هآرتس: الفشل الكبير لليمين المسيحاني

هآرتس 29/11/2024، شاؤول ارئيلي، سيون هيرش هافلر، جلعاد هيرش بيرغر: الفشل الكبير لليمين المسيحاني
دخان الحرب وغبار الانقاض في غزة وفي لبنان، في النقب الغربي والشمالي، نضال الجمهور من اجل إعادة المخطوفين، الاحتجاج في كابلان – كل ذلك يوفر للحكومة الإسرائيلية بقيادة بتسلئيل سموتريتش الغطاء المطلوب للدفع قدما بشكل سريع وواسع لطموحاتهم المسيحانية في الضفة الغربية. واذا نظرنا الى ما بعد هذا الغطاء فيمكننا تشخيص “الخطة الرئيسية” التي يدفع بها اليمين المسيحاني – القومي قدما بكامل القوة، التي استهدفت منع حل الدولتين والتوصل الى الضم المستقبلي.
لكن امام هذه الطموحات المسيحانية يوجد واقع ديمغرافي معاكس. معطيات المكتب المركزي للإحصاء حول السكان الإسرائيليين في الضفة الغربية حتى نهاية آب 2024 تكشف الفشل الكبير لليمين المسيحاني. ورغم الجهود لزيادة عدد المستوطنين في الضفة إلا أن عددهم يراوح في المكان والواقع لا يتلاءم مع الحلم.
المؤمنون بالحلم المسيحاني القومي المتطرف، سموتريتش وبن غفير وستروك وغيرهم، قاموا باستخدام الفيتو على انهاء الحرب في غزة واطلاق سراح المخطوفين وقطعوا الصلة بين السياسة والاعتبارات للامن الوطني من اجل كسب الوقت المطلوب لتحقيق “الخطة الرئيسية” – الغاء إمكانية التوصل الى حل الدولتين.
خلافا لعجز اليمين المسيحاني واهماله لكل ما يتعلق بإدارة الدولة والحرب – التحديات الاقتصادية والتشغيل والتعليم والمواصلات – فانه في نهاية المطاف لصالح تطبيق الخطة الرئيسية فان اعضاءه يظهرون رؤية استراتيجية.
تحقيق متعدد السنوات أجرته مجموعة “تمرور” شخص ثمانية اهداف في الخطة الرئيسية الاستراتيجية.
الهدف الأول: خلق تواصل بين المستوطنات اليهودية على طول “طريق الون” (الشارع 578، الشارع 508 والشارع 458)، شارع القدس – اريحا حتى المحولة في شمال الغور، من خلال اقامة ما لا يقل عن 30 بؤرة استيطانية غير قانونية (3 منها أقيمت اثناء الحرب). هذا الشارع الذي تم شقه في بداية السبعينيات في اطار “خطة الون” يسيطر على المنحدرات الشرقية في السامرة وفي غور الأردن، وعلى مفترقات الطرق التي تربط غور الأردن مع “ظهر الجبل” – هناك توجد المدن الفلسطينية الرئيسية، نابلس ورام الله، وعلى رأسها مفترق طرق الحمراء ومفترق تفوح (زعترة) ومفترق ريمونيم.
الهدف الثاني: خلق تواصل استيطاني يهودي على طول الشارع 60، الذي يربط جميع المدن الفلسطينية الرئيسية، من جنين في الشمال وحتى الخليل في الجنوب. وهذا سيكون من خلال إقامة 30 بؤرة استيطانية (أقيمت خمس بؤر منها اثناء الحرب) – هذا يعني أن السيطرة على هذا الشارع تسمح بالسيطرة على ظهر الجبل والقدرة على قطع التواصل الجغرافي والمواصلاتي الفلسطيني في الضفة الغربية المطلوب لوجود دولة قابلة للحياة.
الهدف الثالث: ربط المستوطنات المعزولة في ظهر الجبل مع غور الأردن، التي كان سيتم اخلاءها وفقا لكل اقتراح إسرائيلي طرح في السابق في المفاوضات، حسب خطة “الانفصال” الاصلية، التي دفعها قدما اريئيل شارون، وحسب خطة “التراجع” التي دفعها قدما اهود أولمرت. من اجل منع اخلاء هذه البؤر فان اليمين المسيحاني قام بإقامة خمس بؤر استيطانية شرق الون موريه، وست بؤر شرق ايتمار، ولا يقل أهمية عن ذلك، قام بالدفع قدما بشق طرق التفافية الى هذه البؤر والمستوطنات، مثل الشارع الالتفافي الذي يتجاوز حوارة والذي تم استكماله قبل سنة بتكلفة 800 مليون شيكل، في اطار “الخطة الرئيسية للمواصلات في يهودا والسامرة”، التي تم تخصيص لها 7 مليارات شيكل في السنوات الخمس القادمة (20 في المئة من ميزانية تطوير الشوارع في إسرائيل).
الهدف الرابع: خلق تواصل استيطاني بين اريئيل ومستوطنات عيلي وشيلو ومن هناك الى غور الأردن. ومن اجل ذلك فقد أقيمت 21 بؤرة استيطانية غير قانونية، 2 منها اثناء الحرب و8 تمت شرعنتها كاحياء في مستوطنات قائمة أو كمستوطنات مستقلة. أيضا هنا “الشرعنة” تمكن من تطوير مسرع للبنى التحتية والاحياء السكنية، والحصول على تسهيلات مبالغ فيها في الميزانيات.
الهدف الخامس: في موازاة تعزيز “الكتل الاستيطانية” القائمة فقد بذلت جهود كبيرة لخلق اربع كتل جديدة: جنوب شرق جبل الخليل بين مستوطنات معون وسوسيا، تمت إقامة 16 بؤرة استيطانية، واحدة منها اثناء الحرب. شرق غوش عصيون في منطقة تقوع ونوكديم تمت إقامة 16 بؤرة استيطانية، 3 منها اثناء الحرب، وكما هو معروف فان 5 منها تمت شرعنتها في السابق. في شمال غور الأردن تمت إقامة 8 بؤر استيطانية، 3 منها تمت شرعنتها. وفي غرب السامرة بين بودئيل وكرني شومرون تمت إقامة 12 بؤر استيطانية، تمت شرعنة 5 بؤر منها.
الهدف السادس: خلق تواصل جغرافي بين غوش عصيون والقدس، وفصل خمس قرى فلسطينية وهي بتير، حوسان، الولجة، نحالين ووادي فوكين عن المدينة الرئيسية بيت لحم في منتصف آب اثناء الحرب. وقد غرد في “اكس” الوزير في وزارة الدفاع سموتريتش وقال: “ربط غوش عصيون بالقدس هو مهمة وطنية. إعادة الاستيطان في غوش عصيون؛ وقد تم نشر خط ازرق لـ 602 دونم من اجل إقامة مستوطنة ناحل حيلتس.
الهدف السابع: استكمال المناطق العازلة، الحضرية اليهودية (أحياء “الحلقة” التي تم بدء البناء فيها في 1971 شمال القدس من اجل عزل رام الله عن شرقي القدس، وفي جنوب القدس من اجل عزل بيت لحم عن القدس. في شمال المدينة نحن نشاهد اغلاق الفجوة الجغرافية بين حي راموت الون ورمات شيفت، ومن رمات شيفت الى مفترق التلة الفرنسية – جفعات همفتار. على الاجندة يوجد بناء حي عطروت (بدلا من المطار الذي تم وقف العمل فيه في العام 2000)، الذي سيضم 11 الف وحدة سكنية للحريديين. وسيتم ربط هذا الحي بالشارع الجديد، من مستوطنات شرق بنيامين ومرورا بمفترق آدم الذي استثمر فيه 400 مليون شيكل، مرورا بالشارع الذي يقع تحت معبر قلندية (الذي استمثر فيه نفس المبلغ) وحتى شارع 45 باتجاه غرب موديعين. أيضا سيتم ربط المستوطنات الحريدية تل تسيون وكوخاف يعقوف مع حي عطروت.
في جنوب المدينة يتم الآن استكمال بناء حي جفعات همتوس الذي يفصل بيت صفافا عن بيت لحم، ويتم التخطيط لاقامة حيين آخرين.
الهدف الثامن: خلق تواصل استيطاني بين القدس وغور الأردن مرورا بمعاليه ادوميم. في مركز الخطة إقامة حي مفسيرت ادوميم (إي 1)، التي يمكن أن تضيف لمستوطنة معاليه ادوميم 4 آلاف وحدة سكنية. إضافة الى ذلك فانه بين القدس ومفترق الموغ تمت إقامة 14 بؤرة استيطانية غير قانونية.
من المهم الإشارة الى أنه تم ارفاق هدف ثالث بالهدفين الأخيرين وهو الحفاظ على الأكثرية اليهودية في القدس، التي اخذت تتضاءل منذ ثلاثة عقود بسبب الهجرة السلبية. يجب التذكير بأنه في 1967 بعد حرب الأيام الستة فان نسبة الفلسطينيين في سكان المدينة كانت 26 في المئة، والآن نسبتهم هي 40 في المئة وجميعهم تقريبا يعيشون في شرقي المدينة.
اكثر من نصف اليهود الذي تركوا العاصمة هم من الحريديين، وذلك بسبب عجزهم عن إيجاد مكان سكن في المدينة. الاحياء الجديدة التي تم بناءها في القدس مخصصة في معظمها لهذه المجموعة السكانية من اجل عدم المغادرة. هذه الخطوة اذا نجحت فهي ستجمع خلال اقل من عقد ربع المجتمع الحريدي في منطقة القدس، وستدهور وضع المدينة، التي هبطت في السابق من العنقود 6 في المقياس الاقتصادي – الاجتماعي الى العنقود 2، والى حضيض عميق، وعاصمة إسرائيل ستبقى مدينة فقيرة جدا مع اغلبية غير صهيونية.
تكتيك اليمين المسيحاني يشمل خطة عمل متنوعة، لكنها خطة تكرر نفسها في العشرين سنة الأخيرة من خلال سحق القانون الدولي والقانون الإسرائيلي بقدم فظة: إقامة بؤر استيطانية غير قانونية، شرعنة بؤر قائمة غير قانونية، شق الشوارع وإقامة البنى التحتية، هدم بيوت الفلسطينيين، عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، بدءا بالازعاج اليومي وحتى المس بالممتلكات وطرد التجمعات والاصابة وحتى القتل.
مكانة سموتريتش كوزير مالية يسيطر على الإدارة المدنية في اطار منصبه كوزير في وزارة الدفاع، هي دمج ناجح من ناحيته، الذي يبعد وزير الدفاع عن السيطرة عما يحدث في المناطق. في موازاة ذلك سموتريتش يحصل على الدعم من التعاون الوثيق مع الوزير بن غفير والشرطة، ويستغل غض نظر الجيش الإسرائيلي.
الخطة الرئيسية لليمين المسيحاني غير قابلة للتطبيق بدون التعاون الوثيق بين الوزارات الحكومية والمجالس الإقليمية الخمسة، التي الأهداف الثمانية موجودة في مجال ولايتها القانونية (باستثناء احياء القدس). هذه المجالس الإقليمية تتمتع بمشاركة الحكومة في ميزانياتها العادية وغير العادية بنسبة 60 – 80 في المئة (أكثر 50 – 90 في المئة من المتوسط في إسرائيل)، بالأساس في مجال التعليم والرفاه. بشكل غير منطقي فان هذا يضع الانفاق البلدي للفرد في أوساط سكان المستوطنات، الذين هم فقراء نسبيا مقارنة بالمتوسط في إسرائيل، في مستوى اعلى بكثير من المتوسط في إسرائيل. لن يكون من المفاجيء اذا تم الاكتشاف بأن نصف الناخبين في هذه المجالس الإقليمية صوتوا لبن غفير وسموتريتش، والربع تقريبا صوتوا لليكود.
إن منحى تقديم الدعم الحكومي الاستثنائي وجد تعبيره الواضح في ثلاثة استطلاعات أجريت في الأعوام 2016 – 2023، في عينات كبيرة من السكان اليهود في الضفة الغربية، من اجل فحص المواقف بخصوص الحلول السياسية. هذه الاستطلاعات اظهرت أنه مع مرور الوقت فان المستوطنين الايديولوجيين يكتشفون جودة الحياة، ومستوطني جودة الحياة يبدأون في تبني الأيديولوجيا. مثلا، في العام 2016 فقط 19 في المئة من المستوطنين الايديولوجيين أشاروا الى جودة الحياة كدافع رئيسي للاستيطان في الضفة الغربية، وفي العام 2023 فان 38 في المئة أشاروا الى ذلك كدافع رئيسي. في موازاة ذلك نحن نلاحظ توجه للتطرف وعدم الاستعداد للاخلاء مقابل تعويضات في أوساط مستوطني جودة الحياة. في العام 2016، 66 في المئة من هؤلاء المستوطنين اظهروا الاستعداد للاخلاء مقابل التعويض، فانه في 2023 ك نسبة المستعدين للاخلاء انخفضت الى 55 في المئة.
المجلس الإقليمي متيه بنيامين برئاسة يسرائيل غانتس، الذي منذ أيار الماضي هو أيضا رئيس مجلس “يشع”، يحمل الرقم القياسي، ويضم في حدوده 59 بؤرة غير قانونية، 10 منها أقيمت اثناء الحرب. في موازاة ذلك تم تنفيذ في حدود هذا المجلس 168 عملية هدم لبيوت فلسطينيين على يد الإدارة المدنية، وتم طرد منها 8 تجمعات فلسطينية في السنة الماضية. بعده يأتي المجلس الإقليمي شومرون برئاس يوسي دغان الذي توجد داخل حدوده 40 بؤرة استيطانية غير قانونية، اثنتان اقيمتا اثناء الحرب، وفي السنة الماضية تم هدم اربع بيوت للفلسطينيين داخل حدوده.
في المجلس الإقليمي جبل الخليل توجد 28 بؤرة استيطانية (4 منها أقيمت اثناء الحرب) وتم تنفيذ داخل حدوده 50 عملية هدم لبيوت فلسطينيين، وتم طرد 8 تجمعات للفلسطينيين. المجلس الإقليمي غوش عصيون توجد فيه 25 بؤرة استيطانية (4 منها أقيمت اثناء الحرب)، وتم تنفيذ فيه 22 عملية هدم لبيوت، وتم طرد 3 تجمعات للفلسطينيين. المجلس الإقليمي عرفوت هيردين، الذي يضم 21 بؤرة استيطانية (4 منها أقيمت اثناء الحرب) تم تنفيذ فيه 41 عملية هدم لبيوت، وتم طرد 4 تجمعات.
في احداث العنف ضد الفلسطينيين التي حدثت منذ بداية الحرب وتم نشرها من قبل مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، تم الحفاظ على تدرج العنف في هذه المجالس: في متيه بنيامين 502 حالة عنف، في شومرون 389 حالة عنف، في جبل الخليل 202 حالة عنف، في غوش عصيون 63 حالة، وفي عرفوت هيردين 40 حالة عنف. يجب الإشارة الى أنه في المدن اليهودية الأربعة في الضفة الغربية، وفي الـ 14 مجلس إقليمي فيها (وفي المجلس الإقليمي مغيلوت البحر الميت) لا توجد بؤر غير قانونية، والسكان فيها بشكل عام لا يشاركون في اعمال العنف ضد الفلسطينيين.
من معطيات المكتب المركزي للإحصاء فانه في آب 2024 يبدو أن جميع هذه الخطوات تدل على محاولة يائسة لمنع إمكانية تحقيق حل الدولتين، وشرعنة ضم الضفة الغربية أو معظمها (مناطق ج). هذه محاولة يائسة لأن جميع الخطوات التي يقوم بها المستوطنون فشلت إزاء التوجهات الديمغرافية السلبية التي توجد في أوساط السكان الإسرائيليين في الضفة الغربية. وللمفارقة، الاحتكاك الذي يبادر اليه المستوطنين من اجل اشعال الضفة واستغلال ذلك لطرد الفلسطينيين، يؤدي الى نتيجة عكسية. فحسب الأرقام منذ بداية السنة غادر الضفة الغربية 791 إسرائيلي، اكثر ممن انتقلوا اليها (ميزان هجرة اجمالية سلبي)، و623 غادروا الى إسرائيل (ميزان هجرة داخلية سلبي)، وللمرة الأولى في العقد السابق غادر الى الخارج 168، اكثر ممن جاءوا (ميزان هجرة دولية سلبي).
هذا المنحى يظهر في أوساط المدن الأربعة التي فيها نصيب الأسد من سكان المستوطنات (43 في المئة): في موديعين عيليت، المدينة الأكبر، غادر 286 شخص، اكثر من الذين انتقلوا اليها. هذه هي السنة الرابعة على التوالي التي تعاني فيها هذه المدينة الحريدية من ميزان هجرة سلبي. في بيتار عيليت، الثانية من حيث حجمها، الحريدية أيضا، غادر منها 261 شخص، اكثر ممن انتقلوا اليها، وذلك بعد أن تحسن في السنة الماضية قليلا ميزان الهجرة السلبي – في 2022 غادرها 1858 شخص، اكثر ممن انتقلوا اليها.
في معاليه ادوميم غادر 440 شخص، اكثر ممن انتقلوا اليها. وهذه هي السنة التاسعة مع ميزان سلبي في الـ 12 سنة الأخيرة. وفي اريئيل، المدينة الأصغر بينها، اضيف منذ بداية السنة مواطنين فقط، في حين أنه في العشر سنوات من بين العشرين سنة الأخيرة كان في المدينة بين حين وآخر ميزان هجرة سلبي. أيضا الـ 14 مجلس إقليمي في الضفة الغربية تعاني من ميزان هجرة سلبي – غادرها 339 شخص، اكثر ممن انتقلوا اليها. البارز منها افرات مع ميزان هجرة سلبي هو 195، وكريات اربع مع 124.
في المجالس الإقليمية الصورة متنوعة: غوش عصيون تحظى بإضافة 172 شخص، مغيلوت البحر الميت تحظى بإضافة 236 شخص، جبل الخليل 61 شخص وشومرون 383 شخص. في المقابل، في متيه بنيامين كان هناك ميزان هجرة سلبي بلغ 239، وفي عرفوت هيردين ميزان سلبي بلغ 73.
عمليا، الزيادة الطبيعية (الولادات ناقص الوفيات) في المستوطنات أصبحت العامل الوحيد للزيادة الاسمية السنوية. حتى نهاية شهر آب بلغت الزيادة 8385 نسمة، في حين أن نسبة عالية منها جاءت من المستوطنات الحريدية (في موديعين عيليت 2131، في بيتار عيليت 1740، في جفعات زئيف 409، وفي عمانويل 128).
نسبة الحريديين في أوساط الإسرائيليين في الضفة هي 35 في المئة (ثلاثة اضعاف نسبتهم في إسرائيل)، ويوجد لذلك ثلاثة تداعيات مهمة: نسبة الأطفال حتى جيل 19 سنة هي 50 في المئة من اجمالي السكان هناك، الامر الذي يستتبع ارتفاع مستمر في مدفوعات التأمين الوطني والرفاه. نسبة الإسرائيليين في الضفة الغربية الذين يوجدون في العنقود الاقتصادي – الاجتماعي المتدني (العنقود 1) تواصل الارتفاع (42 في المئة)، الآن تقريبا نصف السكان بحاجة الى الدعم الحكومي. بسبب هذه التوجهات فان نسبة المستوطنين في اجمالي السكان بقيت 5 في المئة. ونسبتهم في اجمالي سكان الضفة الغربية هي 14 في المئة. الأكثر دراماتيكية هو الانخفاض الكبير في نسبة اليهود في مناطق ج (من 82 في المئة في 2010 الى 55 في المئة فقط في 2024).
الفشل الديمغرافي والجغرافي (اجمالي المساحة الإسرائيلية المبنية هي 1.5 في المئة فقط من أراضي الضفة الغربية)، نتجت عنه في السنوات الأخيرة ظاهرة المزارع (التي هي جزء من البؤر الاستيطانية غير القانونية). حسب معطيات حركة “السلام الآن” و”كيرم نبوت” فانه يوجد الآن ليس اقل من 108 “مزرعة”، التي يعيش فيها عدد قليل من الأشخاص، معظمهم من الشباب الذين سيطروا على حوالي 650 ألف دونم (12 في المئة من مساحة الضفة) عن طريق ابعاد الفلسطينيين بوسائل قانونية وغير قانونية.
وزارة الاستيطان ولواء الاستيطان خصصا لها ميزانية بمبلغ 54 مليون شيكل، يضاف اليها ملايين من وزارة الزراعة ووزارة النقب والجليل وحركة “أمانة” وغيرها. مؤخرا تم وضع تحت تصرف هذه المزارع وحدات دفاع قطرية. هذه الوحدات يخدم فيها سكان المستوطنات والبؤر الاستيطانية، الذين يرتدون الزي العسكري ويتم تزويدهم بالسلاح. والى جانب حماية المستوطنات هم يمارسون العنف ضد الفلسطينيين.
في خطتهم الرئيسية، فان سموتريتش واصدقاءه، يزيدون عدد الإسرائيليين الذين سيضطرون الى الاخلاء في حالة عقد اتفاق، لكنهم بالتأكيد يدركون أن العمليات التي يدفعون بها قدما لا تؤدي الى تغيير دراماتيكي في الواقع الديمغرافي، الذي سيسمح بضم الضفة أو حتى فقط ضم المناطق ج، بدون المس بالأغلبية اليهودية في إسرائيل. ولكن من برجهم العاجي السياسي هم يحاولون، بعمليات عنيفة تقتضي موارد ضخمة ومروج لها إعلاميا، ترسيخ في وعي الكثير من الإسرائيليين بأنهم ليسوا ضليعين في الحقائق التي توجد على الأرض، وترسيخ الانطباع الكاذب بأن الواقع هو أمر لا يمكن تغييره، وذلك من اجل القضاء على كل دعم جماهيري لاتفاق دائم.
يجب عدم الاستخفاف بالصدع الكبير في الثقة الذي يمكن أن ينشأ في أوساط المسيحانيين القوميين المتطرفين إزاء الفجوة بين الواقع وحلمهم، على شاكلة الصدع الذي حدث في اعقاب اخلاء شبه جزيرة سيناء، والانفصال واتفاق أوسلو. هذا يفسر استعدادهم “للذهاب حتى النهاية” والتضحية بالديمقراطية وسلطة القانون وجهاز القضاء والجنود في غزة وفي لبنان، واتفاقات السلام والعلاقات مع يهود العالم والعلاقات مع الولايات المتحدة، والتضامن الاجتماعي.
إن تعصبهم الشديد وصل الى الذروة في التضحية بالمخطوفين والادعاء أن هذا هو الثمن الذي يجب على سكان النقب الغربي دفعه بسبب التمسك بالدفع قدما بالسلام. طالما أنهم يؤمنون بأنه بهذه الاثمان يمكننا ضم كل البلاد، فانه لا شيء سيوقفهم، باستثناء اتفاقات سلام مقرونة بإعادة أراضي.
اذا كانت الأغلبية العقلانية في إسرائيل تطمح الى مستقبل مختلف فان عليها أن تعرف الحقائق الموجودة على الأرض وتبديد الضباب. الطريقة الوحيدة لذلك هي الاستيقاظ ومحاربتهم حرب لا هوادة فيها. بعد ذلك سيأتي الوقت للعزاء.