هآرتس 9/5/2022 – بقلم: تسفي برئيل –
صفعة مدوية حصل عليها رئيس حكومة لبنان السابق، سعد الحريري، بالتحديد من قلم كاتب المقالات السعودي محمد الساعد. في مقال شديد اللهجة نشره في صحيفة “عكاظ” السعودية، المقربة من البلاط الملكي، وصف الساعد الحريري بأنه خان لبنان والسنّيين، وأصبح أسيراً لدى حسن نصر الله. “أين هو سعد الذي قامت السعودية بمسح دموعه قبل 17 سنة عندما ذرفها على قتل والده رفيق الحريري؟ ما الذي حدث له حيث ألقى بنفسه في حضن إيران؟”.
يعبر الساعد في مقاله عن غضب السعودية من قرار الحريري عدم التنافس في الانتخابات البرلمانية المتوقع إجراؤها في 15 أيار الحالي، وعلى طلبه من أعضاء حزبه “المستقبل”، والسنة بشكل عام، عدم المشاركة في الانتخابات. خطوة الحريري هذه، الذي يعيش في الإمارات ويعلن بأنه سيعود إلى لبنان بعد الانتخابات، أبقت الطائفة السنية بدون تمثيل ولا قيادة، وثمة تخوف من أن “مقاطعة السنة” التي دعا إليها ستخدم “حزب الله” والتيار الوطني برئاسة الرئيس ميشيل عون وصهره جبران باسيل.
ستكون هذه الانتخابات حاسمة إذا نجح لبنان في الخروج من الأزمة الاقتصادية التي دهورته وحولته إلى دولة مفلسة. الدول المانحة وصندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية غير مستعدة لتحويل حتى دولار واحد لخزينة الدولة دون وجود حكومة منتخبة تقوم بعملها، حكومة تحمل عبء الإصلاحات الاقتصادية والقانونية، التي هي شرط ضروري قبل حصول لبنان على 12 مليار دولار التي سبق ووعد بها، ومليارات إضافية، إذا قدم مسؤولية سياسية. وهو تعبير موجه لاجتثاث الفساد الهيكلي الذي دهور لبنان خلال عشرات السنين إلى هاوية سحيقة. يجب أن تكون هذه حكومة شرعية تمثل جميع الطوائف في لبنان وتستند إلى نسبة تصويت مرتفعة، حكومة تستطيع إجراء مفاوضات مع المجتمع الدولي والصمود أمام الضغوط السياسية للجمهور، خصوصاً النخبة السياسية والتجارية، التي تخشى من أي تغيير سيضر بالصنبور الذي قام بتغذيتها بمليارات الدولارات.
من المشكوك فيه أن تنجح هذه الحكومة في القيام الآن. ستفقد الحكومة شرعيتها بدون مشاركة كبيرة من الطائفة السنية، وهو الهدف الذي أراده الحريري بقرار انسحابه من المنافسة. لا يعني هذا أنه لو تنافس في الانتخابات لكانت مهمة تشكيل الحكومة أسرع. في نهاية المطاف، الخلاف الذي استقال من منصبه في أعقابه رافق الحكومة في حينه، وسيواصل الوقوف في طريقها حتى بعد الانتخابات. الصعوبة الآن أنه -وحسب الدستور- يجب أن يكون رئيس الحكومة من السنة. وبدون زعيم سني يحصل على دعم الجمهور، قد يلقي الرئيس عون مهمة تشكيل الحكومة على ممثل من السنة يكون مقبولاً على “حزب الله”، مثل الملياردير نجيب ميقاتي، رئيس الحكومة الانتقالية الحالية.
هذه اعتبارات تعرفها الزعامة السنية في الدولة جيداً، التي يعارض معظمها “حزب الله” وحليفه الرئيس عون. ولمنع مقاطعة الانتخابات، بدأ رئيس الحكومة السابق، فؤاد السنيورة، يعمل بشكل حثيث لإقناع السنّيين بخرق دعوة الحريري والمشاركة في الانتخابات بكامل القوة. السنيورة (79 سنة) هو شخص ثري يقوم بأعمال تجارية في الإمارات. وفي آذار، أعلن بأنه لا ينوي التنافس على منصب الرئاسة. ولكن لأنه شخص ذو هدف ويعتقد أن الحريري مخطئ، الذي سار معه لسنوات كوزير ورئيس حكومة من قبل حركة “المستقبل”، بدأ يحث الطائفة السنية على تحدي “حزب الله”، وعدم السماح له بإملاء تشكيل الحكومة ومن سيرأسها. مؤخراً، يجري السنيورة زيارات في أرجاء لبنان، وقد التقى رؤساء التجمعات المحلية، وهناك من يتهمونه بتوزيع مغلفات مالية للمخاتير والنشطاء لتجنيد الأصوات. ونذكر بأن السنيورة ترأس حكومة لبنان في فترة حرب لبنان الثانية، وتبنى القرار 1701 الذي أنهى الحرب في آب 2006. هذا القرار نص، ضمن أمور أخرى، على أنه يجب على “حزب الله” الانسحاب من الحدود مع إسرائيل.
للسنيورة، كما للحريري، حساب طويل مع “حزب الله” ورئيسه حسن نصر الله؛ فهما لم يتوقفا عن المطالبة بنزع سلاح “حزب الله”، وهو طلب بدأ حتى في فترة ولاية رفيق الحريري، الذي بادر في 2004 هو وفرنسا إلى اتخاذ قرار في الأمم المتحدة، القرار رقم 1559، الذي طالب جميع القوات الأجنبية، أي سوريا، بمغادرة لبنان ونزع سلاح جميع المليشيات “اللبنانية وغير اللبنانية”. هذا القرار يبدو أنه كان أحد الدوافع الأساسية لقتل رفيق الحريري. والسعودية الآن تذكر الحريري الابن بواجبه تجاه والده وتجاه لبنان. أي أنه يجب عليه أن يمنع سيطرة “حزب الله” على البرلمان وعلى الحكومة بأي ثمن. “لقد سنحت لك فرصة تاريخية، رغم أنك لا تستحقها”، كتب الساعد في مقاله، “غير مطلوب منك إلا أن تؤيد وطنك الذي دمرته عندما استسلمت لحزب الضاحية (الحي الذي توجد فيه قيادة حزب الله في بيروت)، قبل أن يقولوا لك: ابك، يا سعد، وطناً لم تحافظ عليه كرجل”.