هآرتس: الخطاب عن مستقبل المنطقة ينال زخما، بدون إسرائيل

هآرتس – ليزا روزوفسكي – 15/10/2025 الخطاب عن مستقبل المنطقة ينال زخما، بدون إسرائيل
كلمات بسيطة غابت عن الخطابات المفعمة بالعاطفة، التي القاها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الامريكي دونالد ترامب على منصة الكنيست – الدولة الفلسطينية. في الواقع هذه الكلمات غابت عن جميع الخطابات المطولة التي القيت بعد ظهر ذلك اليوم في الكنيست، بما في ذلك خطاب رئيس المعارضة يئير لبيد، الذي ظهر وكانه نسخة طبق الاصل من خطاب نتنياهو، مع اختلاف طفيف.
ولكن في حين ان ترامب لم يذكر الدولة الفلسطينية لانه يدرك جيدا معارضة نتنياهو للفكرة، فانه يمكن التقدير بانه وراء تجاهل نتنياهو لهذا الموضوع توجد بالتحديد الرغبة في عدم تكدير الاجواء قبل سفر الصديق العزيز دونالد ترامب الى القمة في شرم الشيخ. ربما ان ترامب كان يمكنه السماح لنفسه بوهم ان “السلام في الشرق الاوسط” أمر ممكن بدون التطرق الى تقرير المصير للفلسطينيين. ولكن نتنياهو يعرف جيدا أن هذا ليس خيارا، بالتاكيد بعد 7 اكتوبر والسنتين اللتان مرتا في اعقابه.
ايضا زعماء الدول العربية والاسلامية والاوروبية الذين اجتمعوا في شرم الشيخ يعرفون ذلك جيدا. ولكن في هذه المرحلة فان الجميع يركزون على “الحفاظ على الزخم” والتعهد بانتقال سلس بقدر الامكان بين المرحلة الاولى، “البسيطة” نسبيا، في خطة ترامب التي تتكون من 20 نقطة، وبين المرحلة الثانية، الغامضة والمليئة بالثغرات. الاعلان المشترك الذي وقع عليه ترامب والرئيس المصري والرئيس التركي وامير قطر تمت صياغته بشكل غامض وعام، مع اشارات ضمنية الى “سلام دائم” ينعم به الاسرائيليون والفلسطينيون بالازدهار مع الحفاظ على حقوقهم وضمان امنهم وصيانة كرامتهم.
من ناحية الدول التي شاركت في القمة في مصر فان اهم جزء في الوثيقة هو التوقيع نفسه. فقد اصبحت الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا ضامنة ومسؤولة بالفعل عن تنفيذ الاتفاق بين اسرائيل وحماس – أي انها قد تولت زمام الاتفاق، حيث تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية كبح جماح اسرائيل بينما تتحول الدول الاخرى مسؤولية كبح حماس – وقد صرح بذلك المراسلين الامريكيين الرفيعين اللذين قدما احاطة للمراسلين عشية التوقيع على الاتفاق. وحسب ما ذكر فان دور الادميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية الذي سيدخل الى الصورة في غزة وسيخصص 200 جندي لذلك والذين من غير المتوقع دخولهم شخصيا الى القطاع، هو الرقابة. “من اجل التاكد من عدم وجود اختراق أو تسلل” لان “الجميع يقلقون من الطرف الآخر. وحسب المسؤولين فان تعيين كوبر “اعطى الكثير من الثقة للدول العربية”، التي نقلت حتى لحماس رسالة تقول بان ترامب “يقف بقوة وراء ضماناته والتزاماته، ان لا يقوم أي أحد باعمال هجومية”.
هذه الشخصيات الرفيعة تطرقت في الاحاطة الى نزع “البنية العسكرية التحتية والسلاح الثقيل” من غزة، وهذا اشارة اخرى الى ما يتوقع ان يحدث، وللدقة، الى ما يوجد شك كبير في ان يحدث، “نزع سلاح حماس بشكل كامل”. من سينشغل في نزع السلاح أو أن يتحمل الرقابة على ذلك، حسب هذه الشخصيات الرفيعة، هو قوة الاستقرار الدولية. التشكيلة الكاملة غير واضحة حتى الآن. ولكن حسب اقوال هذه الشخصيات الامريكية الرفيعة فقد اصبح من الواضح أن الدول التي توسطت في المفاوضات في الاسبوع الماضي ووقعت على الاعلان في شرم الشيخ أول أمس – مصر، قطر وتركيا – سترسل قوات الى غزة. ربما تنضم الامارات ايضا اليها، كما قالت هذه الشخصيات الرفيعة.
مصدر مطلع على السياسة في المنطقة قال لـ “هآرتس” بانه من غير المعقول ان دولة اتحاد الامارات سترسل قوات عسكرية الى غزة، لكنها بلا شك ستواصل المشاركة بشكل واسع في الجهود الانسانية والمدنية في القطاع. ربما، حسب اقوال المصدر، ستلعب دور مهم ايضا في اصلاح جهاز التعليم في غزة من اجل نزع التطرف منه.
“لا اعتقد ان الوضع في غزة يتوقع ان يشبه الوضع في لبنان، هناك حزب الله موجود تحت ضغط شديد في الداخل من اجل التقدم نحو نزع سلاحه، رغم ان اسرائيل تستمر في مهاجمته”، قال يو لوبيت، زميل كبير في برنامج الشرق الاوسط وشمال افريقيا في معهد ابحاث المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية (أي.سي.اف.آر). “في حين ان حكومة اسرائيل بالتاكيد ترغب في سيناريو يمكنها من استخدام الضغط على حماس دبلوماسيا وعسكريا في نفس الوقت لاجبارها على نزع سلاحها بالكامل، أنا لا اعتقد ان هذا من ضمن الاوراق”. وحسب اقواله فان حماس من ناحيتها “منفتحة” على نزع سلاحها الهجومي، أي الصواريخ والانفاق الهجومية، ولكنها لن توافق على نزع سلاحها الخفيف، في حين أن الدول المستعدة لتقديم جنود لقوة الاستقرار غير مستعدة لمواجهة حماس عسكريا. بكلمات اخرى، حماس ستواصل الاحتفاظ بقوة ونفوذ كبيرين في القطاع. وسيبقى السؤال المفتوح حول كيفية استغلال هذه القوة والنفوذ في المستقبل مثل اسئلة كثيرة اخرى تتعلق بمستقبل غزة.
اسرائيل يمكن ان تحاول الحصول على التشجيع من الصيغة اللاذعة لاعلان شرم الشيخ، الذي ينص على ان الشرق الاوسط لا يتحمل “دوامة حروب متواصلة ومفاوضات متعثرة وتطبيق جزئي أو انتقائي للشروط التي تم الاتفاق عليها”. حتى لو أنه كان من المستحيل تحقيق انتصار كامل على حماس، مثلما حذر كثيرون، فان حماس تحت اشراف تركيا وقطر ودول عربية واسلامية اخرى قد تكون في سيناريو متفائل مختلفة. المؤكد هو انه اضافة الى اسرائيل فانه توجد قوى اخرى في الشرق الاوسط، بما في ذلك الامارات، تهتم بأن تكون حماس مردوعة وضعيفة، وسيكون الصراع العربي والاسلامي في غزة حول هذه القضية من بين امور اخرى.
القمة في شرم الشيخ، اضافة الى القمة المتواضعة اقل التي تم عقدها في باريس على مستوى وزراء الخارجية، هي الحلقة الاولى في سلسلة قمم ولقاءات كثيرة، يتوقع عقدها في الاشهر القادمة، التي ستتناول مستقبل غزة وحل الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين. اذا لم تغير اسرائيل المسار فان معظمها سيعقد بدون مشاركتها.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اعلن في شرم الشيخ بان مصر ستستضيف في القريبة قمة اعمار قطاع غزة وفقا لخطة ترامب، ويتوقع أن يستضيف الاتحاد الاوروبي لقاء لمجموعة “المانحين لفلسطين” التي تهدف الى انقاذ السلطة الفلسطينية من الانهيار وتمكينها في نهاية المطاف من تولي المسؤولية في قطاع غزة ايضا. الدول الاوروبية والدول العربية الرائدة ستحرص على عدم تجاهل مسألة تدريب السلطة الفلسطينية على السيطرة في غزة، ولن تسمح بالغاء حل الدولتين حتى لو ان نتنياهو وورثته المحتملين تجاوزوه بتحد، وحتى لو تم اسكات الاصوات في اسرائيل التي تدعو الى اقامة دولة فلسطينية “بالفعل”، الامر الذي تجلى حسب ترامب في قيام رئيس الحكومة امير اوحانا باخراج عضو الكنيست ايمن عودة وعوفر كسيف من القاعة، وهما يحملان لافتة “يجب الاعتراف بفلسطين”.
ترامب قال ان الهجوم الامريكي في ايران ازال في الاتفاق الذي تم التوقيع عليه “غيمة”. ولكن غيوم اخرى ما زالت تحلق فوق نتنياهو وتطارده وتقيد خطوات اسرائيل: غيمة مجزرة غزة التي تستمر منذ سنتين وغيمة الدولة الفلسطينية غير المتحققة. مصادر دبلوماسية قالت للصحيفة بان دعوة نتنياهو الى مصر من قبل السيسي كانت جادة وأنه تم الاستعداد لها. وحسب نفس المصادر فان التقارير حول زيارة محتملية لرئيس اندونيسيا برابو سوبيانتو لاسرائيل كانت ايضا مبنية على نية جيدة. ولكن هذه النوايا الحسنة تلاشت، ومهما كانت الذريعة الظرفية فان هذه النهاية هي الاسباب الاساسية: يتم النظر الى نتنياهو كمجرم يديه ملطخة بالدماء في العالم العربي والاسلامي، وطالما انه غير مستعد للتحدث عن الدولة الفلسطينية فانه لا مبرر لقادته لبدء حوار معه. وبينما اسرائيل تبقى خارج غرف المفاوضات الهامة حول مستقبل المنطقة فان مصيرها سيبقى تحت رحمة ترامب واصدقاءه، بما في ذلك اردوغان وامير قطر.



