ترجمات عبرية

هآرتس: الحكم العسكري في قطاع غزة له ثمن باهظ

هآرتس 10/9/2024، يوئيل زنغرالحكم العسكري في قطاع غزة له ثمن باهظ

عندما قامت اسرائيل بالسيطرة على القطاع في 1967 سارعت الى اقامة حكم عسكري هناك، مثلما فعلت في كل المناطق التي احتلتها في الحرب. على رأس جهاز الحكم العسكري وقف قائد المنطقة، وقطاع غزة تم تقسيمه الى محافظات يقف على رأس كل واحدة منها قائد. في اطار الحكم العسكري عملت ايضا ادارة مدنية، وقف على رأسها موظفون من اسرائيل، لكن الاغلبية كانت تتكون من موظفين فلسطينيين الذين عملوا في معظمهم في السابق في الادارة المدنية في القطاع. على الفور عند بداية الاحتلال وحسب تعليمات القضاء الدولي فان قائد المنطقة أخذ كل صلاحيات الحكم التي كانت قبل ذلك من قبل الحكومة المصرية وخول معظمها لموظفي الحكم الاسرائيلي، رجال الجيش والمدنيين الذين عملوا تحته.

الحكم العسكري الاسرائيلي بقي في هذا الاطار حتى العام 1994، بعد ذلك تم نقل معظم الصلاحيات للسلطة الفلسطينية وفقا لاتفاق اوسلو. بالمناسبة، ايضا عندما احتلت اسرائيل قطاع غزة 1956 في عملية “كديش” فقد اقامت حكم عسكري عمل الى حين استكمال الانسحاب من شبه جزيرة سيناء في العام 1957. في المقابل، بعد أن احتل الجيش الاسرائيلي القطاع في حرب “السيوف الحديدية” لم تقم اسرائيل باقامة في المنطقة حكم عسكري، ووزير الدفاع يوآف غالنت اعلن في 15 أيار 2024 بأن اسرائيل يجب عليها أن تمتنع عن اقامة مرة اخرى حكم عسكري في المنطقة “في اليوم التالي”، وبدلا من ذلك يجب عليها الدفع قدما ببديل آخر للحكم. وكما كتب بار بيلغ ويونتان ليس (“هآرتس”، 15/5)، هكذا برر غالنت موقفه الذي يبدو أنه يمثل موقف جهاز الامن ايضا: حكم عسكري اسرائيلي في غزة سيصبح الجهد الامني الرئيسي لاسرائيل في السنوات القادمة على حساب جبهات اخرى، وسيكلف الدماء والضحايا وسيستدعي ثمن اقتصادي باهظ”.

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يسعى الآن الى اقامة سيطرة عسكرية اسرائيلية في قطاع غزة، حتى بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي في اعقاب اتفاق مع حماس، هذا اذا تم في أي يوم التوصل الى مثل هذا الاتفاق، أو بشكل احادي الجانب كما حدث في العام 2005.

كما حلل الوف بن (“هآرتس”، 21/8) فان هذا الهدف يتبين من مطالبة نتنياهو التي لا هوادة فيها الاحتفاظ بالسيطرة في محور فيلادلفيا وممر نتساريم في “اليوم التالي”. معنى الحفاظ على سيطرة اسرائيل في غزة في “اليوم التالي”، مثلا عن طريق السيطرة على محور فيلادلفيا وممر نتساريم، هو أن كل المنطقة ستبقى محتلة من قبل اسرائيل حتى لو قام الجيش الاسرائيلي بسحب معظم قواته من هناك، لأن الاختبار القضائي الذي يحدد المنطقة اذا كانت منطقة محتلة، هو اختبار منطقي ويتعلق بسؤال واحد هو هل يوجد للجيش الاجنبي، الجيش الاسرائيلي في هذه الحالة، سيطرة ناجعة على الارض.

لا توجد حاجة الى أن يتواجد الجيش في كل نقطة على الارض من اجل اعتبار هذه المنطقة محتلة، يكفي أن يسيطر على عدد من الاماكن الاستراتيجية على الارض أو في محيطها، وهكذا يمنع أي قوة عسكرية اخرى من السيطرة عليها. منذ اللحظة التي تعتبر فيها أي منطقة منطقة محتلة تسري عليها احكام القانون الدولي التي تتناول الاحتلال العسكري (أو السيطرة الحربية) حسب تعبير القضاء الرسمي.

هذه الاحكام ترتكز في الاساس على ميثاق جنيف الرابع حول حماية المدنيين في فترة الحرب من العام 1949، الذي في اساسه هذه المهمة ملقاة على الاحتلال من اجل اعادة النظام الى ما كان عليه والاهتمام بالاحتياجات للمدنيين في المنطقة المحتلة (اسرائيل قالت حتى في العام 1967 بأنها بسبب مطالبتها بالسيادة في الضفة الغربية وغزة فان هذه المناطق غير محتلة وميثاق جنيف لا يسري عليها، لكنها تعهدت للمجتمع الدولي بأن تعمل فيها وفقا للتعليمات الانسانية في الميثاق).

هل يوجد أي تناقض بين نية رئيس الحكومة الحفاظ على سيطرة اسرائيل عسكريا في قطاع غزة، أي مواصلة احتلال المنطقة في “اليوم التالي” وبين تطلع وزير الدفاع الى عدم اقامة حكم عسكري في المنطقة؟.

كالعادة الجيش المحتل يقوم بانشاء حكم عسكري في المنطقة المحتلة من اجل التسهيل على تطبيق الواجبات القانونية الملقاة عليه. ولكن لا يوجد واجب فعل ذلك، شريطة أن ينفذ المحتل الواجبات حسب القانون الدولي بهذا الشكل أو ذاك. على سبيل المثال، في حرب لبنان الاولى في 1982 احتل الجيش الاسرائيلي مناطق واسعة في لبنان، وانسحب منها نهائيا فقط في العام 2000. في فترة الـ 18 سنة هذه لم ينشيء الجيش الاسرائيلي هناك حكم عسكري في اراضي لبنان التي تم احتلالها. هذا الامر مكنه بالاساس لأنه في كل تلك الفترة الحكومة في لبنان استمرت بتوفير احتياجات السكان في المنطقة المحتلة بدون ازعاج من قبل الجيش الاسرائيلي، وحتى بتشجيع منه.

لكن حكم غزة ليس مثل حكم لبنان في حينه. في غزة لا توجد الآن حكومة شرعية يمكنها الاستمرار بتوفير احتياجات السكان.

مثال آخر هو المناطق ب في الضفة الغربية، التي فيها حسب اتفاق اوسلو الجيش الاسرائيلي استمر في السيطرة الامنية، لكنه سحب الحكم العسكري ونقل للسلطة الفلسطينية المسؤولية عن الشؤون المدنية. لكن مرة اخرى ليس حكم غزة مثل حكم المناطق ب في الضفة بسبب معارضة نتنياهو ادخال السلطة الفلسطينية الى غزة (“أنا غير مستعد لاستبدال حماستان بفتحستان”). 

توجد امام اسرائيل ثلاثة احتمالات. اذا كانت تريد القاء المسؤولية القانونية عن نفسها للاهتمام بكل احتياجات سكان القطاع، بما في ذلك المسؤولية عن التعليم المنظم في المدارس وترميم المستشفيات وتوفير الغذاء والكهرباء والمياه، فانه يجب على اسرائيل استكمال الانسحاب الكامل من القطاع، ومحظور عليها السيطرة عسكريا على المنطقة، سواء بواسطة الحفاظ على السيطرة في محور فيلادلفيا وفي ممر نتساريم أو بطريقة اخرى. في هذه الحالة فان اسرائيل يمكنها القول بأنه لأن الاحتلال انتهى فانه لا يوجد أي واجب ملقى عليها لمعالجة شؤون السكان المحليين، شريطة أن لا تزعج جهات اخرى في القيام بذلك.

في المقابل، اذا اعتقدت اسرائيل أنه يجب عليها الاحتفاظ بالسيطرة العسكرية في القطاع فانه يجب عليها أن معالجة شؤون السكان المدنيين في المكان وفقا لميثاق جنيف. اسرائيل يمكنها فعل ذلك عن طريق اعادة انشاء جهاز الحكم العسكري أو عن طريق العثور على بديل شرعي يكون مستعد لتحمل المسؤولية عن ادارة شؤون السكان المدنيين تحت ظل المسؤولية العسكرية العليا لاسرائيل.

الواضح هو أن اسرائيل لا يمكنها امساك العصا من الطرفين. أن تطالب بالاحتفاظ بالسيطرة العسكرية في المنطقة والتخلي عن المسؤولية القانونية التي تنبع من ذلك، أي معالجة السكان المدنيين. الحكومة لا يمكنها دفن الرأس في الرمل في هذا السياق، واذا فعلت ذلك فان يوم الحساب سيأتي بسرعة، سواء في المحكمة العليا في اسرائيل أو في واشنطن أو في لاهاي. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى