هآرتس: الشرخ العلني مع مصر كفيل بان يدفع قدما بدخول السلطة الفلسطينية الى قطاع غزة
هآرتس 13/5/2024، تسفي برئيل: الشرخ العلني مع مصر كفيل بان يدفع قدما بدخول السلطة الفلسطينية الى قطاع غزة
الشرخ بين اسرائيل ومصر آخذ في الاتساع، وهو يهدد العلاقات بين الدولتين. وفي الاسبوع الماضي تسرب من الغرف المغلقة الى العلن. ومن اجل ازالة الشك فان الحديث لم يكن يدور عن “تسريب” أو اقتباس تحليلي. الاعلان عن رفض مصر التنسيق مع اسرائيل في موضوع ادخال المساعدات الانسانية عبر معبر رفح، نشرته قناة الاخبار “القاهرة” التي تمتلكها المخابرات المصرية.
من الآن موقف مصر، الذي طوال عدة ايام تم الحفاظ على سريته لمنع تدهور العلاقات الى درجة المس باتفاق كامب ديفيد، اصبح الموقف الرسمي والعلني. غضب مصر لم يفاجيء الولايات المتحدة وما كان يجب أن يفاجيء اسرائيل. خلال اسابيع ارسلت القاهرة التحذيرات التي طلبت فيها بشكل حازم، لا سيما من واشنطن، كبح نية اسرائيل اقتحام رفح واحتلال المعبر.
خوف مصر من اختراق الحدود من قبل مئات آلاف الفلسطينيين الغزيين ليس جديد. فمصر حذرت من ذلك في الايام الاولى للحرب، لكن رغم ذلك استمرت في التعاون مع اسرائيل في كل ما يتعلق بادخال المساعدات الانسانية. وخلافا للاردن وتركيا فان مصر لم تقم باعادة السفير من تل ابيب والمخابرات المصرية حافظة على علاقة وثيقة مع رؤساء الاستخبارات والجيش في اسرائيل، حتى عندما تم اغلاق قناة الاتصال المباشرة مع مكتب رئيس الحكومة. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اوضح منذ بداية الحرب بأن اتفاق السلام ليس محل اختبار أو نقاش. وبهذه الروحية تم ايضا توجيه اجهزة الاعلام في الدولة.
في الاسبوع الماضي حدثت انعطافة. جهات مصرية رفيعة سابقة بدأت تتحدث عن “امكانية حدوث مواجهة عسكرية مع اسرائيل” اذا اجتاز الجيش الاسرائيلي الحدود نحو شبه جزيرة سيناء، وبأن مصر لا يمكنها المرور مر الكرام على المس بسيادتها من قبل اسرائيل. قرار وقف التعاون مع اسرائيل، بالذات في قضية المساعدات الانسانية، لا يعتبر سابقة. فهو يدل على استعداد القاهرة لاتخاذ خطوات شديدة يمكن أن تحدث نزاع سياسي. في الحقيقة اعلان أمس عن الانضمام لدعوى جنوب افريقيا ضد اسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي هو فقط خطوة اعلانية. ولكن موقف مصر الذي اتخذته بعد ثمانية اشهر يكشف عمق الازمة.
منذ اللحظة الاولى تمسكت مصر بالتنسيق الكامل مع اسرائيل، رغم أنه كان يمكنها فتح معبر رفح والسماح بدخول قوافل المساعدات الانسانية بدون أي قيود الى قطاع غزة. المطار في العريش اصبح مركز لتجمع واستعداد المساعدات من دول كثيرة واجراءات الفحص والنقل التي قامت اسرائيل باملائها تم الحفاظ عليها بحرص كبير. سيطرة مصر على معبر رفح اعتبرت دائما وسيلة الضغط الرئيسية على حماس، وحتى أنها اكثر اهمية من المساعدات التي حصلت عليها حماس من قطر، لأنه تم استخدامه كشريان رئيسي لخدمة حماس كأداة ادارة رئيسية للحياة المدنية في القطاع. ولكن منذ سيطرت اسرائيل عليه فانه فقد اهميته وغير الاتجاه. معبر رفح هو الآن الوسيلة التي تستخدمها مصر للضغط على اسرائيل، وليس على حماس، من اجل وقف استمرار العملية في رفح واعادة المعبر الى ما كان عليه في السابق.
العملية أدت الى أن عدد الشاحنات التي تدخل الى القطاع انخفض بشكل دراماتيكي، وافتراض مصر هو أن الضغط الدولي، لا سيما الامريكي، الذي سيكون بعد ذلك سيضطر اسرائيل الى اعادة تقييم احتلال رفح. نظريا، اسرائيل يمكنها فتح كل المعابر بينها وبين القطاع كي لا تصبح أي أهمية لمعبر رفح. ولكن عندها يمكن أن تجد نفسها امام جبهة موحدة لجميع الدول التي تتعاون معها، الغربية والعربية، التي سترفض التعاون مع هذه الخطوة.
النتيجة في هذه الاثناء هي أن خطوة مصر وتهديد امريكا بتأخير ارساليات السلاح الهجومي، جعلت هاتين الدولتين هما اللتان يمكنهما رسم سيرورة الحرب في قطاع غزة على فرض أن اسرائيل لن تتبنى اقوال الهراءات لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، التي قررت “المحاربة بالاظافر” حتى ضد مصر. خطوة مصر تعيد الى جدول رأس الاولويات الحاجة الاستراتيجية لاتخاذ قرار بشأن منظومة ادارة فلسطينية التي ستبدأ بالعمل من الآن، دون انتظار تطبيق الشعار السحري الذي يسمى “اليوم التالي”.
صيغة نتنياهو التي بحسبها “نحن سنضطر الى أن تكون هناك حكومة مدنية في يد فلسطينيين لا يلتزمون بابادتنا. والأمل في أن يحدث هذا الامر بمساعدة دول مثل اتحاد الامارات والسعودية، التي تريد رؤية السلام والاستقرار، تلاشى في مهده”، حسب اقواله في المقابلة التي اجراها معه دكتور بيل. وزير خارجية اتحاد الامارات، محمد بن زايد، تخلى عن قاموس الدبلوماسية المهذب وقال: “نحن ندين تصريحات الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حول طلبه منا المشاركة في الادارة المدنية في قطاع غزة، الذي يوجد تحت احتلال اسرائيل”.
دولة الامارات أكدت على أن “رئيس الحكومة الاسرائيلية لا توجد لديه أي قدرة قانونية على اتخاذ مثل هذه الخطوة. ايضا الدولة رفضت الانجرار وراء أي خطة تهدف الى توفير غطاء لوجود اسرائيل في القطاع”. لا يمكن أن تكون هناك اقوال واضحة وحادة اكثر من ذلك. وبنفس الروحية كان رد قطر ومصر. السحر المزيف الذي يقوم بتسويقه المسؤولين الكبار في اسرائيل حول امكانية تشكيل تحالف عربي للحكم في غزة لا يصمد أمام اختبار الواقع. والتحالف العربي الوحيد الموجود هو الذي يطلب من اسرائيل انهاء الحرب وعدم توسيع احتلال رفح.
السلطة الفلسطينية ايضا لا تسارع الى تحمل المسؤولية عن القطاع، بالتأكيد ليس بالبنية التي تظهر فيها كخاضعة لتعليمات الجيش الاسرائيلي وبدون ادوات للسيطرة والادارة تكون مناسبة، التي يمكن أن ترسخ سيطرتها. محمود عباس ابن الـ 88، الذي اجرى أمس فحوصات في المستشفى، وضع شرط رئيسي لاستعداده لادارة غزة، الذي بحسبه هذه الخطوة يجب أن تكون مركب في صفقة سياسية واسعة تضمن الحل السياسي للقضية الفلسطينية.
قرار الامم المتحدة في الاسبوع الماضي، تعزيز مكانة فلسطين في المؤسسة وتوصية مجلس الامن باعادة فحص طلب فلسطين الانضمام كعضوة كاملة في الامم المتحدة، حتى الآن لا يلبي طلب محمود عباس، واذا اعترفت ايضا بعض الدول في الاسابيع القريبة القادمة بفلسطين فلن يكون لذلك أي معنى طالما أن الولايات المتحدة تتمسك بالموقف الذي يقول “الاعتراف بالدولة الفلسطينية الآن لن يساعد في الدفع قدما بحل الدولتين”. من هنا فانه على كل مشروع قرار كهذا يوجد فيتو امريكي مضمون. ولكن واشنطن نفسها لا توجد لديها خطة سياسية اخرى باستثناء اجراء المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين، في الوقت الذي تدرك فيه بشكل جيد أن هذه المفاوضات لا توجد لها أي احتمالية في هذه الاثناء.
قبل بضعة اشهر اقترح محمود عباس أن ترتب الولايات المتحدة والدول الاوروبية لعقد مؤتمر دولي تتم فيه مناقشة بصورة عملية خطط لتطبيق حل الدولتين. وأوضح بأن هذا المؤتمر يمكن أن يوفر على الاقل في المرحلة الاولى الشرط السياسي الذي وضعه لتدخل السلطة الفلسطينية في قطاع غزة. ولكن هذا المؤتمر ايضا ما زالت الولايات المتحدة غير مستعدة للتحدث عنه، ناهيك عن المبادرة. في المقابل، توقعات الادارة الامريكية باجراء اصلاحات في السلطة الفلسطينية، تلبي تعريف الرئيس الامريكي لـ “السلطة المحدثة” والتي يمكنها أن تحصل على الدعم الامريكي لادارة القطاع، لا تتحقق بالفعل.
محمود عباس قام في شهر آذار بتعيين الاقتصادي محمد مصطفى في منصب رئيس الحكومة الفلسطينية. وقد مر منذ ذلك الحين شهرين، لكن في هذه الاثناء خطط الاصلاحات توجد على الورق فقط. ربما على خلفية التطورات في قطاع غزة والانتقاد في الجيش الاسرائيلي بأن عدم وجود خطة سياسية يعرض حياة الجنود للخطر، والضغط الامريكي ضد العملية في رفح واجراءات مصر التي تصعب المبالغة في خطورتها، فانه لم يكن أي مناص، على الاقل للولايات المتحدة، من اظهار “المرونة الاستراتيجية”، وهو التعبير الذي تم أخذه من قاموس المرشد الاعلى في ايران، علي خامنئي، والموافقة على ادخال السلطة الى قطاع غزة حتى بدون اجراء اصلاحات حقيقية.
وحتى لو تمت ازالة هذا اللغم السياسي، في هذه الاثناء لا يظهر كيف سيكون ذلك، فان السلطة الفلسطينية بحاجة الى اكثر بكثير من بضع سيارات مصفحة وسلاح خفيف كي يمكنها القيام بمهماتها. في الواقع يوجد للسلطة بضعة آلاف من الموظفين الذين يحصلون على الرواتب في غزة، الذين يمكنهم البدء في اعادة ترميم على الاقل جزء من الاجهزة المدنية، لكن لا توجد لديهم قوة شرطة كافية، والقوة التي توجد هناك غير مزودة بما فيه الكفاية لمواجهة التحديات الفورية من اجل الحفاظ على النظام. قوات شرطة فلسطينية تقوم الآن باجراء التدريبات العسكرية، في اريحا والاردن، لكنها بعيدة عن أن تلبي الاحتياجات القائمة في قطاع غزة.
السلطة الفلسطينية لن يتعين عليها ادارة المعارك ضد حماس. هذا سيكون الجيش الاسرائيلي هو المسؤول عنه، وقوة دولية توافق على التواجد اذا كانت السلطة هي صاحبة البيت. في نفس الوقت السلطة الفلسطينية ستحتاج الى تمويل كبير بمليارات الدولارات، سواء لدفع الرواتب، وبالاساس لاعادة ترميم بنى تحتية مثل شبكة الكهرباء والمياه وجهاز الصحة. خلافا للوضع الآن، الذي فيه دول الخليج ترفض المساعدة طالما أن اسرائيل هي التي تحكم في القطاع، فانه يمكن الافتراض بأن هذه المساعدة ستأتي اذا تم ضمان أن الاموال ستذهب للسلطة الفلسطينية مباشرة وليس من خلال اسرائيل.
هل اسرائيل ستوافق على مثل هذا الترتيب؟ هل ستحرر اموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك اموال الشريحة الغزية التي حتى الآن هي مجمدة في حساب في النرويج؟ الاجابة على ذلك توجد لدى وزير المالية سموتريتش، مثلما هي ميزانية السلطة الفلسطينية، اكثر مما توجد لدى نتنياهو. لا حاجة الى تخمين موقف سموتريتش. فهو يقول بأن أي خطة سياسية في قطاع غزة مرهونة في البداية بـ “خطة سياسية” ستسمح بها. وطالما أن البنية السياسية في اسرائيل تقف فوق حقل الغام يهدد وجودها فانه لا توجد أي اهمية لفحص مهني لقدرة السلطة الفلسطينية على ادارة قطاع غزة.