هآرتس: الشر انفتح من الجنوب والخطر يشتد من الشمال

هآرتس 10-10-2023، بقلم عاموس هرئيل: الشر انفتح من الجنوب والخطر يشتد من الشمال
في ظل الحرب التي جُرت إليها إسرائيل بمفاجأة كاملة في قطاع غزة، في أعقاب هجوم حماس، بدأ يتفاقم خطر آخر من الشمال. أول أمس، أطلقت قذائف هاون على مزارع شبعا للمرة الأولى. أمس، أطلقت عدة قذائف مدفعية على الجليل الأعلى. في الظهيرة اقتحمت خلية مسلحة واخترقت الحدود قرب عرب العرامشة في الجليل الغربي. وقتلت الجيش الإسرائيلي ثلاثة من رجالها، بعد معركة قاسية. وهرب الرابع كما يبدو إلى لبنان. سلاح الجو قصف مواقع “حزب الله” على طول الحدود، وقتل خمسة من أعضاء المنظمة. في المساء، نشر عن إطلاق قذائف مدفعية أخرى نحو الجليل.
أرسل الجيش الإسرائيلي إلى الشمال قوات كبيرة، بموازاة الفرق التي تم تجميعها على حدود القطاع، لكن إلى جانب الخطوات في غزة، فإن هناك عصبية متزايدة على الحدود مع لبنان. الساحة الثانية التي قد تتحول إلى ساحة أساسية آخذة في التفاقم. يبدو أن “حزب الله” يفحص إمكانية الانضمام إلى المواجهة العسكرية، وهو في هذه الأثناء يقوم بتسخين هذا القطاع. تأمل إسرائيل ألا تتفاجأ مرة أخرى، وهي في حالة استعداد عالية على طول الحدود. تحاول إسرائيل أن تردع بالتهديدات وبخطوات محدودة في هذه الأثناء وبتنسيق سياسي وأمني مع الولايات المتحدة. وإن بيان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن إرسال حاملة الطائرات وأسراب من الطائرات الحربية إلى المنطقة لدعم إسرائيل، هو إشارة جدية. السؤال هو: هل معنية طهران وبيروت للإصغاء وفهم المعاني الصعبة المتوقعة.
وفي الساحة الجنوبية، تتحدث إسرائيل عن جبي ثمن غير مسبوق من حماس وتدمير قدرتها العسكرية. وهي لا تقول إن توجهها هو إسقاط حكم حماس في قطاع غزة. ومن غير الواضح أيضاً إذا كان لديها نية للقيام بعملية برية كبيرة، التي يصعب بدونها تحقيق مثل هذا الهدف. يبدو أن هناك تردداً، والأمور تتعلق أيضاً بما يحدث في الشمال.
ذكريات من “داعش”
في اليوم الثالث للقتال في قطاع غزة، أمس، ما زال الجيش الإسرائيلي يحاول إعادة الاستقرار إلى خط الجبهة. الجدار على الحدود والعائق المتين الذي اخترقته حماس الآن بدون أي صعوبة، بقي مفتوحاً في عشرة أماكن. فرقة غزة نشرت قوات لتأمينها، لكن الجيش اعترف بأن العشرات من أعضاء حماس نجحوا في الدخول من خلالها ليلاً حتى بعد أن تم صد الهجوم المفاجئ في اليومين الأولين.
استكمل الجيش جهداً منظماً لإخلاء المدنيين من المستوطنين، خصوصاً الواقعة بين الجدار في الغرب والشارع الرئيسي لمستوطنات الغلاف، وبين الشارع 232، في الشرق. والمستوطنات الأبعد قليلاً عن الحدود كان هناك ترك جماعي، بدأت قوات من الجيش في احتلال مكان هؤلاء المدنيين. بعد يومين ونصف على الهجوم، ما زالت المحاولات جارية للعثور على مدنيين انقطع معهم الاتصال، وحتى الآن يتم الكشف عن جثث أخرى لمدنيين تم قتلهم على أيدي مخربي حماس من مسافة صفر.
قبل المساء، بعد عدد من أحداث تبادل لإطلاق النار خلال النهار، تولد انطباع لدى الجيش بأنه تم تحقيق سيطرة جيدة ومنظمة أكثر على منطقة الجدار المخترق. مع ذلك، الافتراض هو أن خلايا نشطة بقيت في المنطقة، وهناك تخوف من اختراقات أخرى. بعد المفاجأة، لا أحد يمكنه استبعاد وجود نفق في مكان ما نجح في اجتياز العائق، تمر عبره تعزيزات إلى أراضي إسرائيل.
كلما مر الوقت يتقدم تحليل استخباري وعملياتي لفشل فظيع كلف حياة أكثر من 900 جندي ومدني إسرائيلي حتى الآن. تعرضت إسرائيل لمفاجأة استخبارية مطلقة، تم تحققها بسبب تخطيط دقيق وسري جداً من حماس. نجحت حماس في التصرف بصورة تجاوزت كل منظومات الرقابة الإسرائيلية. وما نشر في “وول ستريت جورنال” وكأن إيران كانت تعرف عن موعد وطبيعة الهجوم الدقيقة، يبدو أنه ليس موثوقاً. إيران ساعدت بالأموال والوسائل، لكن خطة يحيى السنوار ومحمد ضيف نجحت كما يبدو بسبب محافظتهما على التفاصيل لأنفسهما.
هكذا حدث أن قوة دفاع صغيرة في الجانب الإسرائيلي بدون إنذار استخباري وبمستوى استعداد متدن وانعدام معرفة عن خطورة الوضع، وجدت نفسها أمام طوفان من المخربين المصممين. أحدث تقديرات الجيش الإسرائيلي يقول إن ألف مخرب تقريباً اجتازوا الحدود في غضون ساعة. والنتيجة أن مجندات قتلن في الأسر، وفصائل جزء كبير من جنودها قتلوا قبل أن يتمكنوا من رفع السلاح، وحملة قتل في بيوت الكيبوتسات والبلدات خلفت المئات من المصابين.
الكارثة الأشد حدثت في الحفل الذي جرى في الهواء الطلق قرب مستوطنة “رعيم”، الذي قتل فيه 260 شخصاً تقريباً. هذه أعداد ومشاهد تذكر بهجوم “داعش” الإرهابي في باريس في 2015، الذي كانت ذروته في المذبحة التي جرت في حفل في قاعة “البتيكلان”. ليس صدفة أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عاد وقارن حماس مع “داعش”. ولكن في حالة إسرائيل، المنظمة الإرهابية التي تنفذ هي أيضاً الجار الحاكم الموجود خلف الجدار.
في ظل المفاجأة حارب رجال الشرطة وجنود من وحدات الطوارئ الموجودة في المستوطنات بكل شجاعة. قوات الفرقة وجدت صعوبة بداية في الخروج من القيادة والمواقع التي هوجمت في البداية. بعد ذلك وصلت التعزيزات وطواقم التدخل ووحدات خاصة من الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” والشرطة. لكن جنوداً عاديين، منهم طباخون من قاعدة قيادة الجبهة الداخلية، وجدوا أنفسهم يصدون النار ويحاربون. عدد المصابين في أوساط القادة مرتفع لأنهم انقضوا على رأس الجنود: هناك وحدة واحدة التي تشبه فيها الأضرار التي لحقت سلسلة القيادة الخسائر التي تكبدتها قيادة اللواء 188 في معارك حرب تشرين الأول في هضبة الجولان.
في هذه الساعات، قتل مئات المخربين من القوة المهاجمة. جزء من الجثث ما زال ملقى على الأرض. وشوهد على المدخل الخلفي لكيبوتس “رعيم” أمس سيارتي تندر دخل فيهما رجال حماس من القطاع، وهي مثقوبة بالرصاص من مسافة عشرات الأمتار عن البوابة. قوة الطوارئ في الكيبوتس نجحت في وقفهم هناك كما حدث في عدد من المستوطنات الأخرى. شوهد مصحف في واحدة من السيارتين، وحوله معدات قتالية وذخيرة أحضرها المخربون معهم. وبقيت على الشارع جنوباً باتجاه كيبوتس “أوريم”، سيارات قتلى الحفل. في الحقل الفارغ قرب الشارع انتظر فصيل دبابات، واعتقد رجال الاحتياط للحظة بأنهم يلاحظون حركة لمسلحين في حرش قريب، وبدأوا في الاستعداد فوراً. في الخلفية باتجاه الحدود، سمع صوت إطلاق قذائف ورشاشات. عندما واصلنا الطريق إلى محطة الوقود في “أوريم” شاهدنا طابوراً طويلاً من السيارات العسكرية مسرعة نحو الحدود. اتضح السبب بعد نحو دقيقة: الخوف من اقتحام آخر في كيبوتس “صوفا”. العصبية الشديدة كانت ظاهرة في كل مكان.
في الساعات الأولى، طلب من سلاح الجو المهاجمة داخل الكيبوتسات وقربها مع تنسيق بالحد الأدنى مع القوات على الأرض. لو حدث هذا قبل ذلك بقليل لكان بالإمكان وقف الهجوم، وأصيب الكثير من المخربين بقصف من الجو. في المرحلة التي بدأت أمس، سيكون لسلاح الجو دور مركزي أكبر. أعلنت إسرائيل عن سلسلة خطوات تسبق الهجوم. وزير الدفاع، يوآف غالنت، وصف حماس بأنها حيوانات بشرية، وأعلن عن قطع الكهرباء والمياه عن غزة، في موازاة ذلك، بدأت عشرات الطائرات بإلقاء الكثير من أطنان القذائف التي وجهت لأهداف عسكرية داخل المناطق المأهولة والمكتظة. وأعلنت غزة عن مئات القتلى خلال ساعات.
قيادة حماس تتمركز داخل الأنفاق التي حفرت تحت الأرض عميقاً، ولم تصب بهذه الهجمات. ولكن إسرائيل تنوي جباية ثمناً باهظاً من حماس ومن غزة. وتحدث ضباط كبار عن “تغيير الاتجاه” في الحرب في الجنوب. ولكنه توقع مبكر. الواضح أن إسرائيل انتقلت إلى الهجوم الكثيف مع القليل جداً من الاهتمام بقيود الضرر الشامل (أي المس بالمدنيين غير المشاركين). جهات إسرائيلية رفيعة حاولت تمهيد الأرض لذلك بمحادثات مع زعماء وجنرالات في الغرب، مع التأكيد على الأفعال الفظيعة التي ارتكبتها حماس بشكل متعمد ضد المدنيين الإسرائيليين.
الجنرال احتياط إسرائيل زيف، الذي حارب بشجاعة في هذا الأسبوع وأنقذ مدنيين في الغلاف، يلعب دوراً مزدوجاً بدرجة معينة في “أخبار 12” – محلل يرتدي الزي العسكري مع الأوسمة. وكشف زيف أمس صفحة الرسائل التي بلورتها هيئة الأركان العامة: “يجب تسوية غزة”، قال بشكل قاطع. “سنذهب إلى هناك بدون الاهتمام بمن سيصاب. لقد تعرضنا للإهانة ويجب الرد. حماس حيوانات. بعد قليل، سيرى الجميع المشاهد الفظيعة التي تركوها هنا”.
الأقوال القاطعة والمقتضبة التي قالها زيف استوعبتها غزة، التي تعرف أيضاً بعض المعلومات عن تهديدات بالقتل. مصدر رفيع في حماس هدد أمس بإعدام الأسرى الإسرائيليين إذا قصف سلاح الجو المباني بدون تحذير وبدون إعطاء وقت لإخلاء المدنيين. في هذه الأثناء، غادر عشرات آلاف الفلسطينيين الأحياء القريبة من الحدود ووجدوا المأوى في مراكز المدن. يبدو أنه ستكون حاجة إلى قدرة كبيرة على تحمل مشاهد الأيام القادمة في الطرفين.
أمام جهود إعادة نهوض الجيش الإسرائيلي، تظهر الحكومة بانعدام تأثيرها المتواصل. الوزراء الذين أكثروا من التهديدات والتصريحات المتغطرسة حتى الهجوم، صمتوا منذ ذلك الحين. قلائل كلفوا أنفسهم عناء زيارة المستشفيات أو المستوطنات التي قصفت. والبحث يستمر عن وزير الأمن الوطني. عشرات رجال الشرطة الذين يخدمون تحت إمرته ماتوا موت الأبطال، لكن الوزير صمت. يبدو أنه نسي التغريد أيضاً، في حالته ربما يكون الأفضل أفضل. من المدهش أن رئيس الحكومة ما زال يساوم في صالحه مع المعسكر الرسمي، ويؤخر انضمام قائمته إلى حكومة الطوارئ.
وعد نتنياهو أمس في خطاب آخر بتغيير وجه الشرق الأوسط. الشخص الذي خاف طوال حياته من عمليات عسكرية كبيرة لأنه كان يعرف تأثيرها السياسي في حالة تعقدها، وجد نفسه الآن أمام واحدة كهذه، ولا يستطيع وقفها.
أمس أثناء العودة من الجنوب إلى المركز، شاهدنا لافتات إعلانية ذكرتنا بالشعار القديم “اسمحوا للجيش بأن ينتصر”. الضغط على رئيس الحكومة والجيش من أجل تحقيق نتائج آخذ في الازدياد. في أوساط رجال الاحتياط الذين تجمعوا حول القطاع نسمع مشاعر آخذة في الازدياد: سننتهي من هذه القصة وسنذهب من هنا إلى الكنيست للمطالبة بتغيير كل هذه الطريقة العفنة. ولكن قبل وقت طويل جداً من حدوث ذلك، يجب علينا تجاوز الفخ الأمني.