ترجمات عبرية

هآرتس: الفساد الأخلاقي تهديد وجودي لا يقلّ عن حماس

هآرتس 2023-10-23، بقلم: ميخائيل سفارد: الفساد الأخلاقي تهديد وجودي لا يقلّ عن حماس

الفساد الأخلاقي آلية تغذي نفسها، وتبرر ذاتها، وتسير في دائرة، بدون تدخل قوي ومستمر يمكن أن تستمر إلى الأبد. بالنسبة لنا نحن، الاسرائيليين، فرضنا على الفلسطينيين 25 سنة من اللجوء، و56 سنة من الاحتلال، وفرضنا على ملايين من سكان غزة 16 سنة من الحصار – كل ذلك أدى إلى تآكل مبادئ الأخلاق لدينا، والى تطبيع الواقع الذي يقول، إن هناك بشراً أقل قيمة؛ اقل قيمة بكثير. يتحرك الفساد الأخلاقي نحو هاوية عميقة وعلى الأغلب بسرعة ثابتة مع فترات مخيفة من تسريع معين، ولكن أيضا مع لحظات مليئة بالأمل في الإبطاء. حتى يوم السبت الأسود في 7 تشرين الأول، كانت الوحشية غير المفهومة التي رأيناها، والتي تثبت إلى أي درجة يفسد الاحتلال والحصار ليس فقط المحتل بل أيضا الواقع تحت الاحتلال، فقد اخترقت الوحشية روحنا، ومثل الوقود النووي أصابتنا بالدوار في الطريق إلى جهنم أخلاقية.

يوم من الذبح الوحشي والمنهجي للمدنيين، الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، على يد أشخاص من منظمة فقدت كل بصيص من الإنسانية، أدى خلال بضعة أيام إلى رفع القليل من الحواجز التي كان يبدو أنها بقيت لنا. إسرائيل، الآن، هي دولة ومجتمع، فيها الدعوات لمحو غزة لم تعد من نصيب المدونين البائسين من الهوامش، من أعضاء كنيست من الحزب الحاكم ممن يدعون علنا وبدون خجل إلى “نكبة 2″؛ والتي يأمر فيها وزير الدفاع بقطع المياه والغذاء والوقود عن مليوني إنسان، والتي رئيسها اسحق هرتسوغ، الوجه المعتدل في الدولة، يقول، إن “جميع الغزيين مسؤولون عن جرائم (حماس)” (لو أنني لم أشاهد هذا المقطع بنفسي لما كنت سأصدق).

في غزة، مع سكانها الـ 2.3 مليون نسمة، اكثر من نصفهم من الأطفال، الحياة في ظل سلطة ديكتاتورية أصولية دينية، لم ينجح رئيسنا في العثور على أي غزي، رجلا أو امرأة أو طفلا، غير مسؤول. من حسن الحظ أن أي قناة للأخبار لم تجر استطلاعا لفحص نسبة الجمهور اليهودي المؤيد للتطهير العرقي في غزة. ربما ليس فقط في غزة، فلماذا نكتفي بها؟! عندما تفقد القيادة السياسية والعسكرية أي كابح وتشرعن أفكار المس الجماعي بالمواطنين فإنه يتولد عندنا مجتمع فيه عملية تجريد البشر الذين يعيشون وراء الحدود من الإنسانية أمر مفيد. وعندما يحدث ذلك فإن جهنم تكون موجودة على مسافة قصيرة منا. في 8 تشرين الأول، قمنا بقفزة في الهواء في حملة الفساد الأخلاقي التي قمنا بها، ونحن قريبون بصورة خطيرة من منطقة الجاذبية للثقب الأسود. ليس من الغريب أنه في غزة يوجد آلاف القتلى، وفي إسرائيل لم يسمع تقريبا الصوت الذي يسأل هل فعلنا بما فيه الكفاية من اجل منع المس بالأبرياء؟

هذا ليس كل شيء. لا يوجد فساد أخلاقي اجتماعي موجه فقط نحو الخارج. دائما يوجد العدو في الداخل، العدو ذاته الذي أعلن المفتش العام للشرطة عليه الحرب، الأسبوع الماضي، عندما أمر رجال الشرطة بأن يمنعوا بالقوة الاحتجاج على الحرب في غزة والمس بالأبرياء فيها. واقترح أن يُطرد المحتجون إلى غزة. إن التعبير عن الأسف لموت الأطفال في القطاع (الآن هناك اكثر من 1700 طفل قتيل) من شأنه ليس فقط أن يقود من يعبر عن ذلك إلى حافلات المفتش العام للشرطة، بل أيضا إلى التوقيف عن العمل أو عن الجامعة، كما حدث للعشرات في الأسابيع الأخيرة. وهذا افضل. لأن التعاطف مع أطفال غزة يمكن أن ينتهي بمحاولة فتك على يد حشد من الغوغاء الفاشيين، مثلما حدث للمراسل، إسرائيل فراي، “للعلم: أنا فخور بالقول إنه صديقي”. باختصار: كيف نعرف نظام الدولة التي تتعامل هكذا بالأصوات الانتقادية؟ اعرف، وكيف لا؟

غير بعيد عنا، في الطريق إلى الثقب الأسود يحلق من يتبجحون بأنهم جزء من “اليسار – التقدمي”، ويجدون صعوبة في إدانة عربدة الشيطنة المتمثلة بتدمير المستوطنات المدنية في غلاف غزة على سكانها، بدون “عزاء” وبدون الهرب إلى “السياق”. بل إن بعضهم يتحدثون عن أن إنهاء الاستعمار هو عملية قبيحة، هكذا كانت الحال في الجزائر وفي كينيا أيضا على سبيل المثال. تقرأ ذلك وتموت من العار. ربما لم تفهموا، لكن النضال من اجل إنهاء الاحتلال ومن اجل استقلال الشعب الفلسطيني هو جزء من النضال العالمي لحماية حقوق الإنسان للجميع، وليس العكس. إن فكرة قدسية الحياة الإنسانية، الفكرة السامية التي تقول، إنه لكل إنسان حقوقه الأساسية التي لا يجوز انتهاكها، ليست أداة لتحقيق الاستقلال الفلسطيني، بل على العكس، الحرية الفلسطينية وتقرير المصير تهدف إلى تعزيز واقع يتمتع فيه الناس بحماية حقوقهم ويكونون أحرارا في إدارة حياتهم كما يريدون. الذين يشعرون بالارتباك حول ذلك ليسوا إنسانيين. من يحتار في هذا الأمر لا يعبر عن تصور أخلاقي معقد وعميق، بل ينزلق إلى دعم الإرهاب.

أن تكون إنسانا فهذا عمل قاس. أن تبقى إنسانا أمام وحشية غير إنسانية فهذا يعني عملا أصعب بأضعاف. خلافا لما يظهر لنا في مرات كثيرة فإن الإنسانية ليست صفة طبيعية لبني البشر. الأكثر طبيعية بكثير هي الرغبة في الانتقام واتهام الجميع في الطرف الآخر، وإلقاء آلاف القنابل عليهم ومحوهم من فوق وجه الأرض. التاريخ الإنساني مليء بالأمثلة، ويبدو أننا لم نتعلم أي شيء.

هذه أيام فظيعة. لقد مررنا بتجربة صادمة وفظيعة من صنع بني البشر الذين فقدوا صورتهم الإنسانية، والآن، نقصف ونقتل ونجوع، وبالأساس نقسي قلوبنا لتصبح مثل الحجارة. الفساد الأخلاقي خطير على وجودنا بدرجة لا تقل عن “حماس”.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى