هآرتس: العملية البرية: الزمان والكيفية في يد بايدن!

هآرتس ٢٦-١٠-٢٠٢٣، بقلم: عاموس هرئيل: العملية البرية: الزمان والكيفية في يد بايدن!
بتقدير حذر يمكن القول، إنه في نهاية المطاف ستكون هناك عملية برية للجيش الإسرائيلي في القطاع. لن تكون هذه كما يتخيل بعض المحللين المتحمسين في الاستوديوهات، لكن القوات الإسرائيلية ستدخل على الأقل إلى جزء من القطاع؛ لأنه من الصعب جدا على إسرائيل تحقيق إنجاز عسكري حقيقي أمام “حماس” فقط من خلال القصف الجوي. وهناك تقريبا إجماع في الحكومة وفي هيئة الأركان يقول، إن عملية برية ناجعة أمر مطلوب من أجل المس بـ”حماس”، وإعادة جزء من الردع العسكري لإسرائيل، الذي تلقى ضربة شديدة جدا في الهجوم “الإرهابي” في 7 تشرين الأول. وأيضا من اجل محاولة ترميم ثقة الجمهور بالجيش الإسرائيلي.
لكن حجم العملية البرية وموعدها وطبيعتها سيتم تحديدها في المثلث بين الإدارة الأميركية و”الكابنيت” الحربي في إسرائيل وقيادة الجيش. يمكن أن تتأخر هذه العملية بضعة أيام وربما أكثر. اختيار التوقيت ومكان العملية والأسلوب ستحتاج إلى التفكير باعتبارات أُخرى مثل توقعات الولايات المتحدة، لا سيما بشأن الجهود المستمرة لإطلاق سراح جزء من المخطوفين – النساء والأطفال ومن لديهم جنسيات أجنبية – قبل اقتحام إسرائيل، والخطر من اشتعال جبهة أخرى، مع “حزب الله” في لبنان، وتخوفات رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من تورط آخر في العملية البرية.
المتغير الأكثر دراماتيكية في الصورة الاستراتيجية لهذه الحرب مقارنة مع عمليات أصغر بكثير في السابق يتعلق بالتدخل الأميركي. الرئيس الأميركي، الذي زار البلاد، الأسبوع الماضي، جاء من هناك من أجل التعبير عن الدعم العلني لإسرائيل، المدعوم أيضا بإرسال حاملات الطائرات. ولكن أراد أيضا تحقيق سيطرة على الوضع وإسماع صوت الولايات المتحدة قبل أن تتخذ إسرائيل القرارات. نشرت “نيويورك تايمز”، مساء أول من أمس، بأن “البنتاغون” أرسل إلى البلاد الجنرال جيمس غلين، نائب قائد قوات المظليين، مع ضباط آخرين، من اجل مناقشة خطط الحرب مع الجيش الإسرائيلي. وحسب ما نشر فإن الإدارة الأميركية تخشى من أنه لا توجد لإسرائيل أهداف عسكرية قابلة للتحقيق في القطاع، وهي تعتقد أن هناك حاجة إلى أن تفحص بحذر هذه الخطط، لكنها لا تقدم أي نصيحة لإسرائيل بإلغاء عملية الغزو.
وأكدت جهات أمنية في إسرائيل للصحيفة بأنه قد جرت وبحق محادثات مفصلة مع الأميركيين، اعتمدت على دروس للجيش الأميركي في المعارك مع “داعش” في العقد الماضي، شملت احتلال الموصل (في العراق، حيث حارب غلين هناك)، والرقة (في سورية). حسب قولهم فإن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، والجنرالات الأميركيين فحصوا صورة الوضع بمهنية من خلال رؤية تقول، إن الدول لا تشن الحرب مع مقاربة “إلى الأمام، اهجموا”. أراد الأميركيون من نظرائهم الإسرائيليين فهم ما هي الأهداف المفصلة للعملية، وما هي التطورات المتوقعة وما إذا تم فحص آلية الإنهاء المحتملة وما هو الوضع النهائي الذي تتطلع إسرائيل إليه في القطاع وفي الساحة الفلسطينية وفي كل المنطقة.
أشار الأميركيون في هذه المحادثات إلى ظاهرة تم ذكرها هنا، مؤخراً، وهي أن القيادة السياسية والعسكرية تعرض رسميا هدفا طموحا جدا وهو تدمير سلطة “حماس”. ولكن بالنسبة لهم فإن ما تبلور حتى الآن لا يضمن تحقيق هذا الهدف، ويعتمد على افتراض واثق جدا وكأنه يوجد لإسرائيل زمن غير محدود للعملية. يعود الضباط الأميركيون إلى الخطوط التي رسمها الرئيس: يوجد لإسرائيل جدول زمني للعمل، إذا فعلت ذلك كما يجب وحققت إنجازات. هذا يجب أن يحدث، حسب فهمهم، بدون احتلال القطاع أو جرائم حرب تخرق القانون الدولي.
حسب قولهم فإنه يجب محاولة التوصل إلى إطلاق سراح المزيد من المخطوفين عن طريق المفاوضات، وضمان ممر آمن للمساعدات الإنسانية إلى جنوب القطاع، وأيضا من اجل منع معارضة دولية واسعة لمواصلة القتال الإسرائيلي. ربما أنه في أعقاب ملاحظات الضيوف فإن الإدراك اتضح واصبح بارزا في “الكابنيت” وفي الجيش؛ أنه يجب العمل بصورة لا تحطم التوقعات المتبقية لدى الجمهور في البلاد من الجيش الإسرائيلي.
يأتي الأميركيون إلى اللقاءات مع تجربة في المواجهة مع ما يسميه الجيش الأميركي “تمردا وانتفاضة”. يتطرق هذا إلى القتال في العراق بعد حرب الخليج الثانية منذ 2005 فصاعدا وانتهاء بالمعركة مع “داعش”. تقول إسرائيل، التشابه غير كامل. الوحشية القاتلة التي أظهرتها “حماس” في الواقع تذكر بـ”داعش”، لكن الحديث هنا يدور عن نظام نما قرب الحدود على بعد مئات الأمتار عن البيوت في البلدات. لذلك، يجب تدميره. يوافق الأميركيون على ذلك، لكنهم يذكرون بأن الحل ليس بالضرورة الانتقال من بيت إلى بيت (كما فعل الجنرال اريك شارون ضد “الإرهاب” في غزة في السبعينيات، أو عملية “السور الواقي” في الضفة الغربية في 2002). بالنسبة لهم يمكن أن يشمل الحل أيضا إطلاق النار من الجو واقتحامات برية متكررة، وتصفية كبار القادة. كل ذلك سيكون جزءا من حرب طويلة هدفها إحداث الدمار والقتل في صفوف “حماس”.
تتطرق الاعتبارات الأميركية أيضا لإيران و”حزب الله”. في الوقت الحالي يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة، مع أخذ الحذر اللازم على ضوء الفشل الصادم، يوم السبت الأسود، متفقتان في التقييم الاستخباري. حسب رأيهما يساهم “حزب الله” بنصيبه من الشمال في النضال الفلسطيني، ويستغل ضعف إسرائيل الذي ظهر في غزة من اجل زيادة قوة المواجهة على الحدود مع لبنان. ولكن لا ايران أو “حزب الله” معنيتان بالتضحية بالمشروع اللبناني من اجل إنقاذ المشروع الغزي، الذي يوجد حسب رأيهما في مكان تفضيل أقل. كما يبدو، إذا عملت إسرائيل في غزة بشكل جيد، وأظهرت التصميم في لبنان بدعم من أميركا، فإن هناك احتمالية معقولة لردعهما عن شن حرب إقليمية.
هذا تقدير يجب التعامل معه بتشكك. حقق “حزب الله” إنجازاً عندما تسبب في إخلاء عشرات آلاف الإسرائيليين من منطقة الحدود وجذب إلى هناك عددا من وحدات الاحتياط وثبتها هناك. قام “حزب الله” بعدد كبير من الهجمات، التي قُتل فيها ستة جنود ومواطن إسرائيلي. وتستعين ايران بميليشياتها التي تمولها من اجل تنفيذ هجمات بالمسيرات والصواريخ على القواعد الأميركية في سورية وفي العراق، وتقوم بتسخين الأجواء بالتدريج في دول الخليج. هنا تجري لعبة خطيرة، حتى الآن يمكن بسهولة أن تخرج عن السيطرة. هذا ما يقلق جدا الأميركيين.
المزيد من الوقت للتفكير
ما الذي يفكر فيه نتنياهو؟ فرض رئيس الحكومة، الاثنين الماضي، ظهورا مشتركا، ومصطنعا، لوزير الدفاع ورئيس الأركان من أجل إقناع الجمهور بأنه لا توجد أي خلافات أو مشكلة ثقة بينهما. من حسن الحظ أن وسائل الإعلام لا تقوم بإجراء استطلاعات سريعة كي تفحص نسبة المواطنين الذين ما زالوا يصدقون هذه الهراءات. يبث نتنياهو أن توجهه هو نحو العملية البرية، ولكن الذعر الذي تنشره أبواقه في وسائل الإعلام الخاضعة له وفي الشبكات الاجتماعية يدل كما يبدو على ما يفكر فيه.
لم يكن نتنياهو في أي يوم مؤيدا لاستخدام القوة البرية، سواء في قطاع غزة أو في لبنان. عندما حاول رسم نوع من “حلم 2030” قبل بضع سنوات لبناء قوة إسرائيل العسكرية، أكد على استخدام سلاح الجو والنار الدقيقة والاستخبارات بدلا من التركيز على الفرق المدرعة. الجنرال احتياط، اسحق بريك، هو الآن هداف البطولة، وقد التقى معه نتنياهو مرتين، الأسبوع الماضي، لاعتباراته الخاصة. ولكن عندما نشر بريك ادعاءاته لأول مرة في “هآرتس” في 2018 فقد كان لدى رئيس الحكومة (الذي كان في حينه اسمه بالصدفة نتنياهو) بصعوبة وقت ليعطيه له. هو بالتأكيد لم يصغ لتحذيرات بريك وتحذيرات نائب رئيس الأركان قبل سنة، الجنرال ايال زمير، من تقليص قوة المدرعات في الجيش الإسرائيلي.
في عملية “الجرف الصامد” في العام 2014 احتاج الأمر بضعة أسابيع إلى أن تقرر القيام بعملية برية محدودة لتدمير الأنفاق قرب الجدار في القطاع. استمرت العملية ثلاثة أضعاف الوقت الذي قدره الجيش وحققت نتائج جزئية. رئيس “شاس”، آريه درعي، الذي يعمل مراقبا في “كابنيت” الحرب ومقرب من أذن نتنياهو، قال، هذا الأسبوع، إنه لا توجد للجيش الإسرائيلي أي خطة مناسبة لما هو مطلوب الآن في غزة، لذلك فإنه مطلوب وقت آخر من اجل الاستعداد.
يبدو أن نتنياهو أيضا متشكك وغاضب، وبدرجة كبيرة من الأحقية، إزاء ما كشف بشأن أداء الجيش الإسرائيلي في 7 تشرين الأول، ليس فقط على مستوى الاستخبارات. لكل هذه الأسباب ربما ستكون حاجة إلى المزيد من الوقت والتفكير إلى حين اتخاذ القرار النهائي بشأن مضمون العملية البرية. في هذه الأثناء، يقوم سلاح الجو بقصف أهداف “حماس” ويخلف هناك دماراً غير مسبوق.
وصف مراسلون في القطاع يوم الاثنين الماضي بأنه اليوم الأكثر صعوبة على غزة في حياتها. أيضا طيارون قدامى في سلاح الجو، ممن شاركوا في كل العمليات في غزة وفي الحرب الأخيرة في لبنان، قالوا، إنهم لم يهاجموا في أي يوم بمثل هذه القوة. من الجدير الحذر من التنبؤات العبثية بشأن انكسار مسبق لروح أعضاء “حماس” الذين يوجدون في الأنفاق. لم يحدث هذا أيضا في الجولات السابقة. ولكن يبدو أن هناك أهمية عملياتية معينة لاستمرار عمليات القصف.
مساء أول من أمس، أعلنت قيادة الجبهة الداخلية بأنه من الغد يمكن العودة إلى الدراسة المنتظمة في معظم أرجاء البلاد، بما في ذلك في “غوش دان” والقدس. القصد هو محاولة إدارة نوع من حالة الطوارئ الروتينية أثناء الحرب في المناطق التي تعتبر اقل تعرضا للخطر. أيضا هذا دليل على أنه ما زالت أمامنا حرب طويلة.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook