هآرتس: الطريق الى التسوية تمر عبر الدول العربية

هآرتس – زلمان شوفال – 3/9/2025 الطريق الى التسوية تمر عبر الدول العربية
بعد 7 اكتوبر الكثير من الاسرائيليين، حتى بعض الذين كانوا ينتمون لليمين، توصلوا الى استنتاج أنه لا يوجد للنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين أي حل ببساطة. اذا كان الحديث يدور عن سلام مثالي فانه يصعب الاتفاق مع هذا الاستنتاج. حتى في آخر الزمان الماعز الحكيمة ستطلب ضمانات قبل موافقتها على العيش مع الذئب. الاعداء لا ينشغلون بالواقع أو بمستقبل مناطق أ وب وج، بل ينشغلون بمحو واقع ومستقبل دولة اسرائيل. جملة “من البحر حتى النهر” التي اصبحت الشعار الرئيسي في النضال ضد اسرائيل، هي اكثر اهمية بكثير من شعار “دولتين لشعبين”.
عندما كتب موشيه ديان “الى الابد سنعيش على حد السيف”، هو لم يضع بعد هذه الجملة علامة تعجب، بل علامة استفهام. اسرائيل ايضا يجب عليها دائما ان تكون مستعدة للمحاربة من اجل وجودها. ديان لم يستبعد امكانية التوصل الى اتفاقات تجعل الحروب تسويات معقولة بالنسبة للطرفين. هكذا بالنسبة لاتفاق السلام مع مصر الذي اعتبر انه يقوم على مصالح وليس على صداقة.
من ناحية تاريخية فقد كانت غولدا مئير وغيرها على حق عندما رفضوا وجود الشعب الفلسطيني، لكن هذا الامر ليس ذي صلة الآن، حيث انه نتيجة للاتفاقات الامبريالية التي بلورتها بريطانيا وفرنسا كرد على الحركة الصهيونية، فان جزء من السكان العرب في ارض اسرائيل يعتبرون انفسهم مجموعة عرقية وقومية مستقلة.
لقد كان من الواضح لقيادة اليهود في ارض اسرائيل ان وجود اقلية عربية كبيرة سيكون مشكلة، لان هذا الامر سيعيق تجسيد التطلع الى اقامة الدولة اليهودية والديمقراطية. جابوتنسكي الليبرالي اعتقد أن عرب البلاد سيندمجون في الدولة الصهيونية، لكن لمزيد من الثقة وضع خطة “الحائط الحديدي”، التي تحول حكم اليهود الى حقيقة لا يمكن تقويضها بواسطة القوة العسكرية. المقاربة السياسية – الامنية لدافيد بن غوريون كانت مشابهة، لكن بدون وهم اندماج العرب في الدولة الصهيونية. بن غوريون عرف جيدا القوة التي تحدد العلاقات الدولية والعلاقة بين الاكثرية والاقلية، لا سيما في واقع غير ودي، على اقل تقدير.
مع ذلك، خلافا لاحد المفكرين الاوائل في حركة العمل، بيرل كتسنلسون، الذي قال: “الجار البعيد افضل من العدو القريب”، فانهم لن يخسروا عن طريق نقلهم الى “خارج حدود دولة اليهود”، ونحن بالتاكيد لن نخسر…”، أي ترانسفير. بن غوريون فضل الاستناد الى خطة التقسيم من اجل الدفع قدما باقامة الدولة.
القضية الفلسطينية هي في المقام الاول مشكلة اسرائيلية، سواء من ناحية السياسة الداخلية أو من ناحية تاثيرها على الطابع اليهودي والديمقراطي لاسرائيل. ولا يقل عن ذلك اهمية، تاثيرها على الامن الداخلي والخارجي. اضافة الى ذلك هي تؤثر بشكل كبير على مكانة اسرائيل الدولية، حيث يتم استغلال ذلك من قبل جهات في اليسار وفي اليمن من اجل نشر سم اللاسامية. من ناحية الطابع اليهودي والديمقراطي لاسرائيل فان قدرتها على الوجود كدولة يهودية ستتضرر اذا شملت كل مناطق يهودا والسامرة وغزة، التي سكانها العرب سيصبحون اكثرية خلال بضع سنوات؛ في حين ان قدرتها على الوجود كدولة ديمقراطية سيتم المس بها اذا تم الاحتفاظ بهؤلاء السكان، بدون حقوق مدنية كاملة. مع ذلك، الاعتبارات السائدة بالنسبة ليهودا والسامرة ليست فقط أمنية أو سياسية. الحديث يدور عن ارض الآباء، وسيكون علينا ايجاد صيغة لضمان حقوقنا في هذه المناطق.
في كانون الثاني 1995، “مجموعة عمل” تتكون من شخصيات رفيعة سابقة في الجيش الاسرائيلي وفي الساحة السياسية، اعضاء من الليكود وغيرهم، قدمت للجنة السياسية لليكود “خطة صهيونية للامن والسلام”، التي تعتبر السلام “عامل مهم في الطريق الى تجسيد الصهيونية وتحقيق الامكانية الكامنة لدولة اسرائيل”. الخطة نصت ايضا على ان “مقاربة الواقع السياسي تقتضي السعي الى اتفاق دائم يلبي الطلبات الامنية واهداف الصهيونية واهداف اسرائيل الاخرى”. الخطة تضمنت، ضمن امور اخرى، اقامة مناطق آمنة في يهودا والسامرة تحت السيادة الاسرائيلية الكاملة، مقابل تنازل اسرائيل عن السيادة الحصرية في مناطق اخرى. واقترحت ان موضوع المستوطنات اليهودية الموجودة خارج المناطق الآمنة سيحل على اساس تبادل الاراضي.
التطورات التي حدثت بعد ذلك تقتضي اجراء تغييرات بالطبع، لكن مبدأ الاتفاق الذي يقوم على مصالح مشتركة براغماتية بقي صحيحا حتى الآن. الخطة تم رفضها من قبل اللجنة السياسية. ضمن امور اخرى، اعرب عضو الكنيست بني بيغن عن الدافع الايديولوجي من وراء معارضته وقال ان “البراغماتية تشبه المضاربة في السوق”.
الاحتمالية التي تم طرحها هي اقامة حكم ذاتي لفترة مؤقتة. ولكن ليس بالصيغة النحيفة التي عرضت من قبل حكومة بيغن، بل كيان مع صلاحيات مدنية، وحتى خارجية واسعة، لا تتعارض مع المصالح الامنية، المباشرة وغير المباشرة، لاسرائيل. اسرائيل حسب هذا السيناريو ستواصل تحمل المسؤولية الحصرية عن الامن، بما في ذلك تواجد الجيش الاسرائيلي واجهزة الامن الاخرى في كل اراضي الحكم الذاتي. غور الاردن بالمعنى الواسع سيبقى تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة.
لا توجد أي دولة عربية تعتبر اقامة الدولة الفلسطينية مصلحة سياسية رئيسية بالنسبة لها. ولكن الدول العربية تهتم برأي “الشارع” في هذا الشان. ايضا من اجل الدفع قدما بحلم الاندماج الجغرافي فانه يجب على اسرائيل العمل بطريقة ذكية، وتؤكد على القاسم المشترك بينها وبين مواقف الدول العربية البراغماتية. “حل كل مشكلات الشرق الاوسط، بما في ذلك العلاقات مع امريكا، يمر عبر القدس”، قال في حينه زبيغنييف بيجنسكي، مستشار الامن القومي للرئيس جيمي كارتر. ولكن دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو قلبا هذه الصيغة رأسا على عقب، أي أن “السلام مع الدول العربية المعتدلة هو الذي سيمهد الطريق امام الاتفاق مع الفلسطينيين”.
“اتفاقات ابراهيم” كانت مرحلة اولية في هذه الاستراتيجية السياسية، ويجب العمل على تحقيقها. خيار الدولة الفلسطينية نزل عن جدول الاعمال في 7 اكتوبر، وهو لن يعود طالما أن هناك اغلبية فلسطينية كبيرة لا تسلم فعليا وفكريا بحق الشعب اليهودي بدولة في هذا الجزء من العالم – المبدأ الذي وضعه الرئيس جو بايدن كشرط مسبق – ولم يتم وضع حد للارهاب والتحريض الفلسطيني.
التمسك الحازم لجهات دولية بشعار الدولتين، ليس فقط هو امر غير معقول، بل هو يضر بالاحتمالات الاخرى ويعرض للخطر الاستقرار في المنطقة. العملية المقترحة هنا ترتكز الى مضامين اكثر من الارتكاز الى اطر، أي مصالح الطرفين وتحقيق اتفاقات براغماتية في عدة مواضيع مثل الاقتصاد، البيئة، المياه، المواصلات وما شابه. وكل مس بهذه الاتفاقات سيصطدم برد شديد من قبل اسرائيل.
السلام المثالي غير قائم في أي مكان في الشرق الاوسط، لكن يجب عدم استنتاج من ذلك بانه لا توجد فرصة للتوصل الى صيغة عملية للتعايش المشترك أو التعايش المتعدد الذي يقوم على المصالح المشتركة. هذا لن يكون سلام قائم على طموحات واحلام، وبالتاكيد ليس “السلام الان” الذي يرتكز الى الاوهام، بل سلام فعلي قائم على المنطق والفائدة المتبادلة. خلال السنين كان قادة في اسرائيل حاولوا الدفع قدما بخطوات عملية من اجل التوصل الى اتفاق. مقاربة موشيه ديان في مجال الحكم الذاتي لم يتم استنفادها بسبب موقف مناحيم بيغن؛ شمعون بيرس ادرك الربط بين القضية الفلسطينية والاتفاق الاقليمي، لكنه نظر للواقع عبر الجانب غير الصحيح في المنظار. وبنيامين نتنياهو الذي ادرك ان الطريق الى التسوية تمر عبر الدول العربية التي توجد لها مصلحة في مثل هذا الاتفاق. احتمالية ذلك في الواقع تضررت بشكل كبير في 7 اكتوبر، لكنها بقيت حية ومنطقية حتى بعده.