هآرتس: القومية هي التي ستقرر الانتخابات في تركيا
هآرتس 28-5-2023، بقلم تسفي برئيل: القومية هي التي ستقرر الانتخابات في تركيا
نحو 8 ملايين شخص من أصحاب حق الاقتراع الذين لم يشاركوا في جولة الانتخابات السابقة في تركيا، هم الأمل الأخير لزعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو لتحقيق انتصار تاريخي. ولكن تنبؤات الاستطلاعات في غير صالحه؛ فاثنان على الأقل من الاستطلاعات الرئيسية الثلاثة يتوقعان فوز الرئيس الحالي رجب طيب اردوغان. والتجربة تدل على أن نسبة المشاركة في الانتخابات في الجولة الثانية ستكون أقل منها في الجولة الأولى. وإذا هزم، فإن كليتشدار يمكنه تعزية نفسه بأنه الزعيم الأول الذي تحدى وبحق الرئيس. وإذا فاز فسيبقى 28 سنة متتالية.
فرز الأصوات في الجولة السابقة أوضح بشكل جيد أن الرأي العام في تركيا ينقسم تقريباً بشكل متساو بين اردوغان وخصمه. ورغم الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تمر بها الدولة وفقدان الثقة بالليرة التركية وارتفاع الأسعار غير المسبوق والزلزال الفظيع الذي جبى حياة نحو 50 ألف شخص وترك الملايين بدون مأوى وقمع حقوق الإنسان والسياسة الخارجية الهجومية التي أضرت بمكانة تركيا، فإن نصف الشعب على الأقل ما زال يرى اردوغان الخيار الأقل سوءاً والزعيم الوحيد الذي يمكنه إنقاذ الدولة من الهاوية.
اجتاز اردوغان حقل الألغام الاقتصادي بتوجهه إلى المسار الآمن للأجندة القومية المتطرفة. هذه الأجندة التي فيها نضال ضد الأكراد وتوق إلى “تطهير” تركيا من اللاجئين السوريين (وغيرهم) وصمود أمام الضغط الأمريكي والأوروبي، استخدمت ليس فقط كشعار أيديولوجي؛ فقد تم تسويقها على أنها دواء حيوي للتغلب على الأزمة الاقتصادية. على سبيل المثال، من يعارضون سياسة خفض الفائدة، التي أصبحت رمز السياسة الاقتصادية لاردوغان، اعتبروا عصابة تؤيد رفع الفائدة تعمل “بدعم وتشجيع من دول أجنبية تسعى إلى إسقاط حكم اردوغان”. اللاجئون السوريون الذين استقبلوا في البداية بأذرع مفتوحة بصورة اعتبرت نموذجاً لـ “التضامن الإنساني والإسلامي”، حسب تعبير اردوغان، أصبحوا عبئاً اقتصادياً بل وبؤرة للمواجهات مع المواطنين الأتراك، إذ غذوا كراهية الأجانب وعملوا على تنمية سياسة طرد اللاجئين كوسيلة اقتصادية حيوية.
في الضواحي والمناطق الهامشية، لا سيما المناطق الفقيرة في جنوب شرق تركيا، التي تؤيد فيها الأغلبية حزب العدالة والتنمية (حزب اردوغان)، والتي حصلت على شعبية كبيرة، دليل على أن الرئيس لا يصغي فقط للشكاوى التي يقدمونها، بل وينوي ويمكنه المساعدة، وكأنه إذا تم طرد نحو أربعة ملايين لاجئ من الدولة فسيعود الرخاء والازدهار وسيرتفع سعر الليرة وستنخفض الأسعار. اللاجئون خدموا (ويخدمون) بشكل جيد سياسة اردوغان الخارجية، الذي في السنة الأخيرة، بدأ باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع الرئيس السوري بشار الأسد بعد القطيعة التي بدأت في 2011، والتي جعلت قطيعة شخصية شديدة بين الزعيمين اللذين كانا كأخوين. اردوغان الذي أعلن بأنه لن يستأنف العلاقات مع سوريا ما دام الأسد في الحكم، يبحث الآن عن مسارات إلى دمشق وهو يفسر الانقلاب في سياسته بالحاجة إلى إعادة اللاجئين إلى بلادهم.
أجندة اردوغان القومية المتطرفة بدأت في النمو في العام 2015 بعد فشل محادثات المصالحة بين الحكومة وحزب العمال الكردي “بي.كي.كي”. وقد شكل ائتلافاً مع الحزب اليميني القومي المتطرف “ام.اتش.بي” برئاسة دولت بهتشيلي، الذي ساعده في تمرير تعديلات الدستور في استفتاء عام، التي حولت طريقة الحكم من جمهورية برلمانية إلى نظام رئاسي أعطى صلاحيات كبيرة لاردوغان وقضى على التوازن والكوابح البرلمانية المتبعة في أنظمة غربية مشابهة. وقد انضم إلى هذا الحلف الآن المتنافس الذي وصل إلى المكان الثالث في التنافس على الرئاسة، وهو قومي متطرف معروف باسم سنان أوغان. أساس الحلف القومي المتطرف وضع في العام 2016 بعد فشل محادثات المصالحة بين حكومة اردوغان وحزب العمال الكردي.
حملة اردوغان الانتخابية القومية المتطرفة فرضت على خصمه أجندة مشابهة. كليتشدار الذي صعب عليه عرض خطة اقتصادية واقعية وموثوقة ترمم الاقتصاد التركي، وجد نفسه في منافسة على البطاقة القومية المتطرفة التي فيها لاردوغان أفضلية واضحة. قبل الجولة الثانية، بدأ زعيم المعارضة في التصريح بأنه إذا انتخب فسيبعد من تركيا عشرة ملايين لاجئ، وحتى إنه حذر من أنه إذا لم يتم طرد اللاجئين فإن عددهم سيصل إلى 30 مليون لاجئ. لا أساس لهذه المعطيات، ولكنها تدل على الذعر القومي المتطرف الذي يسيطر على زعيم يطرح نفسه كمدافع عن حقوق الإنسان وكمن سيعيد الديمقراطية الحقيقية للدولة. ليس فقط شعارات وتصريحات ينثرها زعيم المعارضة، بل إنه عقد تحالفاً سياسياً في الأسبوع الماضي مع أوميت أوزداغ، زعيم حزب النصر، وهو قومي متطرف شعاره الانتخابي “حزب النصر سيفوز واللاجئون سيذهبون”. وأصدر حزبه أيضاً ونشر فيلم فيديو بعنوان “الغزو الهادئ”، يصف كيف ستكون تركيا في العام 2043 عندما سيسيطر اللاجئون على الدولة، ويصبح المواطنون الأتراك خادمين.
أوزداغ الحاصل على شهادة الدكتوراه، والذي نشر 28 كتاباً ومئات المقالات، هو أيضاً محارب شجاع ضد الأكراد ويعتبرهم خطراً على وجود تركيا. “حزبي سيفعل كل ما في استطاعته لمنع فلسطنة تركيا”، أعلن قبل سنة من خلال مقارنة تركيا مع إسرائيل، التي حسب قوله تفقد مناطق للفلسطينيين. شخص قومي متطرف كهذا، يعتقد كليتشدار أولو، أنه قد يمنحه القليل من الأصوات من الجناح اليميني جداً، وأن يعرضه كمن يستطيع أن ينافس أجندة اردوغان.
الخوف الكبير هو أن انضمام أوزداغ للحلف سيضر دعم الأكراد لكليتشدار أوغلو. ولكن السياسة التركية لن تتوقف عن المفاجأة؛ فقيادة الحزب المؤيد للأكراد (اتش.دي.بي) أعلنت أنها ستواصل تأييد مرشح المعارضة لأن “اردوغان ليس خيارها”.
اليوم سيتبين قومية من ستفوز. سيكون من المفاجئ إذا أصبح كليتشدار هو الرئيس القادم لتركيا. ولكن لا يوجد يقين، حتى لو فاز، بأن يتمكن ائتلافه من إحداث ثورة حقيقية أمام البرلمان الذي رسخ مكانة حزب العدالة والتنمية لائتلاف اردوغان مع وجود أكثر من نصف المقاعد له.