هآرتس: المال الأسود يحرك اقتصاد الحريديين
هآرتس 2023-08-11، بقلم: ناتي توكر: المال الأسود يحرك اقتصاد الحريديين
هذا لغز من أعقد الألغاز في إسرائيل، حيث لا يجد أي أحد حلاً له حتى الآن: كيف أن المجتمع الحريدي الذي هو مجتمع فقير في إسرائيل ينجح في تمويل نفسه بنسبة عالية كهذه من الشقق؟
اذا نظرنا الى استطلاع النفقات والمداخيل الحديث جدا لمكتب الإحصاء المركزي في العام 2020 فان اللغز يزداد تعقيداً. الدخل الخام لعائلة حريدية هو فقط نحو 60 في المئة من دخل عائلة علمانية: 13.600 شيقل في الشهر لعائلة حريدية مقابل 22.200 شيقل في الشهر لعائلة علمانية. يعتمد الحريدي بدرجة كبيرة على الآخرين، يأتي ثلث دخل العائلة الحريدية تقريبا من مساعدات اخرى مقابل 10 في المئة للعائلة العلمانية.
رغم الموارد المتدنية للعائلة الحريدية إلا أن نسبة أصحاب الشقق في اوساط العائلات الحريدية اعلى، 70 في المئة، مقابل 58.4 في المئة للعائلات العلمانية. سعر شقة العائلة الحريدية أقل في الحقيقة، لكن القسط الشهري المتوسط للعائلة الحريدية قريب من قسط العائلة العلمانية، 1470 شيقلا في الشهر للعائلة الحريدية مقابل 1735 شيقلا للعائلة العلمانية.
هذه المعطيات مهمة بشكل خاص على خلفية الحوار الذي يجري مؤخرا حول شروط القرض السكني الذي يحصل عليه الحريديون من البنوك المختلفة. في حين أن العائلة غير الحريدية تضطر الى أن تعرض على البنك وثائق رسمية حول مستوى دخلها الشهري، يتبين أن بنوكا مختلفة تعطي تسهيلات للعائلات الحريدية وتعتمد ايضا على تقارير شخصيات رفيعة في الطائفة، مثل القضاة.
البنوك التي قامت بفعل ذلك أوضحت بأنها لا ترى أي مشكلة في ذلك، وأن نسبة العجز عن السداد في اوساط الحريديين متدنية مقابل النسبة في اوساط السكان الآخرين. أيضا بنك إسرائيل أوضح بأنه قام ببلورة تعليمات حول ادارة المخاطر في البنوك، وأنه يدرك ايضا الأسلوب الذي يتبعه بنك مزراحي، كما نشر مؤخراً.
العمل لا يستحق
القضية الأساسية التي طرحت للنقاش فيما يتعلق باسلوب البنوك ليست ادارة المخاطر في البنك، بل الطريقة التي تسمح فيها المنظومة المالية باستخدام المال الاسود – مداخيل ربما لم يتم الابلاغ عنها – من اجل دفع قروض السكن. في حين أن حراس القانون لا يمكنهم التمتع بهذه التسهيلات.
مداخيل الحريديين التي لا يتم الابلاغ عنها، تنقسم الى عدة انواع. الدخل الاساسي والمتدني جدا هو منحة طالب المدرسة الدينية من المعهد الديني، وهو دخل يتكون من منحة طالب المدرسة الدينية الذي تدفعه الدولة، تقريبا 1300 شيقل، مع اضافة منح اخرى من التبرعات، التي يمكن أن تبلغ بضعة آلاف شواقل اخرى. هذا الدخل منخفض، وفي كل الحالات لا يصل الى مستوى دفع الضريبة. المشكلة الاساسية هي أن آلية المنح للمدارس الدينية هي ثغرة واسعة لدفع اجور اعلى لعدد من المهن في الطائفة – المعلمون في مجموعات خاصة، رؤساء مدارس دينية، مشرفون على الحلال وموظفون آخرون. الخوف هو من أنه في حالات كثيرة فان رواتب هؤلاء الموظفين يتم الابلاغ عنها كمنح للتعليم ولذلك هي لا تخضع للضريبة.
اضافة الى ذلك ولأنه كما يبدو جزء من هذه الرواتب لا يتم الابلاغ عنها فان المزيد من الحريديين يمكنهم الاستفادة من تسهيلات مختلفة في دفعات الارنونا ومدفوعات أخرى مثل الحضانة. أظهر بحث اجرته الاقتصادية الاولى في وزارة المالية في العام 2019 كيف أن الحريدي الذي يذهب الى العمل يفقد تسهيلات تبلغ ثلثي الدخل مقابل تسهيلات تبلغ فقط ثلث ما فقده غير الحريدي، أي أن حجم هذه التسهيلات محفز سلبي مهم للتشغيل.
تدرك الدولة أنه يوجد رأس مال اسود في المجتمع الحريدي. مثلا، في تقرير سلطة تبييض الاموال تم التقدير بأن 2.4 في المئة من المال الأسود في إسرائيل يأتي من مؤسسات خيرية وجمعيات. لا يدور الحديث عن مبلغ مرتفع، لكن هذا تقدير فقط.
لا تفعل الدولة تقريبا أي شيء من اجل فحص حجم رأس المال الاسود في المجتمع الحريدي ولا تقوم بانفاذ القانون. في العام 2022 تم تشكيل لجنة حكومية فحصت المال الاسود، برئاسة مدير عام وزارة المالية السابق، رام بلنكوف. اشارت اللجنة في الحقيقة في تقريرها الاجمالي إلى أن المال الأسود ينتشر ايضا في المجتمع العربي والمجتمع الحريدي. ورغم ذلك إلا أن الاطلاع على الخطوط العريضة ونقاشات اللجنة تكشف أن المجتمع الحريدي بشكل عام لم يتم طرحه للنقاش. هيئة حماية الاموال ومصلحة الضرائب والشرطة، جميعها ركزت على المجتمع العربي وليس على الحريديين، رغم أن اللجنة كانت تعمل في ظل حكومة كان فيها الحريديون خارج الائتلاف، الامر الذي يعني أنه ربما كان يوجد ضغط سياسي من اجل ترك الحريديين جانبا. “يوجد مال ليس فقط لدى الحريديين. فهناك إسرائيليون غير حريديين، للاسف، يخفون الضرائب”، قال الدكتور شوكي فريدمان، نائب رئيس معهد سياسة الشعب اليهودي، والمحاضر في الحقوق في مركز بيرس الاكاديمي. “ايضا لا توجد لدينا معطيات مباشرة عن المال الاسود في اوساط الحريديين، لكن بالتأكيد هناك معطيات تؤكد وجود اموال سوداء كبيرة بالتحديد في المجتمع الحريدي”.
أظهر عدد من الأبحاث أن هناك فجوة بين حجم التشغيل، في معطيات إدارية أو في استطلاعات مكتب الإحصاء المركزي، وبين الإبلاغ الذاتي للحريديين عن حجم تشغيلهم. تدل الفجوة على أن هناك حريديين يتم تشغيلهم داخل الطائفة بدون الإبلاغ عن ذلك.
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook