هآرتس: الفلسطينيون عالقون في مثلث برمودا السياسي

هآرتس 18/5/2025، جاكي خوري: الفلسطينيون عالقون في مثلث برمودا السياسي
توجد لحظات يتقلص فيها كل التاريخ ليصبح شعور يتلخص بالعجز. هذه هي اللحظة الحالية بالنسبة للفلسطينيين. لقاءات القمة التي نظمها الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، مع زعماء السعودية، قطر واتحاد الامارات، ظهرت كاحداث ذروة العصر الحديث. مئات مليارات الدولارات استثمرت في صفقات السلاح والبنى التحتية وصفقات اقتصادية. ترامب يواصل القيام بدور رئيسي في تشكيل شرق اوسط جديد، امريكي، الذي هدفه هو ابعاد الصين وتقليص نفوذ ايران. ولكن في كل الاستثمارات الضخمة والحلم الجديد لهذه المنطقة توجد قضية واحدة بقيت في الخارج وهي أنه لم يتم اعداد حتى خطة رئيسية لادخال المساعدات الانسانية الى قطاع غزة.
القمة العربية التي تم افتتاحها أمس في بغداد على شكل القمم للجامعة العربية في العشرين سنة الاخيرة، هي استمرارية مباشرة لتقليد الشعارات والكليشيهات الفارغة التي لم تتم ترجمتها الى افعال. ممثلو الشعوب العربية لا يطرحون أي اداة ضغط حقيقية ولا يفحصون القيام بخطوات عملية تجاه اسرائيل، في حين أن القضية الفلسطينية، التي على الاقل تجاه الخارج كانت مركز الوجود السياسي العربي، تم دفعها الى الهامش واخفاءها وراء خطابات لا معنى لها.
في صورة الوضع الحالية تظهر ثلاثة اخفاقات استراتيجية. الأرجل الثلاثة التي وقف عليها أمل الفلسطينيين انهارت. الكفاح المسلح، الذي تمت صياغته باللغة الدينية والسياسية “الجهاد في سبيل الله”، وباللغة العبرية حسب الرواية الاسرائيلية “الارهاب”، فقد الشرعية الاقليمية والدولية على حد سواء. نضال التنظيمات المختلفة لم تحقق أي انجازات سياسية ولم تعزز الدعم الشعبي، بل بالاساس أدت الى دمار ومعاناة الفلسطينيين.
ايضا مسار المفاوضات، بدءا باتفاقات أوسلو ومرورا بمحادثات كامب ديفيد ولجنة طابا وانتهاء باقتراحات رئيس الحكومة السابق اهود اولمرت، لم تثمر أي تقدم مهم. ففي كل مرة كان يظهر فيها أن اللحظة التي بالامكان فيها اقامة الدولة الفلسطينية تقترب، كانت تحدث ازمة داخلية أو خارجية تدفن هذه الفرصة.
الرجل الثالثة، التي ارتكزت على الايمان بالمجتمع الدولي، مثل قرارات الامم المتحدة والمحاكم في لاهاي والضغط الدبلوماسي من الدول الاوروبية والقنوات الانسانية ومنظمات حقوق الانسان، هي ايضا تآكلت في واقع الاستقطاب الدولي والمصالح الاقليمية وتفضيل مواضيع اخرى. السعي الى العدل من قبل الجهات الدولية اصبح مسرح للتضامن الفارغ، الذي فيه الفلسطينيون مرة تلو الاخرى يجدون انفسهم يقفون لوحدهم على المنصة.
ايضا في اسرائيل، رغم محاولة نشطاء ومفكرين وثلة من سياسيي اليسار العميق، لا يوجد الآن أي اقتراح حقيقي لبديل. القيادة الرئيسية في اسرائيل تثبت الوضع القائم، وتستفيد من التسليم الاقليمي بسياستها، ولا ترى أي حاجة حقيقية للبحث عن حل دائم. الاحتلال اصبح شفاف، وتوقف عن خلق الشعور بالالحاحية والتواجد في الخطاب العام. “الآن انتهت حملة نزع الصفة الانسانية عن الفلسطينيين”، قال عضو الكنيست تسفي سوكوت (الصهيونية الدينية). “100 قتيل في اليوم لا يزعج أي أحد، حتى لو كان الامر يتعلق بالنساء والاطفال”.
الصورة التي تظهر الآن من الميدان تبين أن الفلسطينيين عالقين في مثلث برمودا سياسي. الكفاح المسلح لم يؤد الى أي نتائج، المفاوضات فشلت، والدبلوماسية بقيت بلا اسنان. كل قناة كان يمكن من خلالها ذات يوم تخيل مستقبل مختلف، تم اغلاقها. العالم العربي انتقل الى اجندة جديدة، المجتمع الدولي ينشغل بنفسه، واسرائيل تستمر في ترسيخ سيطرتها الفعلية ونظام الابرتهايد في الضفة الغربية والدفع قدما بخطة الترانسفير في غزة بدون دفع أي ثمن سياسي لذلك، أو يتم تهديدها بأداة ضغط يمكن أن تجعلها تغير الاتجاه.
الشعور بالعجز في اوساط الفلسطينيين غير جديد، لكن خلافا للسابق هو اصبح شعور غير مؤقت، بل جزء لا يتجزأ من الواقع. ومثلما في أي ازمة عميقة فان الوضع الحالي ايضا يمكن أن يؤدي الى استيقاظ لا يمكن توقع ابعاده وتداعياته. ولكن الشعب الفلسطيني ينظر الآن الى تحطم اهدافه الاستراتيجية، بدون حلم أو ظهر، وبقي مع سؤال واحد صارخ وهو الى أين؟.