هآرتس: الصبر في العالم نفد، وعندها جاء قتل عمال الإغاثة
هآرتس 3/4/2024، بقلم: عاموس هرئيل: الصبر في العالم نفد، وعندها جاء قتل عمال الإغاثة
بعد حوالي نصف سنة على اندلاع الحرب مع حماس تقف اسرائيل أمام امكانية حدوث عاصفة خطيرة على جبهتين. في قطاع غزة، هجوم جوي قتل فيه الجيش الاسرائيلي بالخطأ سبعة من عاملي الاغاثة في جمعية اجنبية سيزيد الضغط الدولي حول الازمة الانسانية. في لبنان وفي سوريا اسرائيل تأمل بأن زيادة الضربات ضد حزب الله وايران بالتحديد ستردعهما عن دخول حرب شاملة. في الجبهتين يصعب تشخيص سياسة واضحة واهداف واضحة قابلة للتحقق.
كل ذلك يرافقه تدهور شديد في العلاقات مع الولايات المتحدة والتشكك المتزايد في الداخل في اعتبارات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. مؤخرا تسري شائعات بخصوص وضع نتنياهو الصحي على خلفية علاج استثنائي اجتازه وظهور علني غريب قليلا. ولكن سياسته مقلقة اكثر: من الصعب فهم ما الذي يريد نتنياهو تحقيقه. حتى اتباعه الهستيريين بدأوا يتشككون في اعماقهم بأن النصر المطلق هو فقط شعار سيبقى منقوش على القبعات، وأن توجه رئيس الحكومة بالتحديد هو نحو حرب أبدية، بحيث تؤجل الانتقاد الذاتي الوطني بخصوص المسؤولين عن الفشل الذريع في 7 اكتوبر، وربما تؤخر الاجراءات في محاكمته الجنائية.
لقد مرت اقل من 24 ساعة والعنوان السابق الصاخب، اغتيال الجنرال الايراني حسن مهداوي في دمشق والذي نسب لاسرائيل، أخلى المكان لدراما جديدة، قتل عاملي الاغاثة في غزة. اكثر من 30 ألف غزي، معظمهم من المدنيين، قتلوا حسب التقديرات في الحرب في القطاع. ولكن المس بالاجانب، اعضاء منظمة الاغاثة “المطبخ المركزي العالمي”، الذين وزعوا الوجبات في الحرب حتى للمحتاجين في اسرائيل، هو الذي سيثير الآن عاصفة شديدة. هذا الحادث يضاف الى موت اكثر من 100 غزي في شمال القطاع في حادثة كانت حول قافلة مساعدات وصلت في 29 شباط، وايضا عدة احداث مشابهة اخرى تتعلق بادخال المساعدات. يصعب جسر الفجوة بين المهنية الاستخبارية، كما تم التعبير عنها في الهجوم الدقيق في دمشق، وبين الضربة الخاطئة لسيارات الاغاثة في غزة (لا نريد التحدث عن اخفاقات الاستخبارات عشية هجوم حماس).
النتيجة المستخلصة من الاحداث الاخيرة اصبحت واضحة: الصبر ينفد، حتى لدى اصدقاءنا في الغرب، تجاه استمرار الهجمات العسكرية الاسرائيلية، والمطالبة بزيادة المساعدات الانسانية، أيضا ازاء التقارير المتزايدة عن مجاعة أو خطر مجاعة في ارجاء القطاع. اذا أملت اسرائيل بأن سيطرتها على ادخال المساعدات الانسانية يمكن استخدامها كأداة ضغط لاطلاق سراح المخطوفين المحتجزين لدى حماس، فان هذه الورقة تم أخذها أخيرا من يدها.
في اسرائيل يقلقون من امكانية أن الحادثة ستزيد الضغط الدولي لتطبيق وقف لاطلاق النار في القطاع بدون اتفاق مرضي في موضوع المخطوفين، وبدون تفكيك سلطة حماس بالكامل في القطاع. مصادر أمنية اعترفت أن الحادثة لم تكن في فراغ. فالجيش الاسرائيلي ضرب في الاشهر الاخيرة مرات كثيرة مدنيين لا علاقة لهم، وفي بعض الحالات ايضا ضرب قوافل مساعدات وعاملين فلسطينيين تابعين لمنظمات دولية وطواقم اعلام محلية. هذه الاخطاء حدثت ايضا نتيجة سياسة توسع اوامر فتح النار، حيث اولويتها الاولى هي تقليص تعريض الجنود للمخاطرة الى الحد الادنى. نقطة ضعف محتملة اخرى تتعلق بالتحديد بتقصير اجراءات المصادقة (“اغلاق الدائرة”) بين القوات على الارض، القيادات التي خلفها ومن يشغلون المسيرات في سلاح الجو. في الجيش الاسرائيلي تفاخروا بتقليص الفترة الزمنية للمصادقة وعدد مستويات المصادقة المطلوبة بصورة حسنت وتيرة تقديم المساعدات للقوات العاملة. ولكن نتيجة جانبية محتملة هي أن رقابة أقل لاعتبارات القادة التي يحتمل أن تؤدي الى ازدياد الاخطاء.
لكن الفرق بين نظرة اسرائيل والمجتمع الدولي لاستمرار القتال في القطاع برز ايضا في قضية العملية في مستشفى الشفاء في غزة. في يوم الاثنين خرجت قوات الجيش الاسرائيلي من المكان بعد انتهاء نشاطات استمرت لاسبوعين، قتل فيها نحو 200 فلسطيني (حسب الجيش، جميعهم تقريبا من المخربين)، وتم اعتقال 500 عضو من حماس والجهاد الاسلامي. الجيش الاسرائيلي يتحدث عن نجاح كبير: القدرة العملياتية للتنظيمات الارهابية تضررت كثيرا، وتم استخراج معلومات استخبارية، وكان هناك حرص بعدم المس بالمرضى واعضاء الطاقم الطبي. مستشفى الشفاء لا يوصف كمستشفى، بل كمركز ارهاب فيه اختبأ المخربون خلف المدنيين واستخدموهم كدروع بشرية.
الصورة التي رسمت في وسائل الاعلام العالمية مختلفة كليا. الصورة الاسرائيلية وكأن جميع القتلى والمعتقلين هم مخربون، استقبلت بتشكك. اضافة الى ذلك فان ما تم التأكيد عليه هو التدمير الشديد للمنشأة الاكبر في المستشفى، التي تم تدميرها تقريبا بشكل كامل. تفسير المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي بأن المسلحين صمموا على مواصلة القتال من داخل المنشآت الطبية يقنع بالاساس الساحة الداخلية. مستهلكو الاعلام في الغرب، اذا كانوا ما زالوا يهتمون بالحرب، سيشاهدون الدمار وآثار الحرائق في مستشفى الشفاء، الذي ستكون تكلفة اعادة ترميمه باهظة جدا.
بالنسبة لهم وبالنسبة لمعظم الحكومات، فان مذبحة 7 اكتوبر اصبحت حقيقة منسية. الى جانب ذلك فان تجنب نتنياهو لاظهار أي مرونة في مسألة دمج السلطة الفلسطينية في ترتيبات اليوم التالي في القطاع يحبس اسرائيل في موقف الرافض الحازم الذي يفشل أي ترتيب بديل.
في هذه الاثناء قالت مصادر سياسية اسرائيلية في هذا الاسبوع، التي يبدو أنها قدمت احاطات لجميع المراسلين السياسيين في اسرائيل بأنه في المحادثات حول صفقة المخطوفين في القاهرة تم تحقيق “امكانية كامنة للتقدم”. وحسب قول هذه المصادر فان نتنياهو وسع قليلا التفويض للمفاوضين الاسرائيليين، وتجري اتصالات في محاولة لحل احد قضايا الخلاف الاساسية التي تتعلق بالسماح بعودة المدنيين الفلسطينيين الى شمال القطاع. حتى الآن من المفضل أخذ هذه الاقوال بحذر زائد. التسريب يبدو كمحاولة لنقل الكرة الى ملعب حماس، وطالما أن رؤساء اجهزة الاستخبارات لا يشاركون بأنفسهم في المحادثات في مصر أو قطر فان احتمالية حدوث تقدم حقيقي ليست كبيرة.
عن مواقف نتنياهو كان يمكن المعرفة اكثر من الاقوال التي قالها المتحدث بلسانه لوسائل الاعلام الاجنبية، مارك ريغف، التي تم اقتباسها أمس في موقع “واي نت”. حسب ريغف الذي تحدث مع منظمة اصدقاء الليكود في الولايات المتحدة، فان معظم الجمهور الاسرائيلي لا يوافق على طلب معظم عائلات المخطوفين، “عقد صفقة بأي ثمن”. وحسب قوله فان “هذه العائلات يمكنها قول ما تريده. نحن نتفهم ألمها، لكن عندما يسأل الاسرائيليون في الاستطلاعات حول “صفقة بأي ثمن” فانهم لا يوافقون على ذلك… وفكرة هل من اجل الاسرى يجب أن نسمح لحماس بالفوز في الحرب؟ لا. الجمهور لا يوافق على ذلك”.
ملزمة بالرد
الولايات المتحدة، كتب الصحفي براك ربيد، سارعت الى التنصل من الهجوم في دمشق في يوم الاثنين، وابلاغ ايران بأن هذه كانت عملية اسرائيلية تمت بدون التنسيق المسبق مع واشنطن. حسب الامريكيين فان ضباط في الجيش الاسرائيلي اتصلوا معهم فقط عندما كانت الطائرات في الجو، ايضا في حينه لم يشركوهم بأن هدف الهجوم كبير بهذا الحجم. الاستنتاج من هذه الاقوال هو أن الادارة الامريكية تخاف جدا من اندلاع حرب اقليمية بين اسرائيل وايران، وهي تريد أن تنأى بنفسها عن سياسة اسرائيل.
طهران هددت علنا بأنها سترد بسرعة وبشكل حاد على اغتيال الجنرال مهداوي، الذي اتهمت به اسرائيل. الآن هي تقريبا اصبحت ملزمة بالرد. من المرجح أن الايرانيين ومن يرعونهم في حزب الله سيحتاروا بخصوص قوة الرد، والساحة التي سينفذ فيها والفترة الزمنية التي سيستغرقها. اسرائيل رفعت درجة الحماية والاستعداد في ممثلياتها في ارجاء العالم خوفا من عمليات انتقامية. ولكن في نفس الوقت ربما ايضا أن يأتي الرد على طول الحدود مع لبنان وسوريا، وربما أكثر من ذلك، في عمق اراضي اسرائيل.
اسرائيل ارادت حتى الآن التركيز على محاربة حماس في قطاع غزة والامتناع عن الانزلاق الى حرب شاملة في الشمال. العملية الاخيرة تعكس التصعيد الواضح، كما يبدو في محاولة لضعضعة الايرانيين وجعلهم يدركون أن استمرار اطلاق النار على مستوطنات الشمال هو أمر غير محتملة بالنسبة لاسرائيل. ولكن في لعبة التلميح والتهديدات الشرق اوسطية العملية يمكن أن تحقق ايضا نتيجة معاكسة وتجر ايران الى تصعيد سيقرب الطرفين اكثر من حافة الحرب. هذا بالتأكيد يمكن أن يحدث حتى لو كما يقول الشعار القديم “هم غير معنيين بذلك حقا”.