هآرتس: الدرس المستفاد من الحرب في اليمن للسودانيين: لكي يكون العالم مهتمًا هناك حاجة إلى فاعلين أجانب
هآرتس 16-6-2023، بقلم تسفي برئيل: الدرس المستفاد من الحرب في اليمن للسودانيين: لكي يكون العالم مهتمًا هناك حاجة إلى فاعلين أجانب
اتهم حاكم إقليم غرب دارفور في السودان أول أمس مقاتلي مليشيا “قوات التدخل السريع” (آر.اس.اف) بارتكاب مذبحة واغتصاب واختطاف وتعذيب سكان وهدم بيوتهم. بعد ساعات من بث المقابلة التلفزيونية التي أعطاها الحاكم خميس أبكر، اعتقله مسلحون – عدد منهم يرتدون الزي العسكري لقوات التدخل السريع، المليشيا التي تحارب الجيش السوداني منذ شهرين. وضرب أبكر على يد المسلحين الذين اعتقلوه. وحسب أقوال الجيش، أعدموه أيضاً. أمس تحدثت السلطات في عاصمة الإقليم عن مئات القتلى والمصابين في مواجهات مع رجال المليشيا.
قيادة قوات التدخل السريع نفت أن لرجالها صلة بقتل الحاكم، واتهمت الجيش بهذا الفعل “بهدف إشعال حرب طائفية” في السودان. ولكن أفلاماً نشرت عبر الشبكة أشارت إلى أن المسؤولين عن ذلك هم رجال المليشيا التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بـ “حميدتي”. في منتصف نيسان، حاول حميدتي الانقلاب ضد قائد الجيش والحاكم الفعلي للسودان عبد الفتاح برهان. حسب بيانات الأمم المتحدة ومنظمات مساعدة مدنية تعمل في السودان، قتل نحو 1800 شخص منذ بدء المعارك بين الجنرالين. ونحو 2 مليون مواطن سوداني هجروا من بيوتهم، ونحو 200 هربوا إلى مصر التي فتحت أبوابها أمام النساء والأطفال والشيوخ.
سيطر مقاتلو حميدتي على المستشفيات والمدارس ومبان عامة أخرى في العاصمة الخرطوم، وأقاموا فيها قيادات وأدخلوا إليها سلاحاً ثقيلاً. مؤخراً، هم يحاربون جنود الجيش في شوارع العاصمة وفي مدن أخرى. معظم الأطباء والطواقم الطبية تركت العمل، وبعضهم هربوا من الدولة وتركوا خلفهم مستشفيات بدون أدوية. المرضى الذين يحتاجون إلى علاج مستعجل مثل غسيل الكلى والعلاج الكيميائي، أرسلوا إلى البيوت. كثير من المصابين لا يمكنهم الوصول إلى المستشفيات بسبب قتال في الشوارع.
سارعت دول أجنبية إلى إخلاء طواقمها الدبلوماسية ورعاياها من السودان. في الوقت نفسه، جرت محاولات – بما في ذلك من جانب إسرائيل – للتوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار، الذي يمكّن ربما من إجراء مفاوضات بين الجنرالين المتخاصمين. ثمة إحصاء غير نهائي يظهر أن 17 إعلاناً عن وقف إطلاق النار نشرت في الشهرين الأخيرين، ولم يصمد أي منها. في الأسبوع الماضي جرت محاولة أخرى لعقد لقاء بين حميدتي والبرهان. ولكن الرسالة المتفائلة الوحيدة التي خرجت حتى الآن هي أن مثل هذا اللقاء إذا خرج إلى حيز التنفيذ فسيكون في غضون أسبوعين.
هناك خلافات حول خلفية المواجهات بين قائد المليشيا وحاكم الدولة الفعلي. في كانون الأول الماضي، بعد سلسلة ضغوط دولية ومظاهرات جماهيرية لمواطنين طالبوا بإقامة نظام ديمقراطي، وافق البرهان التوقيع على اتفاق لنقل صلاحيات إدارة الدولة إلى أيد مدنية خلال سنتين. للوهلة الأولى، كان يبدو أن الاتفاق في حينه بدأ في التحقق. أربع لجان بدأت تناقش أسلوب نقل السلطة، وأعضاؤها كانوا ممثلي النظام العسكري ومنظمات مدنية، إلى جانب وسطاء أمريكيين وسعوديين ومن الأمم المتحدة ومنظمة الدول الإفريقية.
لقد تناقشوا في قضايا حقوق المواطن وهيكل الاقتصاد وتوزيع الميزانية وبنية الجيش. قبل نهاية آذار، كان يمكن أن تنهي هذه اللجان عملها وتطرح مسودة أولية لاتفاقات. ولكن انفجر في حينه الخلاف وبضجة كبيرة بين البرهان الذي طالب بدمج قوات الأمن المختلفة في جسم واحد خلال سنتين، وبين حميدتي. الأخير، الذي عمل فعلياً كنائبه، عارض في البداية دمج رجال قوات التدخل السريع في صفوف الجيش، وطالب بأن يحدث الدمج على مدى عشر سنوات.
بعث “الإخوان المسلمين”
حميدتي، الذي بدأ حياته العسكرية راعي أغنام، أصبح رئيس عصابة وحصل على دعم وتأييد وتمويل من الطاغية عمر البشير، الذي تم عزله من منصبه في 2019. في بداية سنوات الألفين، كان يقود عصابات الجنجويد، التي نفذت المذبحة في دارفور. بعد ذلك، أقام “قوات التدخل السريع”، استناداً إلى العصابات نفسها. هكذا سيطر على مناجم الذهب وعلى مسارات تهريب المخدرات في السودان. وبعد عزل البشير واصل رجال حميدتي العمل في إدارة مناجم الذهب والسيطرة على صناعة المخدرات، حتى إنهم سيطروا على مصالح تجارية قانونية.
بالنسبة له، يرى في دمج المليشيا في الجيش فقداناً لمصادر دخله الكبيرة وتقليصاً لقدرته على التأثير على إدارة شؤون الدولة. يقول حميدتي إن رفضه نابع من أن المستويات العسكرية الكبيرة هي نفس القادة الذين شغلوا مناصبهم في فترة البشير. حسب قوله، البرهان نفسه يطمح في الدفع قدماً بـ “الإخوان المسلمين” والمتطرفين المتدينين الآخرين، وإعادة السودان إلى الوضع الذي كان فيه في عهد الديكتاتور المعزول.
“لم نسمح للبرهان بقيادة الدولة إلى هذه الهاوية”، كتب في بيان قوات التدخل السريع لوسائل الإعلام. “سنعمل بكل قوة لاجتثاث هؤلاء المتطرفين من أجل السودان”. هذه مبررات تفهمها زعماء كل من مصر والسعودية والإمارات، الذين يخشون من إمكانية بعث سياسي لـ “الإخوان المسلمين” في السودان. بعث سيوفر للحركة نصراً أولياً بعد أن أعلنت القاهرة الحرب عليها واعتقلت أعضاءها، واعتبرتها هي الرياض وأبو ظبي منظمة إرهابية. أيضاً في تونس اختفى “الإخوان” تقريباً بشكل كامل من الساحة السياسية، تحت اضطهاد الرئيس الدكتاتور قيس سعيد. ولكن السودان الذي يقع على مسار بحري استراتيجي محبوس في معركة داخلية يخفق في إثارة اهتمام كبير من قبل الغرب.
أبعاد الكارثة الإنسانية في الدولة لم تجتز بعد نسبة المعاناة التي ستؤدي إلى تجند المجتمع الدولي. في نيسان، نشر الرئيس الأمريكي جو بايدن، بياناً شكر فيه القوات الأمريكية على إنقاذ موظفي السفارة في الخرطوم، وشكر أيضاً الطاقم الدبلوماسي على التمسك بالمهمة. ودعا بايدن الجنرالين المتخاصمين إلى “تطبيق شروط وقف إطلاق النار على الفور وبدون والسماح بإمكانية تقديم المساعدات الإنسانية، واحترام رغبة الشعب في السودان”. في الشهر الماضي، أضاف إلى التوبيخ أيضاً عدة عقوبات باهتة، فرضت على شركات يمتلكها حميدتي والجيش. إضافة إلى ذلك، أمر بمنع إصدار تأشيرات دخول لعدد من قادة الجيش السوداني وفي صفوف قوات التدخل السريع. كان يصعب العثور على إشارات انفعالية في أوساط القيادة في السودان إزاء هذه الخطوات.
تدويل النزاع
إذا كان الـ 45 مليون مواطن في السودان يتوقعون تدخلاً عسكرياً دولياً يعيد إليهم بلادهم، فيمكنهم النظر إلى ما وراء البحر الأحمر ومشاهدة ما الذي حدث في اليمن الدولة الجارة التي اندلعت فيها حرب أهلية دموية استمرت تسع سنوات. أكثر من 120 ألف شخص قتلوا حتى الآن في اليمن، ونحو 90 ألف طفل ماتوا بسبب المرض والجوع، وملايين هجروا بيوتهم. ولكن خلافاً للسودان، فقد تحولت هذه الحرب إلى حرب دولية لأن المتمردين الحوثيين سيطروا على اليمن واحتلوا العاصمة صنعاء في 2014. وهاجموا أهدافاً أيضاً في السعودية والإمارات والبحر الأحمر.
الحوثيون المدعومون من إيران ألقوا بأنفسهم في اليمن، في قلب النزاع بين طهران ودول الخليج والغرب. كما ساهم موقع اليمن الاستراتيجي أيضاً، الذي يمكّن من تهديد المسارات التجارية في البحر الأحمر، في إثارة اهتمام أوساط المجتمع الدولي. السودان يمكنه فقط تجسيد “المكانة التي احتلها اليمن، الذي نجح في تجنيد تحالف عربي ودولي حوله يطمح إلى إنهاء الحرب وجلب الاستقرار للدولة”، كل ذلك باسم النضال لصد نفوذ إيران. ولكن اليمن علم الأطراف درساً صعباً في الحرب الأهلية. السعودية – بمعداتها العسكرية المتقدمة والدعم الذي حصلت عليه من الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب وكذلك الإمارات وأعضاء في التحالف العربي، كل هؤلاء فشلوا في محاولة اجتثاث الحوثيين أو إقامة نظام مستقر في المناطق التي لم ينجح المتمردون في احتلالها.
التحالف العربي تفكك بعد انسحاب الامارات في نهاية 2019. ثمة شعاع ضوء وحيد قد يقود إلى مصالحة داخلية في اليمن، يكمن في استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، اللتين وافقتا على ذلك في آذار الماضي. الافتراض هو أن طهران تؤثر على الحوثيين، وأن الاتفاق بينها وبين الرياض، الذي يشمل أيضاً وقف الهجمات من اليمن على أهداف سعودية، سيلزم أيضاً المتمردين أنفسهم. ولكن للحوثيين أجندات خاصة بهم، غير مرتبطة برغبات إيران فقط.
في الحقيقة، هم بدأوا الحرب ضد النظام في صنعاء خلافاً لموقف إيران وحتى قبل تدخلها في النزاع. بين السعوديين والحوثيين تجري مفاوضات بدأت حتى قبل الاتفاق بينهم وبين الإيرانيين، في أعقاب ضغط كبير من قبل الولايات المتحدة والتهديد بتجميد صفقات سلاح مع الرياض. إنهاء الحرب في اليمن، أي انسحاب السعودية منها، كان أحد شروط جو بايدن لتسوية الأمور مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
“يجب إنهاء الحرب في اليمن. من أجل التأكيد على التزامنا، سنقطع كل المساعدات الأمريكية لعمليات الهجوم في الحرب في اليمن، بما في ذلك بيع السلاح الذي له صلة بهذه الحرب”، أعلن الرئيس الأمريكي بعد أداء يمين تسلم منصبه في كانون الثاني 2021. ولكن بعد سنة، اضطر إلى زيارة السعودية والمصادقة على صفقات سلاح، ليس من أجل إنهاء الحرب في اليمن، بل لكي يطلب من بن سلمان زيادة إنتاج النفط لدول “الأوبيك” للتغلب على النقص الذي سببته الحرب في أوكرانيا. هذه الضغوط أثمرت وقف إطلاق النار الذي يستمر بشكل متقطع منذ أكثر من سنة.
هذا في الحقيقة إنجاز مهم، لكنه غير كاف من أجل التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب. الحوثيون يطالبون بالاعتراف بشرعيتهم وبتوزيع مناسب لموارد النفط والوظائف في الدولة ودفع الرواتب التي لم يتم دفعها منذ سبع سنوات لموظفي الدولة الذين بقوا في مناطق تحت سيطرتهم، والحفاظ على قوتهم العسكرية. السعودية، التي تجري المفاوضات نيابة عن حكومة اليمن، تطمح إلى إنهاء وجودها غير المجدي بسرعة في اليمن. هي تعتمد على أن الاتفاق مع إيران سيضمن أمنها، وتستطيع العودة إلى الانشغال بترميم علاقاتها مع الولايات المتحدة. ولكن كلما تقدمت المفاوضات يتبين أن اليمن نجح في التحرر من التدخل الدولي الذي حوله إلى ساحة للمعارك، لكنه سيواصل النزف بسبب النزاع الداخلي.
ليس فقط طلبات
الحوثيون الذين يطرحون الآن من موقع قوة، هم الذين قد يخربون المفاوضات، وتجري في أجزاء أخرى في اليمن صراعات قوة على مستقبل الدولة. حكومة اليمن تسيطر على نحو 55 في المئة من أراضي الدولة وعلى معظم حقول النفط. ويسيطرون أيضاً على ربع المناطق تقريباً، وتعمل إلى جانبهم قوة عسكرية وسياسية كبيرة أخرى وهي المجلس الجنوبي المؤقت، الذي شكلته الإمارات في 2017. يطمح “المجلس” إلى إقامة دولة مستقلة في جنوب اليمن، والسيطرة على مدينة عدن التي فيها ميناء. مؤخراً، وضح ممثلو المجلس بأن أي اتفاق يعطي تنازلات للحوثيين غير ملزم لهم، إذا لم يشمل إعطاء الاستقلال للأقاليم الجنوبية في الدولة.
مقابل اليمن “المهم”، لا يوجد للسودان حتى “راع” يتحمل مسؤولية العمل على إنهاء النزاع. وسيضطر إلى الوقوف في الدور بعد اليمن أو اختراع نزاع دولي لنفسه.