ترجمات عبرية

هآرتس: الحزام الناري الإيراني يضطر للمناورة بين مصالح متضاربة

هآرتس 30/8/2024، تسفي برئيل: الحزام الناري الإيراني يضطر للمناورة بين مصالح متضاربة

ناقلة النفط اليونانية سونيون، التي اصيبت في الاسبوع الماضي في هجوم للحوثيين، ما زالت مشتعلة في البحر الاحمر. الخوف الشديد الآن هو من أنه اذا لم تنجح قوات المساعدة التي تم ارسالها في السيطرة على الحريق فان حوالي 150 الف طن من النفط الخام يمكن أن تتسرب الى البحر وتتسبب باحدى الكوارث الكبيرة التي حدثت عبر التاريخ.

الحوثيون الذين هددوا في البداية بضرب سفن الاطفاء والسحب التي سترسل للسفينة، وافقوا أمس (بعد تدخل دولة ثالثة) على السماح بسحبها، لكنهم اوضحوا بأن الحديث لا يدور عن وقف لاطلاق النار وأن الهجمات على السفن التي تمتلكها اسرائيل أو التي تشق الطريق الى ميناء ايلات ستستمر في أن تكون اهداف.

الحوثيون ربما هم الفرع الايراني الاكثر تعقيدا للسيطرة عليه من قبل ايران، التي هي في الواقع الدولة الوحيدة في العالم التي تعتبر بسلطة الحوثيين وحتى أنها في هذا الاسبوع قامت بتعيين سفير جديد لديهم (سلفه توفي بمرض الكورونا حسب رواية ايران الرسمية؛ وحسب رواية اخرى فقد قتل في قصف لقوات التحالف). ولكن هذه العلاقات الدبلوماسية لا تدل على الخضوع السياسي أو العسكري الكامل لزعيم الحوثيين عبد المالك الحوثي للنظام في طهران أو لتعليمات قائد “قوة القدس” في حرس الثورة الايراني اسماعيل قاءاني. “النموذج الحوثي”، أو ما يسمى “الحزام الناري” الايراني، يختلف في جوهره عن “الفرع” العراقي الذي يعمل بواسطة المليشيات الشيعية، وبالتأكيد الفرع اللبناني الذي يسيطر عليه حزب الله. 

خلافا لحزب الله والمليشيات في العراق فان ابناء قبيلة الحوثيين ليسوا مركب طبيعي فيما يسمى المحور الشيعي، حيث أن التيار الزيدي الذي ينتمون في معظمهم اليه يعتبر انحرافا عن الشيعة. الكثير من المؤمنين الزيديين يعارضون التفسير الديني لفقهاء الشريعة الذي يستند اليه الحوثي وطموحاته كي يؤسس في الدولة نظام شيعي حسب النموذج الايراني، الذي يكون فيه الزعيم السياسي الاكبر هو نفسه الزعيم الديني الاكبر. في بداية حربهم ضد النظام في اليمن الذي اقيم في اعقاب “الربيع العربي”، وبعد عزل الرئيس علي عبد الله صالح، فان ايران لم تعتبرهم حتى ذلك الحين عامل يمكن أن يخدم مصالحها ويشكل ذراع تنفيذي آخر في دائرة التهديد الاقليمية التي تطمح لتأسيسها. حسب تقارير نشرت في السابق في ايران فانه حتى طهران حاولت اقناع الحوثيين بعدم السيطرة على العاصمة صنعاء، التي قاموا باحتلالها في العام 2014.

سؤال هل زعيم الحوثيين توجهه ايديولودجيا ايران ما زال يشغل الكثير من الباحثين والمحللين. فمن جهة هم يشيرون الى الشعارات التي يرفعها ضد الولايات المتحدة واسرائيل، التي تشبه الشعارات التي تسمع في ايران. وهم يشيرون ايضا الى طموحه ليصبح الزعيم الاعلى حسب النموذج الايراني. في المقابل، هو لا يتحدث عن “تصدير الثورة الاسلامية”، الهدف الذي صاغة آية الله روح الله الخميني. انضمام الحوثيين لـ “وحدة الساحات” و”جبهة المساندة” لحماس في الحرب في غزة، يمكن أن يعتبر موقف ايديولوجي، على الاقل من ناحية اعلانية، لكن ليس اقل من ذلك هو يوفر للحوثي اداة سيطرة ومبرر لسرقة موارد الدولة “من اجل الهدف” وتجنيد الجنود لجيشه. الاكثر اهمية من ذلك هو أن سيطرة الحوثيين على الملاحة البحرية في البحر الاحمر والاضرار الكبيرة التي تسببوا بها لدول المنطقة (بالاساس مصر) والاقتصاد العالمي، الى جانب مواجهتهم للتحالف العسكري الدولي، كل ذلك يعطي الحوثي مكانة نجم اعلى، كرئيس الفرع الوحيد في “الحزام الناري” الذي يدير حرب مباشرة، ليس فقط ضد اسرائيل مثل حزب الله، بل ضد الولايات المتحدة و”الكولونيالية العالمية”.

الحوثي ليس قائد مليشيا، هو يقف على رأس الدولة الوحيدة التي تدير حرب نشطة ومكشوفة وعلنية ضد اسرائيل وامريكا. هو يستند في الحقيقة على الدعم العسكري، السلاح والتكنولوجيا من ايران، لكنه غير مرتبط بتمويل من ايران. فمدخولاته هو ينتجها بنفسه. هو يجبي مئات ملايين الدولارات بواسطة تصدير النفط في ميناء الحديدة، الذي يستمر في العمل رغم اسرائيل قامت بقصفه في شهر تموز الماضي؛ ويجبي رسوم وضرائب كما يشاء، وسيطرته على جهاز القضاء تعني السيطرة على تسجيل الاراضي والعقارات؛ ايضا اقام بنك مركزي يوازي البنك المركزي لحكومة اليمن المعترف بها؛ ولأنه يجري المفاوضات مع السعودية حول انهاء الحرب في اليمن، فقد حقق تنازل سعودي مهم: حكومة اليمن المعترف بها، التي تمولها السعودية، ستقوم بدفع رواتب الموظفين والمعلمين المسجلين في قائمة الكادر الحكومي ولكنهم يعملون فعليا في المناطق التي توجد تحت سيطرة الحوثيين.

لكن القوة الكبيرة التي راكمها الحوثي، اضافة الى الاستقلال السياسي والاقتصادي، ليست بالضرورة تنبع من قوة ايران. وهي ايضا يمكن أن تضر بمصالحها. حيث أنه في الوقت الذي فيه تطمح ايران الى تحسين علاقاتها مع دول المنطقة وتطوير علاقاتها الاقتصادية مع السعودية، العدوة لدولة الحوثيين، واستئناف علاقاتها مع مصر التي تضررت بسبب نشاطات الحوثيين في البحر الاحمر، فانها لا تستطيع ضمان أن زعيم الحوثيين سيتنازل عن اهدافه لصالح الاهداف الايرانية. الحوثيون في الحقيقة يعتبرون انفسهم ملزمين بـ “وحدة الساحات”، لكن من غير المعروف كيف سيتصرفون اذا تم تحقيق وقف اطلاق النار في غزة، وما اذا كانوا سيقومون بتبنيه كما تعهد حزب الله بفعل ذلك.

علامة استفهام مشابهة تحلق فوق سلوك من يشملهم المفهوم الواسع “المليشيات الشيعية” في العراق. هذه المليشيات تعمل في اطار “الحشد الشعبي”، وهو تنظيم نشأ في 2014 لمواجهة داعش وعلى خلفية ضعف الجيش العراقي وفشله في صد هذا التنظيم. ايضا الكثير من السنة انضموا اليها. هذه المليشيات لا تشكل نفس الشيء. بعضها مخلصة لفقيه الشيعة في العراق علي آية الله السيستاني، المعارض لايديولوجيا ايران وطريقة الحكم في ايران. مليشيات اخرى توزع الولاء بين سياسيين شيعة الذين يوفرون لها الدعم السياسي، وبالاساس التمويل. المليشيات المشمولة في مفهوم “الحشد الشعبي” هي جزء لا يتجزأ من قوات الامن العراقية، وحسب ميزانية 2023 هي تعد 238 ألف جندي وتحصل على ميزانية بمبلغ 2.6 مليار دولار.

هذه فقط شرحة واحدة من منظومة كاملة للمداخيل غير القانونية التي تحصل عليها هذه المليشيات. ففي عشر سنوات وجودها اصبحت قوة اقتصادية كبيرة وسيطرت على موارد الدولة. البعض منها يسيطر على آبار نفط ومشاريع للبنى التحتية ومعابر حدودية، التي هي المسؤولة فيها عن جباية الضرائب. قادتها والسياسيون الذين يؤيدونها يوجد لهم مئات الشركات الخاصة والعقارات، والاعضاء فيها اصبحوا المسؤولين عن الحماية ويأخذون رسوم الحماية من المشاريع الخاصة ويسيطرون على عدد من البنوك ويفرضون رسوم غير قانونية ويديرون اجهزة قضاء “خاصة” ويحصلون على اموال طائلة من العطاءات الحكومية التي هي على مقاسهم. الجنرال العراقي المتقاعد حامد محمدي قال في موقع “ميديا لاين” الامريكي: “هذه المليشيات لم تحارب في أي يوم من اجل المباديء. هي ليست جيش بل مرتزقة”. وقال ايضا بأن ايران تعودت على أن تدفع لمقاتلي المليشيات المخلصين لها 400 دولار في الشهر لكل واحد، وأنه اليوم يمكنهم كسب آلاف الدولارات من العمل في الاعمال الخاصة للمليشيات. 

الى أي درجة تخدم المليشيات مصالح ايران؟ المليشيا الكبيرة “بدر” برئاسة وزير المواصلات السابق وعضو البرلمان هادي العامري، هددت بمهاجمة الاهداف الامريكية عند اندلاع الحرب في غزة، لكنها بالفعل لم تشارك في الهجمات رغم أنها “مخلصة” لايران. قيس خزعلي وهو زعيم مليشيا “عصائب اهل الحق” اتهم من قبل قادة مليشيا حزب الله في العراق بـ “عدم الشجاعة وخيانة قيم الاسلام” بسبب أن المليشيا لم تشارك في الهجمات منذ بداية الحرب، وهي ليست المليشيا الوحيدة التي “غابت” عن الجبهة. 

هناك ايضا قضية الخضوع. ففي بداية شهر شباط جاء قائد “قوة القدس” قاءاني الى بغداد كي يأمر المليشيات بالتوقف عن مهاجمة الاهداف الامريكية، بعد أن قامت الولايات المتحدة بمهاجمة قواعد مليشيا “حزب الله العراق” وهددت بتوسيع الهجمات بعد مهاجمة القاعدة الامريكية في الاردن في كانون الثاني. حسب تقارير عراقية فان بعض قادة المليشيات ابلغوا قاءاني بأنهم غير مستعدين للخضوع لهذا الامر، وآخرون قالوا إنهم من البداية لم يهاجموا اهداف امريكية ولن يفعلوا ذلك. في نهاية الامر قامت المليشيات بوقف اطلاق النار. هذه ليست المرة الاولى التي فيها يوضح قادة مليشيات تؤيد ايران لقاءاني بأن خضوعها غير تلقائي. في نيسان 2022، بعد اربعة اشهر على تصفية قائد قوة القدس السابق قاسم سليماني، جاء قاءاني الى بغداد لابلاغ قادة المليشيات التابعة له بأن ايران تنوي تقليص التمويل لهم، وأنه يجب عليها الاعتماد على ميزانية العراق ومداخيلهم الثانوية. في المكان تقريبا اندلع تمرد.

خلافا لفرع اليمن الذي فيه “الدولة” هي القوة العسكرية التي يمكن أن تخدم ايران، فان الحكومة العراقية ورئيسها محمد السوداني يجرون المفاوضات مع الولايات المتحدة حول الانسحاب الكامل للقوات الامريكية من العراق. هذه مصلحة واضحة لايران، تضاف الى الخوف من اقامة تحالف امريكي – سعودي تشارك فيه اسرائيل، الذي سيتعزز ازاء تواجد امريكا الكثيف في الشرق الاوسط. تحقيق هذه المصلحة لا يتساوق مع هجمات المليشيات ضد الاهداف الامريكية، التي يمكن أن تعمل على تأخير الانسحاب.

تضارب المصالح هذا يمكن أن تضاف اليه تصريحات الرئيس الايراني الجديد، مسعود بزشكيان، التي بحسبها ينوي اقامة قناة دبلوماسية، في البداية مع الدول الاوروبية وبعد ذلك مع امريكا من اجل رفع العقوبات عن ايران. من غير الواضح حتى الآن طبيعة هذه الجهود الدبلوماسية، لكنها بالتأكيد ستجد صعوبة في التحقق الى جانب هجمات مليشيات مؤيدة لايران في العراق على الاهداف الامريكية، أو عملية “ثأر” لايران ضد اسرائيل التي يمكن أن تورط الولايات المتحدة بشكل مباشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى