هآرتس: المجتمع الفلسطيني شرقي القدس يتغير بشكل دراماتيكي، اكثر حداثة وأقل فقرا

هآرتس 26/5/2025، نير حسون: المجتمع الفلسطيني شرقي القدس يتغير بشكل دراماتيكي، اكثر حداثة وأقل فقرا
عندما انهت سيرين نجم، وهي من سكان بيت حنينا في شرقي القدس، الثانوية في المدرسة الخاصة في مكان سكنها، لم تفكر في التعلم في جامعة اسرائيلية. السنة هي 2010، بعد بضع سنوات من اقامة جدار الفصل. “قررت التسجيل في جامعة بير زيت. وعندما ذهبت الى هناك استغرقني ذلك ثلاث أو اربع ساعات بسبب الحواجز. فقررت أن هذا ليس ما اريد فعله خلال اربع سنوات”.
الزيارة في الجامعة العبرية غيرت المسار. “استغرقني الذهاب اليها ربع ساعة من البيت. مكان مختلف تماما عما عرفته، ولكني رايت المكتبة الضخمة، وأنا أحب القراءة”، قالت. “الناس اعتقدوا في حينه بأن والدي مجنون بسبب ارسالي للتعلم هناك”.
الامر الذي كان أمر شاذ قبل 15 سنة هو الآن أمر مقبول. تقريبا نصف الطلاب من شرقي القدس يتعلمون في المؤسسات الاسرائيلية. 70 في المئة منهم من النساء. هذا تغير دراماتيكي يمر فيه المجتمع الفلسطيني في القدس. وفي المجتمع الاسرائيلي تقريبا لا يلاحظون ذلك. المجتمع اصبح اكثر حداثة واقل فقرا، ومندمج في اقتصاد غربي المدينة. نسبة النساء العاملات تقفز وعدد الاولاد في العائلة ينخفض، والخبراء يتوقعون أنه في السنوات القريبة القادمة سنشاهد انخفاض في معدل الفقر.
دراسة اللغة العبرية تكلف 12 ألف شيكل. يوم القدس الـ 58 الذي يصادف اليوم (الاثنين)، هو على الاغلب فرصة لمظاهرة قومية ثابتة: الحكومة تعقد جلسة احتفالية، وسياسيون يقسمون من اجل وحدة وخلود المدينة، وعشرات آلاف الشباب من الصهيونية الدينية يسيرون في مسيرة الاعلام التي اصبحت استعراض تقليدي للعنف والعنصرية.
لكن هذا اليوم هو ايضا فرصة جيدة لفحص وضع التجمعات في المدينة الاكبر في اسرائيل. واحد من بين كل عشرة اسرائيليين يعيش في القدس، التي مساحتها وعدد سكانها هي بضعف ونصف مدينة بحجم تل ابيب وعدد سكانها. القدس الحريدية هي المدينة الحريدية الاكبر في اسرائيل. القدس الدينية هي المدينة الاكثر تدينا. والقدس العربية، التي تتركز تقريبا بشكل كامل في شرقي المدينة، هي المدينة الفلسطينية الاكبر بين البحر والنهر.
العرب في القدس نسبتهم 40 في المئة من سكان العاصمة، لكن اضافة الى الصورة السائدة في شرقي القدس كمكان يسود فيه الفقر والعنف، فان الاسرائيلي العادي يعرف عنهم القليل جدا. حتى العام 2016 سكان شرقي القدس كانوا في الحقيقة ما يزالون من التجمعات السكانية الفقيرة في اسرائيل. ولكن في السنوات الاخيرة تمت مشاهدة انخفاض بطيء في نسبة العائلات الموجودة تحت خط الفقر، من 59 في المئة في 2018 (بعد تغيير التأمين الوطني لطريقة حساب مؤشر الفقر)، الى 56 في المئة في السنة الماضية.
تغيير واضح اكثر حدث في مجال تشغيل النساء. قبل عقد 18 في المئة من الفلسطينيات في القدس عملن خارج البيت. الخروج الى غربي المدينة، حيث هناك تتركز معظم اماكن العمل، اعتبر امر خطير أو غير مناسب ثقافيا واجتماعيا، ايضا شبكة المواصلات العامة التي تصعب الوصول من شرقي المدينة الى غربها ساهمت في ذلك.
عامل آخر ومؤثر كان حاجز اللغة، حيث عانت النساء منه اكثر من الرجال، لأنهم ينكشفون على اللغة العبرية في مكان العمل. جهاز التعليم في شرقي القدس الذي في معظمه يتم تعليم المنهاج الفلسطيني وليس البغروت الاسرائيلي، استخف بتدرس اللغة العبرية، ايضا الآن مستوى اللغة العبرية في اوساط خريجي المنهاج الفلسطيني في المدينة هو على الاغلب متدن جدا.
في العقد الماضي نما في القدس جيل جديد من النساء العربيات، وهن يناضلن الحواجز في المجتمع الفلسطيني والمجتمع الاسرائيلي على حد سواء من اجل الخروج للعمل.
في 2024 تم للمرة الاولى تجاوز نسبة الـ 30 في المئة في نسبة النساء العاملات. واحدة منهن هي رزان مشاهرة، من سكان جبل المكبر، التي حسب قولها انهت المرحلة الثانوية مع معرفة قليلة جدا باللغة العبرية. “عرفت قليل من الحروف وبعض الكلمات. وهي لا تكفي للمحادثة”، قالت.
مشاهرة قررت فعل شيء. لقد قامت بالتسجيل لتعلم اللغة العبرية في معهد في بيت صفافا لمدة سنة. ودفعت 12 ألف شيكل من جيبها. بعد انتهاء الدورة بدأت في العمل كموظفة صندوق في بنك لئومي، من خلال شركة “القوة البشرية”. “ارسلوني للعمل في موديعين وبيت شيمش”، قالت. “قبل ذلك أنا لم أخرج من القدس لوحدي. لا أقول إن ذلك كان مخيف، ولكن أنا تدبرت امري”.
الآن مشاهرة تعمل في منظمة العمال “معا”، وتساعد النساء في الخروج للعمل. “يوجد تغيير”، قالت. “لكنه بطيء”.
حسب اقوال نجم فان دافع النساء الاساسي في شرقي القدس للخروج الى العمل هو الوضع المالي للعائلة. “ذات يوم كان راتب واحد يكفي، لأنه كان من السهل الذهاب الى المناطق للتسوق”، قالت. “لكن الآن بسبب الحواجز الكثيرة اصبح الامر صعب جدا. وحتى في شرقي القدس الاسعار مرتفعة”.
“في السابق كان الرجل يقول لزوجته اجلسي في البيت، لكن الآن بدأ يقول لها اخرجي الى العمل حتى مقابل 3 أو 4 آلاف شيكل”، قال وسيم الحاج، وهو مدير المركز الجماهيري في بيت حنينا. وحسب قوله فان الضربة التي تسببت بها الكورونا للاقتصاد في شرقي القدس، الذي اعتمد بالاساس على السياحة والمطاعم، كانت المحفز لتغيير الاتجاه. “عندما تضررت الفنادق والمطاعم اصبحت للنساء مصادقة اكبر”، بين قوسين، “على الخروج للعمل، ومن هناك استمر الامر”.
عمل النساء هو من الخصائص الواضحة على نمو الطبقة الوسطى، وهو ينعكس ايضا في فتح رياض الاطفال التي تمكن الامهات من العمل. الكثير من ابناء الطبقة الوسطى في شرقي القدس يعيشون في بيت حنينا، والحاج يقدر بأن 75 في المئة من رياض الاطفال في شرقي القدس يتم تشغيلها في بيت حنينا. حسب قوله في الـ 15 سنة الاخيرة ارتفع عدد الاطفال في رياض الاطفال التي تشغل في بيت حنينا بخمسة اضعاف، من 70 الى 350 الآن. عدد رياض الاطفال الرسمية التي تعمل في شرقي القدس ارتفع في السنوات الخمسة الاخيرة من 3 الى 30. الى جانبها تم فتح عشرات رياض الاطفال العائلية والخاصة.
لكن عدد رياض الاطفال بعيد عن ان يكون كاف، وعلى الاغلب النساء في شرقي القدس لا توجد امامهن فرصة لتسجيل اطفالهن فيها. “خسارة النساء اللواتي لا يخرجن للعمل خارج البيت هي خسارة لكل المجتمع”، قالت العضوة في مجلس البلدية لورا فيرتون. “ايضا في شرقي القدس الآباء يجب عليهم الحصول على خدمات لاولادهم لتمكنهم من كسب الرزق والاسهام والتطور. تقديم فرصة للعمل ومساعدة تمكن من تحقيق هذه الفرصة، هو العامل الاهم للخروج من الفقر”.
في نفس الوقت العلامة الاكثر وضوحا على التغير في المجتمع في شرقي القدس هي انخفاض عدد الاولاد في العائلة، من 4.5 ولد بالمتوسط للمرأة في 2004 الى 2.7 ولد في 2023.
حسب اقوال يئير اساف شبيرا، الباحث في معهد القدس لابحاث السياسات، فان تقليص الولادات هو ايضا فرصة اقتصادية لمرة واحدة للمجتمع. “عندما يوجد في اوساط السكان انخفاض حاد في عدد الاولاد ينشأ وضع للعائلات التي يوجد فيها الكثير من الاخوة في جيل العمل، الذين يدعمون قليلا الآباء والاولاد”، قال واضاف. “هذا يسمى “عائد ديمغرافي” وهو يمثل امكانية كامنة لقفزة كبيرة في الاقتصاد. عمليا، الادعاء هو ان كل “نمو شرق آسيا – تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ وكوريا الجنوبية – نمت بفضل العائد الديمغرافي”. ولكن نافذة الفرص، كما يؤكد اساف شبيرا، قصيرة. في الجيل القادم سيكون الكثير من المسنين، بعضهم بدون راتب تقاعد منظم بسبب طبيعة تشغيل سكان شرقي القدس، الى جانب اولاد قلائل يعيلونهم. “نحن نوجد الآن في جيل الفرصة ومضطرون الى استغلالها”، قال.
خبراء يقولون ان بناء جدار الفصل بين القدس والضفة الغربية قبل عشرين سنة تقريبا كان العامل الرئيسي في التغيير الذي نشاهده الآن. في حينه شجعت اسرائيل الفلسطينيين على التعلم في الجامعات في الضفة الغربية وفي الدول العربية والاندماج في اقتصاد المناطق.
هذه الرؤية تظهر ضمن امور اخرى، في الرسالة التي كتبها رئيس البلدية تيدي كوليك في 1976، والتي عثر عليها الدكتور امنون رامون من معهد القدس، وقد كتب فيها “نحن نجد صعوبة في ايجاد اماكن عمل مناسبة لابناء الشبيبة العرب في شرقي القدس. لذلك، نحن يجب علينا تمكينهم من مواصلة التعلم في الدول العربية المجاورة كي يتم استيعابهم هناك في دوائر العمل التي تناسب تعليمهم وقدراتهم”.
لكن الجدار والحواجز حولت امكانية التعلم في الضفة الغربية الى أمر معقد اكثر، والفجوة بين الاقتصاد الاسرائيلي والاقتصاد الفلسطيني جعلتهم اقل جدوى. “شرقي القدس تعرض لضربة الجدار، بعد ذلك بدأت عملية الانتقال الى الاقتصاد الذي يرتكز اكثر الى غربي المدينة وأقل الى الضفة”، قال د. ماريك شتيرن، باحث في معهد فان لير. “بناء الجدار دفع الى الاندماج في الاقتصاد الاسرائيلي وادى الى توسع الطبقة الوسطى، لكن الامر استغرق 15 سنة الى أن بدأ يظهر هذا التاثير”، قال رامون
“هذه عملية تستغرق وقت”، يوافق شتيرن. “من المرجح أنه بعد عقد على دخول السكان الى الكلية أو الاندماج في العمل، الرواتب بدأت ترتفع. الآن اينما تذهب في غربي المدينة ترى الفلسطينيين: سائقون في المواصلات العامة، نادلون في المطاعم، موظفون في البنوك، منقذون على الشواطيء، وحتى رجال حراسة. في كل أنواع الخدمات في القدس”.
تغيير “من اسفل الى اعلى”
التغيير الدراماتيكي حدث كما يبدو في مجال التعليم العالي. قبل عشرين سنة تقريبا لم يكن هناك أي طلاب عرب مقدسيين في الجامعات الاسرائيلية. ولكن بناء الجدار وعوامل اخرى، منها الحداثة واليأس من العملية السياسية التي تكون مرتبطة باتفاق لتقسيم القدس، كل ذلك غير الوضع.
ما بدأ نقطة نقطة، مثلما في حالة نجح، اصبح سيل. والآن التعليم في الاكاديميا الاسرائيلية هي أمر مقبول، في 2017 قررت الجامعة العبرية الاعتراف بشهادة الثانوية من اجل القبول للتعلم. وفي اطار الخطة الخماسية للحكومة في شرقي القدس، التي تمت المصادقة عليها بعد سنة من ذلك، تم تقديم ميزانية لدعم المدارس التمهيدية قبل الجامعة بشكل كامل للطلاب من شرقي القدس.
ايضا نجم كان يجب أن تتعلم في المدرسة التمهيدية لتحسين اللغة العبرية. “في المدرسة تعلمنا فقط القراءة والكتابة”، قالت. “لم أعرف المحادثة”. بعد انتهاء المدرسة التمهيدية حصلت على اللقب الاول في اللغة الانجليزية، وفي الاسلام والشرق الاوسط. بعد ذلك حصلت على اللقب الثاني في ادارة المؤسسات غير الربحية، في مدرسة للعمل الاجتماعي.
الان هي تعمل في جمعية “ليسان”، التي تعنى بتعليم اللغة العبرية، بالاساس للنساء في شرقي القدس، من اجل مساعدتهن في كسر حاجز اللغة والاندماج في سوق العمل. “الامر الذي بدأ بطالبتين طلبن من الطالبات اليهوديات مساعدتهن باللغة، تطور الى جمعية يتعلم فيها 450 طالب وطالبة و50 متطوعة. هذا ليس فقط مشروع لغة، هذا ايضا لقاء ايجابي بين الاسرائيليين والفلسطينيين في وضع فيه هذا الامر تقريبا غير ممكن”، قالت.
الحرب ايضا كانت عامل معيق. انهيار السياحة ادى الى اقالة جماعية، الكثير من العمال ولا سيما السائقين العامين تحدثوا عن العنف لفظي وجسدي من قبل الشباب اليهود، والنساء اللواتي رغبن في العمل في وظائف مساعدة في رياض الاطفال في غربي المدينة ووجهن برفض الاباء على خلفية عنصرية.
“منذ اندلاع الحرب اكثر من 10 نساء قلن لي بأنهن لا يرغبن في الذهاب الى غربي المدينة بسبب الخوف”، قالت مشاهرة. “أنا ايضا تعرضت للشتائم عندما كنت في سوبرماركت في تلبيوت. ولكن أنا لا أصمت لهن”.
مع ذلك، استمرار الحرب يعيد بالتدريج الروتين للقدس. احد عوامل ذلك هو الاغلاق المتواصل للمناطق، الذي خلق طلب كبير على الايدي العاملة لا سيما في مجال البناء. وفي اعقاب ذلك ارتفاع واضح في الاجور في هذا المجال. “اعتقد أن زخم البناء في غربي المدينة ومضاعفة اجور عمال البناء المهنيين هو القاطرة التي تقود الآن المجتمع في شرقي القدس بدلا من فرع الفنادق”، قال رامون.
في نفس الوقت يبدو أن التغيير الذي ينبع من اسفل يستمر ايضا الى اعلى. “عندما بدأت الحرب اوقفنا تعليم اللغة العبرية”، قالت نجم من جمعية “ليسان”. “لكن بعد ثلاثة اسابيع اجرينا استطلاع بين الطالبات اظهر أن 93 في المئة قلن أنهن مع العودة والتعلم”.
أمس كان مركز “ريان” مليء بعشرات الفلسطينيات بمناسبة افتتاح دورة جديدة لتعلم اللغة العبرية. الدورات متطلبة جدا، 4 ايام في الاسبوع، 3 – 4 ساعات في كل يوم. 40 في المئة من المتقدمات لهذه الدورات هن اكاديميات، معظمهن تحت جيل 35. وحسب بيانات المركز فان 59 في المئة منهن سيجدن مكان عمل. ايوب، التي قامت بتاسيس المركز قبل 11 سنة قالت ان الحرب وضعت امامهم تحديات جديدة. ولكنها لم توقف الطلب على الاندماج في سوق العمل الاسرائيلية. “كثير من العمال اقيلوا أو اجبروا على الاستقالة بعد ان حصلوا على ملاحظة مثل “لماذا ترتدين اللون الاسود؟ هل أنت حزينة على ما يحدث في غزة؟، اشياء كهذه. ولكن ايضا من استقالوا وجدوا فينا العنوان. في الاسابيع الاولى قمنا بالتعليم في “الزوم”، وبعد شهرين رجعنا الى الصفوف.