هآرتس: العالم الذي قام بالبكاء على المخطوفين الستة لا يبالي بالـ 40 ألف غزي
هآرتس 5/9/2024، جدعون ليفي: العالم الذي قام بالبكاء على المخطوفين الستة لا يبالي بالـ 40 ألف غزي
اسرائيل تقيم الحداد على المخطوفين الستة القتلى. ايضا العالم قام بالحداد على موتهم. اسماءهم وصورهم وقصص حياتهم وابناء عائلاتهم تصدرت النشرات الاخبارية في البلاد وفي العالم. هيرش غولدبرغ بولن وعيدان يروشالمي اصبحا مشهورين رغم عدم ارادتهما، في الأسر وفي الموت. العالم قام بالبكاء عليهم، كيف لا، ستة شباب جميلين، مروا بجهنم في الاسر وبعد ذلك تم اعدامهم بوحشية.
لكن مخطوفينا الستة هم فقط الجزء الصغير في نهاية القصة، جزء صغير من ضحايا الحرب. وجعلهم قصة عالمية هو أمر مفهوم. ولكن المفهوم بشكل اقل هو التناقض غير المعقول بين التغطية الواسعة لحياتهم وموتهم وبين التجاهل المطلق للمصير المشابه لشباب من ابناء جيلهم، ابرياء مثلهم، ساذجون وجميلون مثلهم، ضحايا عبثية مثلهم، في الطرف الفلسطيني. العالم في الواقع في حالة صدمة من مصير غزة، لكنه لم يشارك في أي يوم في تقدير الشهداء الفلسطينيين. الرئيس الامريكي لا يقوم بالاتصال مع عائلات الشهداء الفلسطينيين، حتى لو كان معهم الجنسية الامريكية، كما اتصل مع عائلة غولدبرغ. الولايات المتحدة لم تقم في أي يوم بالدعوة الى اطلاق سراح آلاف المخطوفين الفلسطينيين المعتقلين بدون محاكمة في اسرائيل. فتاة اسرائيلية قتيلة من حفلة “نوفا” تثير التماهي والشفقة في العالم اكثر من فتاة نازحة من جباليا، الفتاة الاسرائيلية تشبه “العالم” اكثر.
لقد قيل كل شيء عن التجاهل واخفاء ألم الفلسطينيين في الخطاب في اسرائيل. وحتى الآن لم يتم قول ما يكفي. لم يولد بعد الشهيد الفلسطيني في قطاع غزة الذي له وجه واسم وقصة حياة، اصيبت اسرائيل بالصدمة بسبب قتله. حتى الـ 17 ألف طفل وفتى القتلى في القطاع كانت لهم احلام وأمنيات وهم ابناء عائلات وتم تدمير عالمهم. هم لا يهمون الاغلبية هنا، والاقلية مسرورة من موتهم. في العالم يعتبرونهم ضحية مخيفة، لكن ايضا هناك بشكل عام لا يوجد لهم وجوه وأسماء.
قلوب الاسرائيليين هي مع الضحايا الاسرائيليين. لا يوجد أي شيء مفهوم وانساني اكثر من ذلك. ولكن الحداد والحزن الوطني بهذا الحجم على المخطوفين الستة والتجاهل الكامل لعشرات آلاف الضحايا الفلسطينيين هو مرض وغير اخلاقي. نزع الانسانية بدون أي اشارة انسانية للضحايا، أو حتى الاطفال القتلى، الذين تم بتر ايديهم وارجلهم، والايتام والنازحين المصابين بالصدمة والجائعين والمرضى.
مثل عشرات آلاف الاطفال كهؤلاء يوجد الآن على بعد مسافة ساعة من تل ابيب، وقلوبنا منغلقة تجاههم. المساعدات الانسانية يتم ارسالها الى الفلبين. وكلما بكت اسرائيل اكثر على المخطوفين والقتلى فانه تظهر اكثر الفجوة غير المفهومة بين الحداد الوطني واللامبالاة المطلقة بالضحايا الفلسطينيين.
من غير الصعب تخيل ما يشعر به سكان غزة ازاء العالم الذي اهتز بسبب المخطوفين الستة الاسرائيليين القتلى، في حين أنه يفقد الاهتمام بسرعة كبيرة بالـ 40 ألف فلسطيني قتيل. وعندما يتحدثون عن المخطوفين فانهم يتحدثون فقط عن الرهائن الاسرائيليين. وماذا بشأن مئات آلاف المخطوفين الفلسطينيين من القطاع ومن الضفة، والمعتقلين الاداريين، و”المقاتلين غير القانونيين” والعمال الابرياء الذين علقوا، الذين لا يتحدث أي أحد عنهم وحتى لا يذكر عددهم. بعضهم على الاقل يوجدون في ظروف جهنم. ايضا لهم توجد عائلات تخاف عليهم، وليس لديها أي فكرة عن مصيرهم منذ عشرة اشهر، ايضا هؤلاء الصليب الاحمر غير مسموح له بزيارتهم. في هذا الاسبوع اصابتنا شيرين فلاح صعب بالدهشة عندما تحدثت في “هآرتس” في 2/9 عن أحد الشهداء الفلسطينيين في غزة، محمد حليمي، “ميدو”، ناشط في تك تك ابن 19 سنة، الذي قتل عندما ذهب لشحن الهاتف المحمول. المقال كان بصيص ضوء في الظلام. قتيل فلسطيني في غزة له وجه واسم بفضل تك تك وشيرين فلاح صعب.
الحناجر تختنق من قصة ميدو ليس اقل من الفيلم الاخير عن عيدان يروشالمي. هل مسموح اصلا قول ذلك في اسرائيل 2024؟.