هآرتس: المبرر الوحيد للحرب هو الدفاع عن النفس. في غزة لم يعد هذا هو الوضع

هآرتس – آفي ساغي واسحق بنباجي – 17/8/2025 المبرر الوحيد للحرب هو الدفاع عن النفس. في غزة لم يعد هذا هو الوضع
تخيلوا ان الحكومة الإسرائيلية قررت تدمير حزب الله، وعدم الاكتفاء باضعافه، من اجل تجنب حرب في المستقبل المنظور، وعدم ترسيخ الفرق في القوة، الذي سيحول كل هجوم من جانبه الى مقامرة خطيرة. تخيلوا ان إسرائيل تعمل في لبنان من اجل تحقيق النصر الكامل حتى لو كلفها ذلك تدمير بيروت. تخيلوا ان هدف الحرب ضد ايران لم يكن إزالة التهديد النووي والبالستي وردعه، بل القضاء على النظام، حتى لو احتاج ذلك الى غارات جوية كثيفة ومتواصلة على طهران. البعض سيقولون هذه الإجراءات ضرورية، وبالتالي هي مبررة. هذا خطأ: المبرر الوحيد للحرب هو الدفاع عن النفس.
في الواقع مبدئيا الحرب التي هدفها توزيع اكثر نزاهة للموارد الضرورية أو المناطق الجغرافية أو استبدال نظام قاتل، من شانها كما يبدو ان تكون مبررة. ولكن الحروب “المبررة” من هذا النوع هي حروب محظورة حسب ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعكس وجهة نظر بحسبها من الأفضل التمسك بالسلام والدبلوماسية حتى عندما لا يكون السلام حقا عادل. الدول تعهدت بحل النزاعات بالدبلوماسية وليس عن طريق القوة.
منطق “التعاقد” الموجود في أساس الميثاق واضح: الحروب المبررة يمكنها بسهولة ان تتحول الى حروب إجرامية. الحرب التي بدات كحرب دفاع يمكن ان تتبدل بسرعة الى تدمير لا يمكن السيطرة عليه، وانتقام من المدنيين. لذلك، ميثاق الأمم المتحدة يدين ويعتبر كجريمة ضد السلام أي خرق للسيادة وسلامة أراضي دولة أخرى، حتى لو كان الامر يتعلق بدولة غير شرعية، وحتى لو افترضنا ان هدف العدوان هو تقسيم عادل اكثر للأراضي والموارد ومعاقبة نظام عنيف.
الحظر القانوني على استخدام القوة هو وسيلة لمواجهة الديناميكية الماساوية للعنف. عندما تصبح القوة العسكرية أداة لحل النزاعات، أيضا النوايا الحسنة جدا يمكن ان تؤدي الى دمار غير مميز. الحرب في غزة، التي في مرحلة معينة اعتبر هدفها النصر المطلق، وتحولت الى حملة من الدمار والانتقام، هي مثال على هذه العملية.
نحن نعتقد ان “النصر المطلق” هو هدف اجرامي. النصر المطلق على ما يعتبر شر جذري واساسي هو امر غير ممكن. التوراة تشهد على ذلك. الله أراد مواجهة الشر المطلق بواسطة الطوفان. “الأرض امتلأت بالظلم… لان كل انسان افسد طريقه على الأرض” (سفر التكوين، 6، الآية 11 – 12). ولكن بعد الدمار الشامل بالتحديد الله يتعهد بتجنب النصر المطلق: “لان ميل قلب الانسان شرير منذ حداثته” (سفر التكوين، 8، الآية 21). البشر يميلون الى الشر، وهو عنصر دائم في نفوسهم. ولكن يجب عدم الاستنتاج من هذه الحقيقة بان الصراع ضد الشر سينتهي بالانتصار الكامل، الامر الذي سيفاقم الشر البشري. الصراع ضد الشر هو صراع سيزيفي، يسير ببطء نحو الخير الذي يتجاوزه، مع الادراك الواضح بان الشر هو احتمال بشري قائم ومهدد دائما.
حسب القانون الدولي فان الذريعة الوحيدة المبررة لشن الحرب هي التهديد الحقيقي والفوري للحياة، الحدود والسيادة. في 7 أكتوبر كان هناك مثل هذا التهديد. هجوم حماس كان هجوما وحشيا لا مثيل له وهدد وجودنا. هذا احتاج الى رد شديد. اهداف الحرب المبررة التي شنتها إسرائيل كانت إزالة هذا التهديد وابعاد كل خطر ظاهر للعيان والردع بواسطة فجوة واضحة في القوة. هذا ليس من اجل “محو غزة” أو “انهاء حماس مرة والى الابد” أو ضمان ان العدو لا يمكنه مرة أخرى تشكيل تهديد في المستقبل البعيد، بل الهدف المبرر كان الدفاع امام حماس وليس تدميرها. ولكن في مرحلة ما قررت الحكومة “اجتثاث الشر”، والنتائج الخطيرة لم تتاخر في القدوم: المس بالمخطوفين، المس غير المتزن بحياة الجنود، والمس الجماعي بالابرياء في غزة.
نزع سلاح حماس هو هدف مبرر، تغيير النظام في غزة هو طموح مناسب، لكن يجب فعل ذلك بطرق دبلوماسية. وليس عن طريق الحرب التي تعني التدمير الشامل لغزة. الان تقريبا بعد مرور سنتين على بداية الحرب، حماس تم اضعافها، غزة مدمرة، مئات الاف الغزيين يعيشون بدون غذاء ومياه ومأوى. المخطوفون يموتون في الانفاق وحياتهم على كفة الميزان، ومواطنو إسرائيل الذين يخدمون اصبحوا أداة مبتذلة تستخدم لأهداف محظورة.
يجب الافتراض ان الجيش الإسرائيلي قد تعلم الدرس وعرف كيفية تعزيز منظومة دفاعه لمنع هجوم آخر لحماس، هذا الافتراض يجب ان يكون الأساس الذي يحدد المسموح في الحرب. محظور الافتراض انه بدون تدمير حماس والنصر المطلق عليها سنجد انفسنا عالقين من جديد في حدث مثل 7 أكتوبر. من يفترض ان الماضي سيتكرر في المستقبل، فانه يتخلى عن المسؤولية في الدفاع عن مواطني الدولة. المستقبل مفتوح وهو يلزم الدولة بالعمل كما هو مطلوب. ومن لا يعترف بذلك فهو يستدعي مرة أخرى احداث 7 أكتوبر. الأهداف المبررة للحرب، إزالة التهديد الفوري والمستقبلي وتعزيز الفجوة الكبيرة في القوة بين الجيش الإسرائيلي وحماس، تم تحقيقها. ولكن الحكومة لا تبحث عن الامن، بل هي تبحث عن إهانة العدو والانتقام منه، وفوق كل ذلك البقاء السياسي. هكذا، نحن نسحق حياة البشر، وحياة المواطنين أيضا تصبح رماد وتراب.