هآرتس: الضغط العسكري نجح لكن أساسا على مصر والولايات المتحدة
هآرتس 7/5/2024، تسفي برئيل: الضغط العسكري نجح لكن أساسا على مصر والولايات المتحدة
في اسرائيل لم يصادقوا حتى الآن رسميا على بيان اسماعيل هنية، الذي بحسبه حماس وافقت على اقتراح وقف اطلاق النار بعد أن تم التأكيد لها، حسب صيغة البيان، بأن وقف اطلاق النار المؤقت سيصبح دائما. مع ذلك، من شأنها أن تستأنف المفاوضات من اجل تطبيق صفقة المخطوفين، وربما ايضا اعطاء الولايات المتحدة أداة الضغط الضرورية لوقف المعركة في رفح. البيان تم نشره بعد اعلان حماس أمس بأنه على خلفية الاستعدادات العسكرية لدخول رفح بأنها ستقوم بتجميد المفاوضات وأن وفدها الذي كان يجب أن يصل الى القاهرة اليوم لن يأتي.
في الوقت بين البيانين تم استخدام ضغط كبير من قبل رئيس الـ سي.آي.ايه، وليام بيرنز، ورئيس حكومة قطر محمد آل ثاني ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي، الذي هدف الى ثني اسرائيل عن القيام بالعملية في رفح. يبدو أن صيغة “الضغط العسكري” التي تبنتها اسرائيل كوسيلة لفرض على حماس الموافقة على الصفقة قد نجحت في الواقع، لكن ليس في المسار الذي كانت تقصده. التهديد باقتحام رفح ربما اقلق حماس، لكنه يهدد اكثر مصر ودول المنطقة، وليس اقل من ذلك يهدد الولايات المتحدة، التي لا نعرف حتى الآن أي تعهد منحته لحماس مقابل موافقتها على تطبيق صفقة المخطوفين. واذا كان هناك أي تعهد بوقف دائم لاطلاق النار فمن غير الواضح كيف ستجبر اسرائيل على الموافقة عليه.
مصر رفعت أمس مستوى استعداد القوات المصرية في سيناء قبيل دخول الجيش الاسرائيلي الى رفح. في نفس الوقت حذرت وزارة الخارجية المصرية اسرائيل، وطلبت منها “اظهار ضبط النفس وعدم التصعيد في هذا الوقت الحساس في ظل المحادثات لوقف اطلاق النار”. وحسب البيان فان “مصر تواصل اجراء المحادثات مع الاطراف من اجل منع تدهور الوضع الى مستوى فقدان السيطرة”. خوف مصر لا يعتبر جديد، والخشية من اختراق الحدود ودخول مئات آلاف الغزيين الى اراضي مصر يرافقها منذ بداية الحرب.
حتى الآن هذا السيناريو لم يتحقق لأن معظم حركة النازحين من شمال القطاع وجدت لها مخرج في الجنوب، بالاساس في مدينة رفح. ولكن الآن قدرة مليون ونصف من النازحين على الهرب من رفح نحو الشمال محدودة، سواء بسبب القيود على الحركة التي يفرضها الجيش الاسرائيلي أو بسبب النقص في مناطق الاستيعاب في خانيونس وفي مناطق اخرى. هكذا فانه اذا كانت مصر قبل ثلاثة ايام تقريبا نشرت أجواء متفائلة وتحدثت عن تقدم حقيقي في المفاوضات حول اطلاق سراح المخطوفين، فان الاجواء تغيرت أمس. حماس، مصر والولايات المتحدة، تجد صعوبة في فهم طبيعة عملية اسرائيل واتخاذ قرار اذا كان الحديث يدور عن “اداة ضغط” تهدف الى الدفع قدما بالمفاوضات، أو بداية للسيطرة الكاملة على رفح. يبدو أن واشنطن، مصر، قطر وحماس، قد قررت التحرر من عدم اليقين هذا وأن تشق بصورة مستقلة مسار المفاوضات، حتى لو كان يناقض موقف اسرائيل، الذي ساهم في هذا القرار عندما بدأت بالاستعداد العملياتي لدخول رفح.
اسرائيل قامت أمس بتوزيع منشورات وارسال رسائل قصيرة للسكان وطلبت منهم اخلاء بعض المناطق في رفح. وقد تحدثت في الواقع عن “اخلاء محدود” من المنطقة التي يوجد فيها حوالي 100 ألف مواطن. ولكن في مصر وفي غزة يخشون من أنه حتى عملية محدودة يمكن أن تتسبب بالذعر وتجعل السكان في مناطق اخرى في المدينة يحاولون الهرب منها. اضافة الى الازمة الانسانية فان الخوف من حجم الاضرار بالسكان المدنيين وجهود صد امكانية الغزو المدني للاراضي المصرية، فان مصر ما زالت حتى الآن لم تبلور موقفها فيما يتعلق بالسيناريو الذي يظهر الآن كواقعي والذي بحسبه اسرائيل ستسيطر على محور فيلادلفيا ومعبر رفح.
هذا الموضوع تمت مناقشته مرات كثيرة بين اسرائيل ومصر. وحسب مصادر في اسرائيل فان مصر تعارض ذلك بشكل حازم. وقد أوضحت لاسرائيل بأن دخول قوات عسكرية بشكل كبير الى محور فيلادلفيا يناقض اتفاق المعابر من العام 2005، وأن حكومة مصر يتوقع أن تقف عندها أمام ضغط كبير من قبل الجمهور، الذي سيطلب من النظام اعادة النظر في اتفاق كامب ديفيد وعلاقاته مع اسرائيل. حسب احد المصادر هذه الاقوال لم يتم قولها بنغمة مهددة، بل “بجهد للاقناع بالضائقة التي ربما تجد مصر نفسها فيها”.
مصر اوضحت لاسرائيل بأن الطريقة الناجعة لادارة معبر رفح هي بواسطة ممثلي السلطة الفلسطينية الذين سيتواجدون في الطرف الغزي لرفح. ولكن حول ذلك هي حصلت على رد قاطع بحسبه السلطة الفلسطينية “ليست الجهة التي يمكنها لعب أي دور في القطاع”، حسب مصدر اسرائيلي.
ردا على الاستعداد لدخول رفح حذرت حماس من أن “احتلال رفح لن يكون نزهة للجيش الاسرائيلي”. ومشكوك فيه اذا كان أي أحد في الطرف الاسرائيلي يعتقد أن الامر سيكون مختلفا. ولكن هذه العملية يمكن أن تكون لها تأثيرات قاسية ايضا على الساحة الشمالية وعلى نشاطات وكلاء ايران في المنطقة، التأثيرات التي حذرت الولايات المتحدة اسرائيل منها. يبدو أن هذا السيناريو ايضا ساهم بشكل كبير في الانعطافة في موقف الامريكيين. محللون لبنانيون يعتمدون على جهات سياسية في لبنان يعتقدون أنه من غير المتوقع أن يكون هناك أي تغيير في استراتيجية ايران، التي لا تسعى الى فتح حرب شاملة بين اسرائيل وحزب الله، وأن معادلة الردع والرد المتبادل ستستمر في املاء حجم عمليات حزب الله. ولكن الديناميكية على الارض يمكن أن تجر الطرفين الى التطرف الذي سيؤدي الى التدهور.
على سبيل المثال، وسائل الاعلام في لبنان اشارت الى “هدوء واضح وتقليص حجم النشاطات العسكرية”، التي ميزت نهاية الاسبوع. ولكن في يوم الاحد تغيرت صورة الوضع كليا. فحسب التقارير الواردة من لبنان فانه في هجوم الجيش الاسرائيلي على قرية ميس الجبل الشيعية قرب المطلة قتل اربعة اشخاص من عائلة واحدة، والرد لم يتأخر في المجيء. حسب حزب الله تم اطلاق حوالي 100 صاروخ نحو اسرائيل، وأمس استمرت المناوشات لساعات. للوهلة الاولى، هذه النشاطات ما زال يمكن اعتبارها جزء من نفس معادلة الردع والرد، التي حزب الله يبررها بأنها دفاع عن سكان لبنان وأنها غير متعلقة بالتطورات في غزة. ولكن لا يوجد أي يقين بأن “تأثير رفح” لن يحطم هذه المعادلة. المشكوك فيه هو أن العملية في رفح، التي ستؤخر أو ستفشل استئناف المفاوضات على وقف اطلاق النار في غزة، ستبعد امكانية وقف اطلاق النار على الحدود الشمالية التي هي مرهونة بذلك، وقدرة عشرات آلاف سكان الشمال على العودة الى بيوتهم، حيث افتتاح السنة الدراسية يقترب.
السؤال الآن هو هل اسرائيل ستوافق على موافقة حماس على وقف اطلاق النار وستعمل حسب مسار العرض المصري، وبذلك تمكن ايضا من تطبيق وقف اطلاق النار على الحدود الشمالية، أو ستواصل خطتها لاحتلال رفح وبذلك تفشل احتمالية الهدوء على الجبهتين. على الطاولة توجد منذ اسابيع عدة خطط سياسية، فرنسية، امريكية وبريطانية، تنتظر وقف اطلاق النار للبدء في تنفيذها. القاسم المشترك بينها هو وقف اطلاق نار فوري بين اسرائيل وحزب الله، وانسحاب قوات حزب الله لمسافة 8 – 10 كم عن الحدود وانتشار الجيش اللبناني على طول الحدود مع قوة “اليونفيل” وعودة المهجرين الاسرائيليين واللبنانيين الى بيوتهم والبدء في المفاوضات حول الترسيم النهائي للحدود البرية بين الدولتين.
حسب بعض الاقتراحات فان لجنة عسكرية يمكن أن يتم تشكيلها، وسيشارك فيها ممثلون عن الجيش الامريكي والجيش الفرنسي والجيش الاسرائيلي والجيش اللبناني وقوة اليونفيل لمناقشة التعديلات على الحدود التي يطلبها لبنان. في يوم الجمعة قدمت فرنسا للبنان مشروع خطة معدلة بعد أن رفض حزب الله اقتراحها السابق الذي قدمته في شهر آذار الماضي. ولكن حزب الله اعلن بأنه تسلم الاقتراح ولكنه لا ينوي النظر اليه قبل التوصل الى وقف لاطلاق النار في غزة. في نفس الوقت اقترحت بريطانيا اقامة منظومة من ابراج المراقبة على طول الحدود في الجانب اللبناني، في المنطقة التي سيتم نشر الجيش اللبناني فيها. وعلى الاجندة تقف ايضا قضية تمديد الانتداب لقوة اليونفيل، التي يمكن أن تطرح للنقاش في نهاية شهر آب القادم. الهدف هو التوصل حتى ذلك الحين الى اتفاق حول طبيعة نشاطات هذه القوة وحول ميزانيتها، التي تبلغ نصف مليار دولار تقريبا، معظمها بتمويل امريكي. التقدير “المتفائل” لجهات فرنسية، امريكية ولبنانية، هو أنه سيكون بالامكان تنفيذ المرحلة الاولى للخطة خلال اسبوعين منذ اليوم الذي سيدخل فيه وقف اطلاق النار الى حيز التنفيذ. السؤال الذي سيطرح في حينه هو حول العلاقة والارتباط بين تطبيق الجوانب العسكرية في كل خطة ستتم الموافقة عليها وبين الجزء السياسي الذي يهدف الى الاتفاق على ترسيم نهائي للحدود.
في اسرائيل تسمع الآن اصوات مرتفعة تطالب باجراء استفتاء شعبي حول قضية ترسيم الحدود، طبقا لقانون الاساس الذي تم سنه في العام 2014، والذي بحسبه أي تنازل عن الاراضي يحتاج الى تأييد 80 عضو كنيست أو اجراء استفتاء شعبي. هذا في الحقيقة هو بيضة لم تفقس بعد، والمسافة حتى البدء في المفاوضات حول الحدود طويلة، ناهيك عن التوصل الى تفاهمات نهائية حول مسار الحدود. ولكن عندما يهدد اللغم السياسي مجرد الفائدة من المفاوضات فنحن نوصي المخلين الاسرائيليين بالاستعداد للمكوث لفترة طويلة في اماكن استضافتهم.