ترجمات عبرية

هآرتس: الدولة اليهودية إذا أرادت البقاء!

هآرتس 20-3-2024، بقلم: موتي غولاني: الدولة اليهودية إذا أرادت البقاء!

“ليس من أجل الموت هذا السلاح يوجد في يدنا، بل من أجل الحفاظ على الحياة…”، كتب اسحق سديه، وهو شخصية منسية، وكان قائد البلماخ ومربيا وجنرال في الجيش الإسرائيلي، الذي رأى نصب عينيه شخصاً إنسانياً، وطنياً، ممزقاً. ايام وجهة النظر غير المعقولة هذه كما يبدو هي مثل أيام التجربة الوطنية اليهودية الحديثة. المقاربة الممزقة كانت وما زالت من نصيب الذين يريدون الخير المشترك، مع المعرفة أن هذا لن يكون في أي يوم في متناول اليد بدون تنازل. هذه المقاربة هي حيوية ازاء الرياح الشريرة التي تهب هنا وتداعياتها على “اليوم التالي”. الحديث يدور عن محاولة للامساك في نفس الوقت بالوطنية وبالعالمية؛ بضرورة استخدام القوة أحياناً، الى جانب الإنسانية والمعايير الأخلاقية والقانونية المقيدة.

الألم المقيد هو عنصر رئيس في هذا النهج. الاعتراف الصعب بأن الأمور لم تكن ولن تكون أبداً في أي يوم قاطعة، وأن على المرء التعايش مع ذلك. حاييم غوري كتب “أنا حرب أهلية… التي كل التناقضات اجتمعت فيها…”. الاعتراف بالألم يرفض التنكر لألم الآخر. وهكذا هو التنازل عن اجزاء من الوطن وافساح المجال لرواية اخرى اذا لم تكن تدعو لإبادتك. وألم القاتل من اجل المجتمع الذي يعمل على حمايته.

الصهيونية ولدت ممزقة. وبدون هذا الجين يصعب فهم كيف حققت هدفها بعد خمسين سنة فقط على اقامتها كحركة مؤسسة. على الاغلب الصهيونية كانت بشكل عام تصميم وادراك للاخفاقات والاخطاء رفضاً للمعجزة التي لا تتكرر وإرادة حازمة لتكون وطنية اضافة الى أنها اشتراكية، أو مجرد انسانية وطنية برجوازية. “بفضل الحرج”، تحدى بيرل كتسنلسون واضاف “وادانة التستر”. هذه كانت روح الفعل الصهيوني الذي كانت فيه بركة الحرج وادانة الطمس. منذ 1967 اخذت هذه المقاربة الممزقة في الانهيار الى داخل خطاب قومي متطرف – ديني متصاعد وغير اعتذاري. وغياب هذا الجين يمكن أن يدمر الجسم الاسرائيلي الصهيوني، ليس اقل من ذلك.

منذ بدايتها احتفظت الصهيونية بالازدواجية الفكرية كنموذج للقوميات الاوروبية في ذلك العصر، التي تريد التوحد في بقعة جغرافية ولغة، ولحركة قومية لليهود التي الكثيرين منهم رفضوها. هذا كان تمزقاً روحياً، ثقافياً ودينياً، قبل أن يكون تمزقاً سياسياً وعملياً. هرتسل رفض في حينه الدخول الى قضايا الدين، الثقافة والروح، بعد أن ادرك بأن المقاربة الايمانية لا يمكن أن تعيش بسلام مع فكرة قومية – يهودية. ليس عبثاً أن المعارضة الاولى والوحيدة لهرتسل هي “الفصيل الديمقراطي”، الذي قال بأنه يجب على الصهيونية أن تتمتع بالحرية التي تقدمها العلمانية الوطنية، اضافة الى علاقة عميقة بالتاريخ وذخائر الثقافة اليهودية. العلاقة باليهودية والتحرر من الدين كانت التمزق الذي وقف في اساس الثورة الصهيونية. فقط أقلية صغيرة كان يمكنها أن تعيش مع الحفاظ على الوصايا اضافة الى مقاومة وطنية نشطة مثل “همزراحي”، التي اصبحت بعد ذلك “المفدال”.

مرة تلو الاخرى وقفت المقاربة المندفعة التي ترفض التنازل مع الامبراطورية البريطانية والموقف الذي هو في اساسه تنازل، والذي يتفهم جوهر التقاء المصالح. الصهيونية ارادت سيادة يهودية في الاطار الوحيد الذي كان محتمل وهو الاطار الامبريالي البريطاني الى حين يأتي وقت الدولة الوطنية المستقلة. هنا وقف “الممزقون”، يسار ويمين، في مواجهة مع الهامشيين القوميين المتطرفين الطفوليين.

الصهيونية كانت تطمح الى بقعة جغرافية، التي كان لها فيها سيطرة رمزية فقط، وحدودها لم تعرف كيفية رسمها. كثير من الصهاينة اختاروا شعار “ارض بدون شعب لشعب بدون ارض”. ليس الجميع اشتروا وهم الأرض القفر. الجمهور الصهيوني الذي كان يشكل الأغلبية في ثلاثينيات القرن العشرين أدرك التناقض وقام بصياغة ادعاء أساسه يقول إن الاعتراف بحق الآخر، العربي الفلسطيني، في السيادة هو شرط لإقامة دولة اليهود.

الأعوام 1947 – 1949 (سنوات حرب الاستقلال) كانت افضل وقت للمقاربة الممزقة. العمل الصهيوني وافق بالفعل على تقسيم البلاد مع تنازل مؤلم عن القدس كعاصمة. تجاهل كارثة الفلسطينيين بشر بما يمكن أن يحدث في المستقبل، لكن الصراع لم يحسم حتى الآن، ويبدو أن المجتمع الإسرائيلي بكل شرائحه، حتى الذين حلموا بـ “ارض إسرائيل الكاملة”، من اليمين واليسار، تنازل حتى 1967، على الأقل عملياً، عن هذه الفكرة من خلال اكتفاء “ممزق” بما هو موجود.

لقد كان للانضمام الذي تمت تغطيته إعلامياً لكتاب ومفكرين بارزين لـ “حركة من اجل ارض إسرائيل الكاملة” التي قامت في صيف – خريف 1967، إسهام لا يمكن المبالغة في اهميته لحرف الصهيونية عن المسار الممزق للسير في مسار لا يتحمل الشك أو اللغة التي تندفع نحو الخطاب المسيحاني العنيف. “كلها لنا”، قال شاي عغنون ونتان الترمان وموشيه شمير واهارون امير وحاييم غوري وحاييم هزاز ويهودا بورئيل (قائمة جزئية)، حتى قبل نقل عصا التسوية الى تلاميذ الحاخام تسفي يهودا كوك. وهؤلاء قادوا مقاربات احادية الابعاد وكل انواع الافتراضات التي ليس فيها “نقاط الضعف الانسانية” والمليئة بازدراء التعقيد.

ما ظهر بأثر رجعي أنه معركة حاسمة للمقاربة الممزقة، خرج شباب حركة الكيبوتسات في 1967 مع “خطاب المقاتلين”. وبسرعة تم إلصاق بهم صفة “يطلقون النار ويبكون”، الذي اراد أن يلعن ووجد أنه يبارك، ذاك المزيج الرائع من المحاربين الشجعان والتصور الذي يرى أن الحرب هي هزيمة إنسانية لا يوجد أي سبب للاحتفال بها. هذا التجمع دعا الى لقاء مأساوي بين المقاتلين المعذبين وبين المحتفلين في “مركز الحاخام”. لقد كانت الفجوة الصهيونية، الأخلاقية والإنسانية، واضحة وصعبة.

الاحتجاج منذ 2023 يرفع من شأن “الممزقين” الذين يخافون على سلامة إسرائيل، ويصممون على الدفاع عنها من الأعداء ومن نفسها. الحديث يدور عن إخلاص كبير إضافة الى الاعتراف بأنه يجب تقييد هيمنة استخدام القوة بدون آثار، والبعد الديني – المسيحاني للدولة اليهودية اذا أرادت البقاء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى