتحاد الامارات ومصر.

هذه الدول لم تنضم الى التحالف العسكري المناهض للحوثيين، الذي شكلته الولايات المتحدة رغم شل التجارة في البحر في المنطقة، والاضرار الكبيرة التي تسبب فيها الحوثيون باقتصاداتها. خوف هذه الدول الرئيسي هو استئناف الحوثيين لهجماتهم على اهداف اقتصادية حيوية، بالأساس على منشآت النفط كما فعلوا في العام 2019، التي أصيبت فيها منشآت النفط لشركة “أرامكو”.

هذه الهجمات جعلت أبو ظبي تنسحب من التحالف الذي شكلته السعودية في 2017، وأن تعزز علاقاتها مع ايران مقابل الهدوء من قبل الحوثيين. السعودية ما زالت تعتبر نفسها العراب لعملية السلام الداخلية في اليمن، التي تهدف ضمن أمور أخرى، الى تشكيل حكومة مشتركة في اليمن. مصر حاولت التفاوض مع الحوثيين من اجل تحرير الملاحة البحرية عن طريق قناة السويس ولكنها حتى الآن لم تنجح في ذلك. النتيجة هي أن إسرائيل في الحقيقة شريكة في التحالف العسكري في البحر الأحمر، لكن في اختيار اهداف هجماتها هي مقيدة بـ “خطوط حمراء” يتم املاءها من قبل دول المنطقة. ورغم توسيع نطاق الهجمات إلا أنه يبدو أنها حتى الآن مرتبطة بسياسة الإدارة الامريكية.

إن دخول ترامب الى البيت الأبيض لا يضمن أن القيود على الرد العسكري سيتم توسيعها. ترامب أيد في الواقع حرب السعودية في اليمن، وفي العام 2019 استخدم الفيتو ضد اقتراح قانون هدف الى تقليص بيع السلاح للسعودية بسبب الكارثة الإنسانية الشديدة التي سببتها الحرب في اليمن. ولكن ترامب كان الرئيس الذي قام بلي ذراع الرياض واجبرها على البدء في اجراء المفاوضات مع الحوثيين. وحتى أنه قال بأن “الحرب في اليمن لن تنتهي بقوة الذراع بل على طاولة المفاوضات”.

في هذه الاثناء فان التوق الى تدمير النظام الحوثي بواسطة المس بالبنى التحتية المدنية ومصادر مداخيله ما زال بعيد عن التحقق. ميناء الحديدة هو في الواقع مصدر دخل مهم للنظام، لكنه ليس المصدر الوحيد. فمعظم مداخيله يحصل عليها من سلسلة طويلة من الضرائب والرسوم والغرامات ودفعات المعشار الدينية وجباية الرسوم مقابل أي رخصة في كل مجال تصدرها الحكومة، بما في ذلك عقود الزواج، والسيطرة على العقارات وبيعها، والقروض البنكية مقابل فائدة مرتفعة، وفرض الجمارك على البضائع التي تأتي من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية المعترف بها، والجمارك على البضائع التي تخرج من اليمن الحوثية. أيضا رسوم تخزين النفط في مخازن ميناء الحديدة لصالح التجار الخاصين يعتبر مصدر للدخل.

النظام الحوثي أسس أيضا بنك مركزي منفصل عن بنك حكومة اليمين المعترف بها. وفي شهر نيسان الماضي بدأ في طباعة عملة جديدة استبدلت اوراق الـ 100 دينار القديمة، وهو يحافظ على سعر مستقر نسبيا للدولار مقابل الدينار بوسائل اصطناعية. ولكن سعر الدينار الجديد يبلغ نصف سعر الدينار في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. عندما أمرت حكومة اليمين البنوك التي تعمل في صنعاء بنقل مركز نشاطها الى عدن، هدد زعيم المتمردين، عبد الملك الحوثي، السعودية بالذات، واتهمها بأنها المسؤولة عن “الحرب الاقتصادية” التي تديرها حكومة عدن ضده.

الحوثي قال إن “الأمريكيين يدفعون النظام في السعودية الى أفعال غبية وعدوانية، التي لا نقبل بها. حقيقة أننا ننشغل في “معركة الدعم” لغزة (المفهوم الذي يرمز لوحدة الساحات)، لا تعني أنه لا يمكننا فعل أي شيء ضد افعالهم الهستيرية. نحن سنرد بشكل مشابه. موانيء ضد موانيء، مطارات ضد مطارات وبنوك ضد بنوك”. هذا التهديد أثمر، وحكومة اليمن تراجعت عن هذه التعليمات.

الحرب في البحر الأحمر تخدم بشكل جيد أيضا سياسة التقشف التي يفرضها الحوثي على مواطنيه، مثل التجند في الجيش والنضال الذي لا هوادة فيه ضد الأعداء السياسيين. صنعاء تعتبر في الواقع جزء من “حلقة النار” التي شكلتها ايران، لكن بقاء النظام يعتبر مصلحة عليا للمتمردين، والحرب الدائمة تخدمه. بناء على ذلك فانه لا يوجد أي تأكيد على أن الحرب في غزة ستتوقف. أيضا اذا طلبت ايران من الحوثي التوقف عن اطلاق النار في البحر الأحمر أو ضد إسرائيل فهو سيستجيب لذلك.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى