هآرتس: القيادة الايرانية تشخص خطر عصيان مدني وتحاول صد موجات الصدى من سوريا

هآرتس 16/12/2024، تسفي برئيل: القيادة الايرانية تشخص خطر عصيان مدني وتحاول صد موجات الصدى من سوريا
“محظور علينا فعل أي شيء يؤدي الى ضعضعة الاتفاق والوحدة في المجتمع. ومحظور القيام بهذه الخطوة بشكل يخرب كل شيء”، هذه الاقوال لم يقلها الوزير ياريف لفين في لحظة ندم وانتقاد ذاتي، بل قالها الرئيس الايراني مسعود بزشكيان ضد مشروع القانون الجديد، “قانون الحشمة والحجاب”، الذي كان يمكن أن يدخل الى حيز التنفيذ في يوم الجمعة الماضي. بزشكيان يعرف جيدا ما يرفض نظراءه في الحكومة الاسرائيلية استيعابه، وهو أن الخطر الاكبر الذي يهدد في هذه الاثناء ايران ليس الضعف العسكري وسقوطها في سوريا، بل الانقسام في الشعب.
بزشكيان لم يكتف باقوال الانتقاد والادانة، بل هو قام بخطوة استثنائية وغير مسبوقة، وتوجه الى مجلس الامن القومي، الجسم الاعلى الذي يبت بشؤون أمن الدولة، كي يعطي رأي حول التهديد الامني الموجود في هذا القانون. في الواقع، في يوم السبت أمر المجلس بتجميد القانون وعدم تطبيقه بسبب “نتائجه الامنية” المحتملة.
في ايران يوجد الآن قانون الحجاب، لكن القانون الجديد يذهب بعيدا بشكل دراماتيكي، ضمن امور اخرى، هو ينص على أن الفتيات من سن 9 سنوات يجب عليهن ارتداء ملابس مناسبة، أي تغطية كل شعر الرأس، وأنه يجب على الجهات المراقبة، من بين ذلك البلديات والمدارس، الابلاغ عن أي خرق. ايضا السائقون العموميون واصحاب المطاعم يجب عليهم تقديم معلومات عن فتيات لم يرتدين الحجاب كما هو مطلوب.
الغرامة على المخالفة الاولى يمكن أن تبلغ 300 دولار، اكثر بكثير من اجرة الحد الادنى في الشهر. وأي مخالفة اخرى تستدعي زيادة الغرامة. هناك ايضا عقوبة السجن ومنع تأشيرة الخروج من البلاد ومصادرة جواز السفر وعدم التشغيل في الوزارات الحكومية والشركات الحكومية.
بزشكيان يتذكر جيدا مظاهرات الجمهور القاتلة التي اندلعت في ايران في 2022 في اعقاب مقتل مهاسا اميني، الفتاة ابنة الـ 22 التي تم اعتقالها على يد شرطة الآداب بتهمة مخالفة الحجاب، ومثله يتذكر ذلك ايضا مجلس الامن القومي. يبدو أنه حتى الزعيم الروحي الاعلى علي خامنئي اقتنع بأن الامر لم يعد يعتبر صراع بين الاصلاحيين والمحافظين على هوية ايران، بل تهديد حقيقي على الامن الداخلي والمجتمع، بالذات في وقت صعب جدا على ايران.
القيادة في ايران لا تخفي حجم الضربة التي تلقتها. فهي على قناعة بأنه بعد سوريا يمكن أن تكون هي التالية في الدور، ليس فقط كهدف للقصف الاجنبي، بل كبؤرة لعصيان مدني يستمد القوة من نجاح المتمردين. قائد حرس الثورة، حسين سلامي، اوضح مشاعره بدون مواربة وقال: “نحن نرى اليوم كيف أن القوات الاجنبية انقضت على حياة ظبي منفرد مثل الذئاب الجائعة، كل واحد منها يقضم جسده وينتزع عضو منه. هذا درس مرير”، قال.
سلامي اضاف بأنه “يجب على ايران الانتباه للدرس الكبير الذي جاء الى جانب الدروس التي بقيت من الدفاع المقدس. نحن ندرك أنه اذا لم يقف الجيش بصمود ويعارض (الهجوم) فان كل البلاد ستسقط في الفوضى. نحن نعرف الآن قوة المقاومة، وسكان دمشق يعرفون ما الذي سيحدث للشعب وكيف أن الدولة سيتم تقسيمها اذا لم تكن مقاومة. الصهاينة وعدد آخر من الشمال (تركيا) يحتلون البلاد، وفي هذه الاثناء السوريون ضائعون وعاجزون”.
مثلما في اسرائيل (في هذه الاثناء) ايضا في ايران لا يتوقع تشكيل لجنة تحقيق رسمية، تحقق في الفشل الاستخباري والعسكري الذي أدى الى تحطم الذخر الاستراتيجي الذي يتوقع الآن أن يمنع امكانية الترميم لحزب الله. الامين العام لحزب الله، نعيم قاسم، اعترف هو نفسه بذلك في نهاية الاسبوع. الفحص سيقوم به الحرس الثوري والسياسيون في الغرف المغلقة، وربما في المستقبل القريب ستتم معرفة تفاصيل عن تغييرات هيكلية أو تغييرات في القيادة العليا.
في هذه الاثناء ايران ملزمة بالتركيز على التهديدات الاستراتيجية التي اصبحت حاسمة بعد فقدان سيطرتها في سوريا. التهديد الاول والاكثر اهمية هو كيفية مواجهة تهديد الهجوم المحتمل على المنشآت النووية، لا سيما ازاء الخطاب العام في اسرائيل والخوف من أن اسرائيل يمكن أن تحصل على الضوء الاخضر من الرئيس ترامب لمثل هذه الخطوة؛ الثاني هو مستقبل “حلقة النار” أو “جبهة المقاومة” والتأثيرات التي يمكن أن تكون للثورة في سوريا على الجبهة الداخلية الايرانية.
يصعب التقدير في هذه المرحلة كيف تنوي طهران ادارة مواصلة المشروع النووي. بعد التقرير الذي اظهر أنها زادت بشكل كبير كمية اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة، والذي يمكن أن يصل الى 90 في المئة، ابلغت ايران في يوم الجمعة الوكالة الدولية للطاقة النووية بأنها ستوافق على زيادة الرقابة في منشأة بردو، التي يجري فيها الجزء الرئيسي من التخصيب.
من غير الواضح حتى الآن ماذا سيكون حجم الرقابة التي ستسمح فيها ايران وفي أي منشآت. ولكن ربما قرار السماح للرقابة يشير الى التوجه الذي تسعى اليه طهران. في الاسبوع الماضي ابلغت فرنسا والمانيا وبريطانيا مجلس الامن، الدول التي وقعت على الاتفاق النووي الاصلي، بأنها مستعدة “اذا كانت حاجة” لاستخدام بند “سناب باك” (اعادة استخدام جميع العقوبات الدولية التي تم فرضها على ايران قبل الاتفاق النووي، الذي هو غير خاضع للفيتو). ولكن صلاحية هذا البند ستنتهي في تشرين الاول 2025.
بيان الدول الاوروبية دراماتيكي، حيث أنه حتى الآن هذه الخطوة تعتبر نظرية فقط. الدول ترددت حتى في التهديد باستخدام هذا البند لأن معنى استخدامه هو اعتراف بفشل الاتفاق النووي. ايران لا يمكنها أن تكون واثقة من أن قرار اعادة الرقابة بشكل جزئي أو بشكل كامل سيوقف خطة مهاجمة المنشآت النووية، اذا كانت قائمة وفعلية. ولكنها ستحاول على الاقل ضعضعة الشرعية الدولية لهجوم كهذا في المدى الآني، وفي غضون ذلك هي تأمل التوصل الى تفاهمات مع ادارة ترامب، ربما حتى قبل دخوله الى البيت الابيض.
في نفس الوقت ايران تخشى من تأثير الدومينو للانقلاب في سوريا، الذي يمكن أن يضر مراكز تأثيرها في العراق. في يوم الجمعة زار وزير الخارجية الامريكي، انطوني بلينكن، العراق والتقى مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني. وحسب التقارير في العراق فان بلينكن طلب من السوداني “اجراء اصلاحات سياسية” في النظام في العراق، وهو المفهوم الذي فسر كنية لتحييد القوى السياسية المؤيدة لايران في النظام العراقي، ونزع سلاح المليشيات الشيعية.
طلب مشابه تم تقديمه لرجل الدين الشيعي الاعلى في العراق، علي السيستاني، من قبل مبعوث الامم المتحدة في العراق. السيستاني هو معارض كبير لاسلوب النظام في ايران، وتدخل طهران في شؤون بلاده. هناك شك اذا كان يمكنه أو يرغب في تطبيق هذا الطلب. العراق يعتمد اقتصاديا على ايران، وهو الشريك التجاري الاهم لها، التي توفر له 30 في المئة من الكهرباء، والقوى السياسية المؤيدة لايران تسيطر الآن على معظم الوزارات الحكومية. نزع سلاح المليشيات الشيعية المؤيدة لايران لا يعتبر نزهة، لأن هذه المليشيات مرتبطة بوزارة الدفاع في العراق، وفي نفس الوقت تسيطر على شريحة مهمة في اقتصاد الدولة.
مواجهة قوية يمكن أن تدهور العراق الى حرب اهلية دموية. فرغم الشعور العام المناويء لايران إلا أنها يمكن أن تسقط الحكومة التي تم تشكيلها بصعوبة كبيرة. ولكن بعد الانقلاب في سوريا فان ايران لا يمكنها الثقة بأن ميزان سيطرتها السياسية في العراق لن يهتز. في طهران يخشون ايضا من أن مكانها كدعامة اقتصادية ستحتله دول الخليج، مثل السعودية ودولة الامارات، التي بدأت من الآن في الاستثمار في العراق.
تجميد قانون “الحجاب” يدل على أنه ايضا في الجبهة الداخلية ايران تشخص ارتفاع في تهديد استقرار النظام الذي هو غير منفصل عن التطورات في سوريا. هو يضاف الى الضغط الاقتصادي الكبير الذي لا ينعكس فقط في مظاهرات العمال الذين يطالبون بتحسين الاجور وشروط العمل، بل ايضا في مستوى الحياة المتدني وحجم الفقر وفقدان اماكن العمل، ومؤخرا توجيهات للترشيد في استهلاك الكهرباء في فصل الشتاء.
في هذه الاثناء لا توجد أي اشارات واضحة استثنائية من شأنها أن تدل على نضوج عصيان مدني، لكن الاشارات حول نية رفع اسعار البنزين والمس بتمويل خطط الرفاه والتسرب الكبير للطلاب من المدارس بسبب الحاجة الى العمل والمساعدة في اعالة العائلة، يمكن أن تتراكم وتصبح كتلة حاسمة، تستند الى “روح النجاح” للتمرد في سوريا.