هآرتس: المخطوفون عالقون بين صورة النصر المطلق ومطلب الاتفاق الشامل
هآرتس 12-3-2024، بقلم تسفي برئيل: المخطوفون عالقون بين صورة النصر المطلق ومطلب الاتفاق الشامل
هاكم تحليلاً نصياً ضرورياً لإعلان الموساد الاستثنائي في نهاية الأسبوع الذي جاء فيه أن “حماس تتمترس في موقفها وكأنها لا تهتم بالصفقة وتعمل بجهد لإشعال المنطقة في شهر رمضان على حساب السكان في قطاع غزة. ويجب التأكيد على أن المحادثات والتعاون مع الوسطاء مستمرة طوال الوقت في محاولة لتقليص الفجوة والدفع بالاتفاق قدماً.
للوهلة الأولى، مثلما في كل لغز، قسما الإعلان غير مرتبطين ببعضهما.
إذا كانت حماس لا تهتم بعقد الصفقة فعلى ماذا تجري المفاوضات مع الوسطاء؟
لكن إذا كانت فقط “تتصرف وكأنها غير معنية بالصفقة” فعندها يكون الحديث بتحليل، الذي يمكن أن يكون صحيحاً حتى بالنسبة للطريقة التي يتصرف فيها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
لكن الجانب الأدبي في إعلان الموساد ليس الموضوع الرئيس، حيث إنه منذ بداية المفاوضات لإطلاق سراح المخطوفين إسرائيل تجري مفاوضات مزدوجة، المفاوضات العلنية التي فيها البيانات لوسائل الإعلام مخصصة للجمهور الإسرائيلي والأعداء والشركاء السياسيين، وربما أيضاً الرأي العام العالمي؛ والمفاوضات السرية، الأكثر أهمية، التي أثمرت عن الصفقة الأولى والتي يمكن أن تثمر أيضاً عن الصفقة القادمة.
لا يوجد لإسرائيل، حتى عندما تعطي بياناً دراماتيكياً على لسان رئيس الموساد دافيد برنياع، أي احتكار على إدارة مجال الحوار العلني.
هذا ملعب مفتوح يلعب فيه كل من حماس، والرئيس الأميركي جو بايدن، و”المصادر المصرية المجهولة” التي أصبحت مصدراً ثابتاً للمعلومات والمخصص في الحقيقة لوسائل الإعلام العربية، لكن من خلال المعرفة المؤكدة أنه سيتم اقتباسها على الفور من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية وتشكل الرأي العام؛ وسائل الإعلام الإميركية التي على الأغلب يمكن تشخيص مصدر المعلومات فيها التي تصل إليها ورسم خارطة المصالح السياسية لمطلقي المعلومات بناء عليها.
هكذا، بعد يومين على إسهام الموساد في التحليل بخصوص موقف حماس، جاء أمس دور حماس كي ترد.
إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، قدم بالتفصيل المبادئ الموجهة لطلبات حماس.
أيضاً هذه المبادئ بحاجة إلى تحليل نصي: “إذا توصلنا إلى التزام الاحتلال (إسرائيل كما تسميها حماس، بوقف الحرب وإعادة النازحين من الجنوب إلى الشمال والانسحاب من القطاع، نكون مستعدين لعقد الصفقة)”.
هنية قال بشكل صريح: “إسرائيل لم تلتزم بعد بأي طلب من هذه الطلبات”.
وقد عمل بجهد على التأكيد على أنه قبل بضع ساعات على إلقاء خطابه كان على اتصال مع الوسطاء من أجل أن يسمع إذا كان هناك أي شيء جديد في موقف إسرائيل. “لكننا لم نحصل على أي التزام بوقف النار، أي أن إسرائيل تريد استعادة المخطوفين واستئناف الحرب على شعبنا وعلى القطاع”.
وأوضح أيضاً أن حماس تصمم على أن يكون الاتفاق شاملاً وأن ينفذ على ثلاثة مراحل وأن يرتكز على ضمانات دولية تلزم إسرائيل بكل ما يتم الاتفاق عليه.
مراحل تنفيذ الاتفاق يمكن أن تلبي الأسس الثلاث التي تشكل مضموناً واحداً: وقف إطلاق النار، “ترجمة صمود شعبنا وبطولته إلى إنجازات”، “وقف كل الخطة المشبوهة ضد غزة، التي تسمى اليوم التالي”.
هذا الجزء الذي فيه إضافة إلى وقف إطلاق النار حماس تنشر الضباب الكثيف حول جوهر طلباتها.
من غير الواضح ما هي الإنجازات التي تسعى حماس إليها وما هي خطة “اليوم التالي”، غير المقبولة عليها.
قضية إطلاق سراح السجناء مقابل المخطوفين يضعها هنية في مكانة ثانوية، ويقول إن “موضوع إطلاق سراح السجناء هو موضوع مهم، لكن على رأس سلم الأولويات تقف حماية شعبنا ووقف العدوان”.
وقد أكد هنية على أن إسرائيل لن تستطيع إعادة المخطوفين إلا عن طريق الاتفاق.
من غير الواضح إذا كانت هذه الأقوال تمثل أيضاً موقف يحيى السنوار، الذي يحتجز المخطوفين والذي دون موافقته لن يكون لحماس ما تبيعه.
أمس نشر أن إسرائيل تقوم بفحص إذا كان مروان عيسى، نائب محمد ضيف، قد قتل في هجوم للجيش الإسرائيلي في مخيم النصيرات للاجئين.
إذا تمت تصفية عيسى فهذه ستكون ضربة قوية للقيادة العليا العسكرية في غزة، لكن إسرائيل حتى الآن ما زالت تجد صعوبة في الدفع قدماً بصفقة التبادل طالما أنه لا توجد أي جهة تنظيمية خارج القطاع يمكنها أن تأمر بإطلاق سراح المخطوفين.
الخوف الكبير هو من أنه إذا تم قتل السنوار نفسه فإن مصير المخطوفين سينتقل إلى قرارات الذين يحتجزونهم ومن غير المعروف كيف سيتصرف هؤلاء.
إسرائيل التي تتطلع إلى صورة انتصار على شكل رأس السنوار، يمكن أن تبقى دون عنوان مسؤول عن إجراء المفاوضات ودون المخطوفين.
طالما استمرت جهود الوساطة، كما أوضح رئيس الموساد برنياع، فإنه مطلوب قرار إسرائيلي بخصوص المبادئ التي تعرضها حماس.
في خطة المراحل التي عرضها هنية لا يوجد أي تطرق مفصل لـ “خطة باريس”، التي تشمل مراحل التحرير المتدرجة للمخطوفين مقابل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح سجناء فلسطينيين.
لكن من الطريقة التي يربط فيها هنية بين المبادئ يمكن الاستنتاج بأن حماس تعارض الاتفاقات الجزئية، حتى لو أدت إلى إطلاق سراح سجناء.
من هنا فإن وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار ستة أسابيع كما تم الاتفاق عليه في باريس مقابل إطلاق سراح عدد متفق عليه من المخطوفين والسجناء الفلسطينيين، لا يمكن أن يكون منفصلاً عن الاتفاق الشامل الذي تعتبره حماس الإنجاز الجوهري.
هنا تكمن الفجوة الكبيرة بين موقف إسرائيل، المعنية باتفاق منفصل على إطلاق سراح المخطوفين لكنها ترفض في هذه الأثناء أي اتفاق بعيد المدى يشمل وقفاً دائماً لإطلاق النار وموقف حماس.
يبدو مع ذلك أن حماس مستعدة لأن يتم تنفيذ الأجزاء الأخرى في الاتفاق الشامل بشكل تدريجي، شريطة أن تستطيع الحصول على ضمانات مرضية لتنفيذها.
هنا يكمن عائق مهم آخر تضعه حماس منذ بداية المفاوضات: حتى لو وافقت إسرائيل على كل طلبات حماس فإنه من غير الواضح ما هي الضمانات التي يمكن أن ترضيها وما هي الجهات أو الدول التي يمكن أن توفرها.
هل مصر أو الولايات المتحدة حتى يمكنهما التعهد باسم إسرائيل؟ هل حماس تؤمن بأن هذه الدول يمكنها أن تفرض على إسرائيل عقوبات إذا قامت بخرق الاتفاقات. في حين أنها تتهم الولايات المتحدة بالتعاون الكامل فيما تعتبره جرائم حرب ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة.
يبدو أن الأمر يتعلق بطلب أهميته السياسية بالنسبة لحماس أكبر من أهميته العملية، التي تتعلق بنية حماس أن تبني لنفسها حزاماً أمنياً دولياً.
حتى لو لم تتمكن الضمانات من منع إسرائيل من استئناف القتال بعد وقف إطلاق النار فإنها ستقدم في حينه كمسؤولة عن خرق الاتفاقات.
بشكل فعلي، حماس تفترض كما يبدو أن إسرائيل ستجد صعوبة كبيرة في خرق التعهد، حتى دون ضمانات دولية، طالما أنها واصلت الاحتفاظ بعدد كبير من المخطوفين الذين سيشكلون الضمانة الحقيقية من أجل تنفيذ كل أجزاء الاتفاق، حتى بعد فترة وقف إطلاق النار الأولى.
تصريحات هنية تعرض كموقف تنظيمي مرتب، موحد وراسخ، يحاول إظهار القناعة العميقة بأن حماس يمكنها إملاء شروط المفاوضات ونتائجها.
إضافة إلى ذلك حماس تريد أن تبث بأن هذه منظمة مستقبلها أمامها، التي ستشكل جزءا لا يتجزأ من القيادة الفلسطينية، والحرب في غزة فقط ستعزز مكانتها.
في نهاية أقواله تطرق هنية إلى خطة “اليوم التالي” التي عرضها بتفصيل كبير: المبدأ الموجه هو “وحدة الشعب الفلسطيني، إعادة بناء مركباته السياسية والقيادية على أسس صحيحة وسليمة”.
وحسب رأيه هذه سيتم استكمالها بثلاثة مستويات: على مستوى القيادة يجب إعادة بناء مصدر الصلاحيات الوطنية في إطار م.ت.ف، بوساطة انتخابات لمجلس وطني فلسطيني، على المستوى الثاني تشكيل حكومة اتفاق وطني، التي ستنفذ مهمات معينة فترة مؤقتة إلى حين إجراء الانتخابات للمجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني الفلسطيني، على المستوى الثالث الاتفاق على برنامج سياسي لشعبنا.
هذا البرنامج، كما يوضح هنية، سيستند إلى إنهاء الاحتلال الصهيوني على أراضينا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، وحق عودة اللاجئين”.
للوهلة الأولى هذه مبادئ يوجد اتفاق حولها مع أجزاء م.ت.ف ومع عدد من كبار قادة فتح. هي تشير إلى الاستعداد “للاكتفاء” بفلسطين التي تشمل الضفة الغربية والقطاع والقدس، لكن ليس كل أراضي دولة إسرائيل.
هذه ليست تصريحات جديدة. فتصريحات مشابهة أسمعها موسى أبو مرزوق وخالد مشعل. وتكرارها في الوقت الحالي استهدف التوضيح للقيادة الفلسطينية، وبالأساس للرئيس محمود عباس، بأن يتخلوا تماماً عن أي حل سياسي لا يشمل حماس، وحتى ألا يطرحوا خدمات السلطة في إدارة القطاع بدلاً من حماس.