ترجمات عبرية

هآرتس: العملية التي قادها الجيش الإسرائيلي لمدة عامين انهارت بفشل استخباراتي في 7 أكتوبر

هآرتس 9-5-2024، ينيف كوبوفيتش: العملية التي قادها الجيش الإسرائيلي لمدة عامين انهارت بفشل استخباراتي في 7 أكتوبر

الزمان: الجمعة 6 تشرين الأول الماضي، فرقة غزة، الساعة: 23:00 ليلاً: مساء عادي في غرفة العمليات. في حينه سمع صراخ: “عليّ كاتشي يتصرف بصورة مشبوهة”. اندفع نحو غرفة العمليات جندي نظامي في الاستخبارات. كاتشي أحد نشطاء حماس من جباليا، وهو برتبة تعادل رتبة قائد فصيل. المراقبات أصبحن يعرفنه من بعيد. وحسب قول هذا الجندي، هو وعدد آخر من النشطاء كانوا يتصرفون بشكل مثير للشك. “هذا يشير إلى أنه يستعد للاقتحام مع رجاله”. هذه المعلومة قفزت بسرعة إلى سلسلة القيادة ووصلت حسب المصادر التي تحدثت مع “هآرتس”، إلى ضابط الاستخبارات في فرقة غزة، الذي أصدر حكمه وقال إن الأمر يتعلق بتدريب عادي لحماس.

بعد 8 ساعات حيث كانوا في غرفة العمليات للفرقة، خرجت معظم كاميرات المراقبة عن العمل، وكان مخربو حماس وراء البوابة مباشرة. رأوا نفس هذا الكاتشي على الشاشة من الكاميرا الوحيدة التي ظلت تعمل. قاد عشرات المسلحين إلى معبر إيرز بدون إزعاج. بعد بضع دقائق أخرى، في الساعة 7:25 شاهدوا كيف أن قائد الفصيل من جباليا يجر ورجاله العريف أول ميك بايزر والشاويش رون شيرمان والعريف تمير نمرودي وأيديهم مرفوعة إلى داخل قطاع غزة. بايزر وشيرمان قتلا بعد ذلك، كما يبدو بهجوم لسلاح الجو على أنفاق حماس.

هذه الحادثة مثال على النظرية التي تسببت بفشل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي في الفترة ما قبل 7 أكتوبر. يرتكز تقرير “هآرتس” على محادثات كثيرة أجريت مع عدة مصادر في الجيش وجهاز الأمن، سابقة وحالية، ويرسم خطوطاً لصورة الفشل الاستخباري في 7 أكتوبر والعمى الذي عانت منه إسرائيل فيما يتعلق بما يحدث في القطاع.

أساسات التقرير الذي سينشر هنا، حسب مصادر رفيعة، هي أساس فحص الجيش للفشل الاستخباري، الذي ما زال في مراحله الأولى. وهو يشمل إخفاقات على طول القطاع الأمني، سواء في “الشاباك” أو الجيش الإسرائيلي. وقد ارتكز على تغيير صارخ في النظرية، التي بحسبها لا توجد احتمالية أنه بإمكان حماس اقتحام إسرائيل من البر، وأن قدرتها الأساسية على إدارة معركة ضد إسرائيل هي إطلاق الصواريخ حادة المسار.

تناول التقرير أيضاً -حسب بعض القادة- أنه بعد عملية “حارس الأسوار” تقرر وقف جمع المعلومات الاستخبارية عن منظومة حماس التكتيكية وعن المستوى الأوسط في ذراعها العسكري، وصب التركيز على عدد من الشخصيات فقط. لذا، تم تحويل مصادر جمع المعلومات للانشغال بالصواريخ، وابتعد المجهر عن رجال حماس. “لم يتم تناول إمكانية اقتحام بلدات”، قال مصدر. “ظهر هذا هناك في سيناريوهات لم يؤمن بها ولم ينشغل بها أحد”.

يتبين من المحادثات أن هذا كان إيماناً أعمى ومطلق، لذلك فإن مواقف مناقضة تم إسكاتها ولم تعط الفرصة للتعبير عن ذاتها، بدءاً من الاستخبارات في المنطقة الجنوبية وفرقة غزة وحتى منتدى هيئة الأركان. وقام الجيش بتجفيف وتقليص منظومات أقسام ووحدات، وفي النهاية لم يبق سوى وحدة ضئيلة الموارد فيها ثلاثة ضباط، هدفها مراقبة قادة كبار لحماس في الذراع العسكري. “كان الشعور شعور استخفاف من قبل الجهات الرفيعة في المستوى السياسي والمستوى الأمني”، قال الضابط المطلع على هذه الأمور. “الاستخفاف بالمنظمة التي لم نعرفها قط”.

إلى أي مستوى كان الاستخفاف كبيراً؟ يتبين من المحادثات أن رأي هؤلاء الضباط الثلاثة لم يرغب أحد بسماعه. وبالتأكيد عندما حاولوا طرح أسماء لم تكن في قائمة المهمات المقلصة مثل كاتشي. “ليس مؤكداً أن لو كانوا عملوا ضد كاتشي لمنع ذلك هجوم حماس”، قالت ضابطة احتياط في الاستخبارات مطلعة على الموضوع، “لكن قصته تجسد في أعماقها كل تصور متغطرس وصراعات غرور شخصية لدى الجيش الإسرائيلي بشكل عام وفي قسم الاستخبارات وقيادة المنطقة الجنوبية بشكل خاص”.

فشل في نهاية النفق

تكمن نقطة بداية الفشل الاستخباري زمنياً في 21 أيار 2021، الساعة الثانية فجراً؛ موعد دخول وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ بعد انتهاء عملية “حارس الأسوار”. من هنا بدأت نظرية الاستخبارات الجديدة فيما يتعلق بقطاع غزة تتحول من نظرية إلى تطبيق. عند انتهاء الجولة المناوبة، اعتقد رئيس الأركان في حينه، أفيف كوخافي، ورئيس الاستخبارات العسكرية القادم، أهارون حاليفا (الذي كان آنذاك في نهاية منصبه كرئيس لقسم العمليات)، بأن العائق تحت الأرض الذي أقيم على حدود القطاع، إضافة إلى الجدار، سلبا حماس قدرتها على التسلل إلى داخل إسرائيل.

إضافة إلى ذلك، قدر الجيش أن بإمكانه قصف مخربي حماس الذين سيهربون إلى داخل الأنفاق من الجو. وكل ما بقي هو “سحب الصواريخ، مثل عنوان مقال حاليفا، الذي نشر في المجلة العسكرية “بين الأقطاب”، وفي موقع الجيش الإسرائيلي. بعد كل ذلك، اعتقد الجيش أن حماس لا تملك إمكانية إدارة معركة ضد إسرائيل، وأكثر ما يمكنها فعله هو التهديد بسلسلة عمليات نوعية”. لم يكن هذا مقال رأي، بل حلم أصبح حقيقة. وفي 7 أكتوبر تبين أنه كان مقدمة لكابوس. “منذ تلك اللحظة”، قال ضابط استخبارات رفيع في قيادة المنطقة الجنوبية في حينه، “لم يهتم الجيش الإسرائيلي في جمع المعلومات الاستخبارية عن قوات حماس وقادتها الكبار والبارزين فيها أو عن تدريباتهم”.

عملياً، كانت هناك ثلاثة افتراضات: الأول يبدو أنه صحيح، وهو أنه “لا يمكن اجتياز الحاجز التحت أرضي”. ولكن الافتراضات الأخرى كانت خاطئة. فالقدرة على المس بمترو حماس كانت محدودة جداً، وتبين أن الجدار الأمني سور شبه موجود. في 7 أكتوبر نجح مخربو حماس في اختراقه في 44 نقطة. قبل سنتين، في احتفال افتتاح العائق الذي شمل أيضاً الجدار فوق الأرض، أعلن وزير الدفاع في حينه بني غانتس، بأن الإضافة الجديدة لمشهد الغلاف هي “مشروع تكنولوجي وإبداعي، فريد في نوعه، ويحرم حماس إحدى قدراتها التي حاولت تطويرها، ويضع جداراً فولاذياً بينها وبين سكان الجنوب”. العميد عيران أوفير رئيس إدارة الحدود، قال إنه “لا يمكن التسلل إلى أراضي إسرائيل”.

هذه أقوال لم تكن صحيحة، بل ولم يأخذ الجيش الإسرائيلي بالاعتبار إمكانية أن يكون الجدار الجديد يكون أقل إحكاماً مما هو متوقع، أي ما الذي سنفعله إذا نجحت قوات حماس في اختراقه. هذا السيناريو تم طرحه، على الأقل في مناورتين أجريتا في السنوات قبل استكمال الجدار الجديد.

المناورة الأولى في العام 2016، في حينه قدر الضباط الذين أشرفوا على المناورة برئاسة الجنرال احتياط ميكي أدلشتاين، أن حماس لا يمكنها تنفيذ هجوم واسع بواسطة الأنفاق. وهذه يمكن استخدامها لعمليات محدودة مثل الاختطاف، لذلك سيتم التدرب على الاقتحام بواسطة السيارات والدراجات والطائرات الشراعية، واقتحام الجدار، ثم التحرك نحو بلدات الغلاف التي كان حولها جنود الجيش الإسرائيلي. لم يتم الحديث عن آلاف، بل عن بضع عشرات. “بعد فترة قصيرة، كان من الواضح أنه لم تكن هناك أي خطة للدفاع والهجوم لهذا السيناريو”، قال مصدر أمني شارك في المناورة. “بعد بضع ساعات، قرر أدلشتاين وقف المناورة عندما وصل العدو إلى مفترق “عاد هالوم” شمالاً، ثم إلى “كريات غات” جنوباً، دون أن تتمكن قيادة المنطقة الجنوبية وفرقة غزة من إعطاء رد”.

ثمة مناورة أخرى كان يجب إجراؤها في 2019. في حينه، أراد قادة المناورة تقليد اختراق الجدار، لكن القادة الكبار عارضوا ذلك وصمموا التدرب فقط على اختراق الأنفاق. في نهاية المطاف، تمت الموافقة على رأيهم، ولم يفحص خيار اختراق الجدار قط. في الوقت الذي جرت فيه هذه التدريبات، أصبح معروفاً بأنه سيتم بناء جدار، ويبدو أنهم وثقوا به إلى درجة أنهم لم يروا حاجة لفحص إمكانية عدم صموده أمام التوقعات.

الفشل المكمل هو الافتراض بأن إسرائيل يمكنها قتل المخربين في الأنفاق، ما سمي بـ “شرك الموت”. وقد ارتكز هذا إلى عملية “الضربة الخاطفة” في “حارس الأسوار”، التي حاول فيها الجيش الإسرائيلي تضليل حماس وجعلها تعتقد أن الجيش يخطط لعملية برية لتجعل رجالها يهربون إلى الأنفاق قبل لحظة من قصف سلاح الجو بقنابل ثقيلة الوزن. بعد تلاشي الدخان، سارع المستويان السياسي والأمني إلى مدح العملية. “لم تعد حماس تستطيع مواصلة الاختباء”، أعلن رئيس الحكومة نتنياهو. وأضاف كوخافي: “وجهنا ضربة شديدة إلى شبكة الأنفاق تحت الأرض، التي أعدت لتكون البعد القتالي الرئيسي لحماس”.

“بسرعة كبيرة”، قال ضابط استخبارات كان في غرفة العملية، “تبين أن العملية فشلت، وأن حماس فهمت تضليل الجيش الإسرائيلي، لذا لم يدخل رجالها إلى الأنفاق”. ولكن كل ذلك لم يزعج المستوى الأمني والسياسي في مواصلة حملة الأكاذيب. وقال الضابط نفسه إن “الحملة التي كشف فيها الجيش الإسرائيلي عن شبكة أنفاق حماس كانت مجرد كذبة عرضت على وسائل الإعلام والجمهور بشكل متعمد”. بعد ذلك، تبين أن هذا لم يكن الفشل الوحيد؛ فالجيش الإسرائيلي لم يعرف في الوقت الحقيقي أن هناك الكثير من الأنفاق المتشعبة بكل الأعماق، التي لا يستطيع الجيش أن يدمرها من الجو أو قتل من فيها. ولكن عدم المعرفة أوجد معرفة خاطئة لدى المستويين السياسي والأمني وكأن لدى الجيش الإسرائيلي قدرة على قتل كل من هو تحت الأرض في القطاع وفي أي وقت. “بسبب ذلك، قال ضابط استخبارات مطلع على التفاصيل، “غيروا نظرية الاستخبارات فيما يتعلق بغزة وحماس”. المكانة المركزية التي حصل فيها هذا المفهوم على كثير من الثناء، هي الخطة متعددة السنوات “تنوفا 2007″، التي صاغها كوخافي عندما تولى منصبه، ووافق عليها رئيس الوزراء نتنياهو.

“مبادئ هذه الخطة ومركباتها وطرق القتال الجديدة فيها، استهدفت حرمان العدو من قدرته على القتال حتى هزيمته”، كتب رئيس الأركان في مجلة “بين الأقطاب” في آب 2020. “أولاً، مطلوب القضاء على قدرة العدو على إطلاق النار، الموجه لهجوم واسع النطاق وفعال على الجبهة الداخلية والبنى التحتية للدولة وللجيش الإسرائيلي وللقوات القتالية”. حلم كوخافي هذا خلق عقيدة جديدة في قيادة المنطقة الجنوبية، تتمثل في جمع المعلومات الاستخبارية المحدودة. “خلافاً للمنطقة الجنوبية، تقرر الحفاظ على جمع المعلومات عن تكتيك حزب الله في المنطقة الشمالية”، قال ضابط رفيع. “أما منطقة الجنوب فكان التفكير فيها مختلفاً، لأنهم لم يعتقدوا بأن حماس يمكنها تنفيذ اقتحام داخل إسرائيل، وبالتأكيد ليس بأبعاد 7 أكتوبر”.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى