هآرتس: الصفقة أم رفح؟ حسابات نتنياهو والسنوار
هآرتس 3-5-2024، بقلم عاموس هرئيل: الصفقة أم رفح؟ حسابات نتنياهو والسنوار
في الانتظار الطويل لرد الشخص الذي يقرر وبحق، رئيس حماس في القطاع يحيى السنوار، من الأفضل أيضا في هذه المرة أن لا نبني توقعات مبالغاً فيها. صحيح أنه حتى أمس السنوار، الموجود في مكان ما في غزة السفلى، ما زال صامتاً. ولكن قادة حماس الخارج، الذين من غير الواضح الى أي درجة يتحدثون باسم الرئيس المختفي، يبثون رسائل متناقضة رداً على اقتراح الوساطة المصري الأخير ويرمزون الى أنه خلف هذا الاقتراح تقف مؤامرة إسرائيلية. فقط خطوة مفاجئة للسنوار، استجابة كاملة للاقتراح وليس الرفض الكامل أو الجزئي (على طريقة “نعم، ولكن”)، يمكن أن تؤدي الى اختراقة. بدونها فان الحرب ستستمر والولايات المتحدة لن تنجح في فرض صفقة عليه وعلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي كما يبدو هو غير معني بها حقاً بالشروط المطروحة.
تفاصيل العرض المصري نُشرت أول من أمس في وسائل الاعلام العربية. توجد فيها صيغ وصيغ ثانوية معقدة، تهدف الى اعادة بالتدريج للـ 133 مخطوفاً تحتجزهم حماس، الأحياء والاموات، مقابل وقف بالتدريج لاطلاق النار الذي في نهايته يكون انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من القطاع. ولكن الانتقال بين النبضة الاولى الانسانية، التي سيطلق فيها سراح عدد من المخطوفين (كبار السن والنساء والمرضى والجرحى) وبين النبضة الثانية، التي سيطلق فيها سراح المتبقين، يبدو أنها غير سهلة ومضمونة بما فيه الكفاية حسب رأي السنوار. وكما نشر هنا فان هذا هو الخيار الأول بالنسبة لحماس، تقريباً منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر. المنظمة تريد وقفاً شاملاً لإطلاق النار يضمن بقاء حكمها في القطاع. هذا الأمر نتنياهو يجد صعوبة في تقديمه، على الأقل الآن، لأنه بذلك وكأنه يتنازل عن أهداف الحرب المعلنة ويعرض نفسه لخطر سياسي كبير من قبل اليمين.
من أجل فهم ما يحدث في المفاوضات يجب العودة الى ما حدث في نهاية تشرين الثاني الماضي، في صفقة المخطوفين الأولى التي شملت أيضاً وقفاً لإطلاق النار مدته أسبوع. أيضا في حينه حماس سعت الى إنهاء الحرب. السنوار اعتقد بالخطأ بعد اعادة النساء والاطفال من مجموعة المحررين الاولى أنه سيكون بالامكان كسب الوقت عن طريق التنقيط اليومي أو الاسبوعي لمحررين آخرين من خلال المفاوضات الحازمة التي في نهايتها ستنتهي ايضا الحرب. حتى ذلك الوقت كان يعتقد كما يبدو بأن نتنياهو سيكون موجوداً عميقا في حالة اضطراب وأنه لن يستطيع العودة الى القتال. عملياً، العكس هو ما حدث. فمنذ اللحظة التي أوقفت فيها حماس تلبية شروط الصفقة وعرضت بدلاً من ذلك إعادة عدد أقل من المخطوفين وجثامين، قامت إسرائيل بتحطيم الأدوات. وقف إطلاق النار انهار والجيش الإسرائيلي دخل الى خان يونس. ورداً على ذلك جمدت حماس المفاوضات حول الصفقة.
هذا حدث في كانون الثاني عندما كان من الواضح للسنوار أن إسرائيل لا تنجح في تحقيق هدفها في خان يونس: تصفيته وتصفية قادة “حماس” الكبار (من المجموعة الرائدة قُتل فقط مروان عيسى في هجوم على مخيم النصيرات للاجئين) وإطلاق سراح المخطوفين بالقوة. وزير الدفاع يوآف غالنت تفاخر بأن السنوار يسمع جرافات الجيش الإسرائيلي فوق رأسه وهدد بأنه في القريب سيواجه البنادق الإسرائيلية، ولكن عملياً رئيس حماس نجح في التملص. ايضا عندما تم استئناف المفاوضات تم تبديد وقت طويل عليها. إسرائيل قامت بتأخير ارسال ردها على مقترحات الوسطاء، وفي نفس الوقت وضعت حماس الصعوبات من جانبها. فقط في منتصف شهر نيسان ردت إسرائيل بالايجاب على الاقتراح الجديد الذي شمل تنازلات كبيرة من جانبها، وفي الواقع لم تترك في يدها اوراقا كثيرة للمرحلة الاخيرة في الصفقة. ولكن كما قلنا، في هذه الاثناء لم يكن هذا كافياً لأن السنوار بقي متشككاً وتمسك باهدافه الاصلية.
ليس بسبب أن نتنياهو لا يريد الصفقة، بل هو يريدها بشروطه. ومثل النكتة القديمة – رئيس الحكومة يبحث عن قرض بدون فوائد وبدون دفعات وبدون تسديد الأموال. ولكن في هذه الأثناء لا توجد صفقة كهذه في متناول اليد. وحماس، للأسف الشديد، لا تؤمن بمبدأ حسن النية حسب قانون التعاقد. هذه مجموعة قتلة لديها خطة عمل مرتبة، التي ضائقة شعبها، وبالأحرى المخطوفون الإسرائيليون، لا تهمها أبداً. السنوار حصل على إنجازات كبيرة، احتلال بلدات النقب الغربي ليوم تقريباً وتغيير جدول الأعمال الإقليمي من خلال إعادة القضية الفلسطينية على رأس القائمة (في غضون ذلك هو يتفاخر بإنجاز آخر وهو الفوضى التي لا تصدق في الجامعات الأميركية). في الوقت نفسه، كما كان واضحاً من اليوم الأول، فقد انزل كارثة فظيعة على رأس سكان القطاع.
الآن السنوار يبحث عن حل يمكنه من تكرار لعبة خدعة الكرسي مع ذراعين، التي لعبها في 2020. ففي حينه، بعد انتهاء عملية حارس الأسوار التقط صورة على كرسي مع ذراعين في مكتبه الذي تم تفجيره من اجل الاظهار بأن هجمات إسرائيل لم تكسره ولم تعرض حكمه للخطر. ايضا في هذه المرة هو يريد القول للجماهير العربية: أنا الوحيد الذي وقف امام إسرائيل وجعلها تركع على ركبتيها. ما لم تفعله سبعة جيوش عربية في 1948 وجيشان في 1973، فعلته حماس برئاسته. المخطوفون الإسرائيليون بالنسبة له هم الأداة الاكثر نجاعة من اجل تحقيق الهدف. لذلك، لا يتوقع أي بادرات حسن نية سخية في المستقبل دون الحصول على ثمن مناسب حسب رأيه.
اشارة واضحة
وزير الخارجية الأميركي، انتوني بلينكن، وصف في هذا الأسبوع اقتراح مصر بأنه اقتراح سخي جداً بالنسبة لحماس، وحاول نقل الكرة الى ملعب السنوار. في هذه الأثناء لا توجد أي دلائل على أن رئيس حماس اقتنع. فهو أيضاً يقدر كما يبدو، استناداً الى أقوال بلينكن، بأن الولايات المتحدة ستضع العقبات أمام عملية إسرائيلية واسعة في رفح. لذلك، يبدو أنه لا يسارع في الذهاب الى أي مكان.
ايضا في الجناح اليميني المتطرف في حكومة نتنياهو يدركون الواقع الحالي ولذلك فانهم يضغطون على نتنياهو كي يأمر الجيش الإسرائيلي باحتلال رفح الآن. صفقة المخطوفين بنبضتين ستضع المفاوضات على المسار وستصعب على إسرائيل الانحراف مرة أخرى نحو اليمين والذهاب بكل القوة الى رفح. وصبر الرئيس الأميركي ليس كما كان في شهر كانون الأول.
في هذه الأثناء تم تطوير مكانة رفح الى نوع ستلينغراد فلسطينية. أساس الصعوبة لا يكمن في قوة حماس هناك. فقد بقيت فيها اربع كتائب ولكنها ليست من كتائب حماس القوية، والكثير من المخربين الذين هربوا من شمال القطاع. المشكلة الأساسية تتعلق بمليون مواطن فلسطيني الذين ما زالوا يتجمعون فيها (حوالي 150 ألف شخص منهم انتقلوا مؤخرا الى شمال القطاع، الى خان يونس المدمرة، عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من المدينة). هذا الأمر هو الذي يقلق الأميركيين الذين يريدون ضمان إخلاء منظم للمدنيين. يبدو أن نتنياهو يلتزم بالدخول الى رفح بسبب وعده العلني وبسبب الضغط الذي يستخدمه عليه الوزير إيتمار بن غفير والوزير بتسلئيل سموتريتش.
الجيش الإسرائيلي قادر على احتلال رفح. لكن السؤال هو ما الذي سيحققه من ذلك. غالنت ورئيس الأركان هرتسي هليفي قالا لنتنياهو بأن اقتحام رفح سيضر بالكتائب والبنى التحتية لحماس، لكنه لن يؤدي الى النصر الحاسم على حماس، خلافا لوعده للجمهور. حماس سترمم في هذه الأثناء قدراتها العسكرية والسلطوية في مناطق اخرى في القطاع. وبعد بضعة اشهر، بعد احتلال رفح، سنعود الى نقطة البداية: حماس مضروبة ولكنها نشطة، بدون بديل سلطوي آخر في القطاع (لأن نتنياهو يرفض بشدة مناقشة ذلك مع الأميركيين ومع المجتمع الدولي. لذلك فان الجيش يقترح محاولة عقد الصفقة وبعد ذلك الاستعداد لاحتمالية احتلال رفح).
في ظل غياب الصفقة وازاء معارضة أميركا، ربما أن العملية في رفح ستكون مقلصة اكثر مما يتم الاعتقاد. الجيش الإسرائيلي يمكنه دفع جزء من السكان نحو الخارج، والتمسك بمداخل المدينة وقصفها من الخارج، بدون الاقتحام المباشر واحتلالها بشكل كامل. حتى أن هذه العملية لن تكون عملية نظيفة أو بدون خسائر. فاضافة الى الكثير من القتلى الفلسطينيين، هي أيضا ستجبي حياة الجنود. وقد اصبح من الواضح أن توسيع العملية العسكرية سيعرض للخطر حياة المخطوفين، الذين بعضهم يحتجزون في رفح. في كل الهجمات السابقة للجيش الإسرائيلي قتل بعض المخطوفين الذين بعضهم قتلوا على يد آسريهم وبعضهم قتلوا اثناء الهجمات الإسرائيلية.
تواصل الادارة الأميركية الدفع قدما بالصفقة السعودية الكبيرة وتبقي الباب مفتوحا امام إسرائيل مع احتمالية أن تشمل ايضا وقف الحرب. ولكن جهات أميركية رفيعة اصبحت الآن تنثر اشارات بأنه يحتمل ايضا عقد صفقة محدودة اكثر، في اطارها سيتم الاتفاق على الموافقة على جزء أو جميع طلبات السعودية من الولايات المتحدة (حلف دفاع، سلاح متقدم، مشروع نووي مدني)، دون أن يقترن بذلك على الفور تطبيع كامل بين الرياض والقدس. هذا على خلفية الجمود الذي يلوح في الأفق حاليا في المفاوضات حول المخطوفين وازاء رفض نتنياهو لكل بادرة حسن نية بخصوص استئناف العملية السياسية مع السلطة الفلسطينية.
الإشارة لإسرائيل واضحة: إذا لم تركبوا في هذا القطار فهو سيسافر بدونكم. ولكن كالعادة للإدارة الأميركية التفكير الإيجابي يقفز في الطريق عن عقبات محتملة. التطبيع هو وبحق محفز لإسرائيل، لكن من المهم ذكر أنه عندما سئل كبار قادة حماس عن أسباب تنفيذ المذبحة في 7 اكتوبر، ذكروا الرغبة في التشويش على الاتفاق بين إسرائيل والسعودية، الذي وقف في حينه على الأجندة. بكلمات أخرى، لا يوجد لحماس أي مصلحة في أن تكون جزءاً صغيراً في صفقة كبيرة، التي ستساعد بشكل غير مباشر على توطيد الحلف المناهض لإيران في المنطقة.