ترجمات عبرية

هآرتس: الحرب تواصل جباية ثمن باهظ والخلافات على أهدافها لم تعد خفية

هآرتس 17/5/2024، عاموس هرئيل: الحرب تواصل جباية ثمن باهظ والخلافات على أهدافها لم تعد خفية

في منتصف الشهر الثامن للحرب فان وضع إسرائيل آخذ في التعقد، في قطاع غزة المواجهة مع حماس بعيدة عن الحسم رغم علاقات القوة العسكرية التي تميل بصورة واضحة لصالح الجيش الإسرائيلي؛ على الحدود مع لبنان ازداد تبادل اللكمات مع حزب الله وموعد عودة المخلين الذي يبلغ عددهم تقريبا 60 ألف شخص منذ تشرين الأول لا تلوح في الأفق؛ والخلافات في الرأي في داخل الحكومة حول استمرار الحرب تجري بشكل علني الآن أمام انظار الجمهور؛ في حين أن صفقة المخطوفين في حالة جمود عميقة، إزاء الفجوات في المواقف بين الطرفين وتقدير حماس بأنها تستطيع أن تستغل لصالحها الشرخ الداخلي في إسرائيل. الشرخ السياسي في القيادة العليا، الى جانب الخسائر المتجددة، يعرض للخطر دعم الجمهور لاستمرار الحرب. وحتى أن الازمة يمكن أن يتم تفسيرها من قبل ايران وحزب الله كفرصة للقيام باستفزازات جديدة بعد هجوم الصواريخ والمسيرات من ايران غير المسبوق في الشهر الماضي.

وزير الدفاع، يوآف غالنت، بقي يغلي منذ فترة طويلة، وهذا كان واضحا في الانتقادات التي وجهها مساء أمس. النقاشات في المجلسين في الأسابيع الأخيرة كانت عاصفة، ورغم الفجوات في المواقف والاحتكاكات الشخصية إلا أن تجمع غالنت – بني غانتس – غاي ايزنكوت تبلور مرة أخرى كوزن مضاد للخط الذي يقوده محور رئيس الحكومة. بنيامين نتنياهو، كجزء من الصراع على بقائه وطبقا لطلبات شركائه في اليمين المتطرف، صمم على التقدم نحو رفح ورفض اظهار أي مرونة حقيقية في المفاوضات على المخطوفين (حماس أيضا اتخذت موقف حازم).

الوزراء الثلاثة ورئيسا الأركان السابقين، أحدهما تقريبا اوشك على أن يكون هكذا، فضلوا محاولة الدفع قدما في البداية بصفقة المخطوفين. وقد حذروا من التوجه لاحتلال رفح إزاء الخلاف الشديد مع الولايات المتحدة وأكدوا على الحاجة الى وضع هدف سياسي للحرب – تسوية تندمج فيها السلطة الفلسطينية في السيطرة على القطاع اذا تمت وبحق هزيمة حماس وانسحب الجيش الإسرائيلي منه. يشارك مواقف هؤلاء الثلاثة عدد من أعضاء الكنيست من الليكود، ولكنه ليس لديهم الشجاعة من اجل الانضمام بشكل علني للانتقاد الموجه لنتنياهو.

الدافع الأساسي لتصريح غالنت يكمن في الخلاف حول مسألة إقامة حكم عسكري إسرائيلي بحيث يدير القطاع بدلا من حماس. ومهما ظهر هذا الامر خطير إلا أن ذلك هو الفكرة التي يناقشها نتنياهو الآن. لقد دخل الى صورة الاحداث مؤخرا لاعب رئيسي جديد، الجنرال رومان غوفمان، السكرتير العسكري الجديد لرئيس الحكومة. غوفمان هو ضابط متميز، عمل كقائد لقاعدة تساليم وأصيب إصابة بالغة في 7 أكتوبر عندما هب للمساعدة في صد الهجوم على الغلاف. في الوقت الذي كان فيه يتعافى من اصابته شغل بشكل مؤقت منصب رفيع في قسم منسق اعمال الحكومة في المناطق. وكما نشر في “اخبار 12″، حيث كتب هناك وثيقة، التي وصلت الى نتنياهو، فيها اقتراح لاقامة حكم عسكري مؤقت في القطاع كحل بديل لحماس. 

كرأي مهني يمكن رؤية في اقتراح غوفمان فكرة تبرر النقاش. ولكن نتنياهو يدفع بهذا الاقتراح لاعتباراته الخاصة. ومفهوم أن هذه الفكرة راقت أيضا لرؤساء أحزاب اليمين المتطرف في الائتلاف، ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. بالنسبة لهم لا يوجد أمر ثابت أكثر من المؤقت (كما ثبت في قضية البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية)، وهكذا أيضا سيتم تمهيد الطريق لاعادة إقامة المستوطنات في القطاع. تصريح غالنت استهدف بشكل كبير تقويض هذه الخطوة.

اعتبار آخر حرك وزير الدفاع يرتبط بالإحباط العميق في الجيش من قرار ارسال قيادة فرصة الى منطقة رفح، من اجل السيطرة على الجزء الجنوبي الشرقي لمحور فيلادلفيا وعلى معبر رفح بدون مناقشة المعاني الاستراتيجية. ورغم أن الجيش حذر بشأن الحاجة الى الاتفاق مسبقا حول ما سيتم فعله في المعبر بعد السيطرة عليه، إلا أنه يبدو أنه لم يتم الاتفاق على أي شيء مع المصريين. تقدم القوات الى داخل رفح ما زال بطيء ومحدود إزاء معارضة أمريكا. ولكن إمكانية تعقد الاوضاع هناك ما زال كبيرا. الآن يبدو أن الجيش تقدم الى ما وراء الخطوط التي تم تحديدها مسبقا في الخطط التي عرضت على المستوى السياسي. الخطر يزداد أيضا في عمليات شمال القطاع، هناك تتراكم الخسائر للجيش الإسرائيلي. في بعض الحالات الامر يحدث من قبل الجيش: أول أمس قتل خمسة من المظليين في الخدمة النظامية بإصابة قذائف دبابات اطلقت بالخطأ من قوات قريبة. أيضا ثمانية جنود أصيبوا بينهم ثلاثة إصاباتهم بالغة. أمس نشر عن موت جندي احتياط في حادث عملياتي على حدود القطاع.

حادثة الدبابة حدثت اثناء عملية في جباليا في المنطقة التي دخل اليها الجيش الإسرائيلي للمرة الثالثة. في هذه المرة المقاومة التي تظهرها حماس هي مقاومة كبيرة وتشمل، ضمن أمور أخرى، اطلاق كثيف لصواريخ الـ آر.بي.جي، غير المسبوق في شمال القطاع في الأشهر الأخيرة. المسلحون الفلسطينيون منظمون نسبيا ويبدو أنهم يعملون كجزء من منظومة قيادة وسيطرة تشغلها حماس. صفوف حماس آخذة في الامتلاء من جديد، رغم أن المنظمة خسرت اكثر من 10 آلاف نشيط في الحرب حتى الآن (حسب بعض التقديرات فان حماس تكبدت حوالي 14 ألف قتيل وآلاف المصابين).

في “أمان” في الشباك يقولون أن هذا ليس صدفيا. فالشباب في القطاع لا يشخصون أي بديل لحماس ويتجندون في صفوفها بدلا من المخربين الذي قتلوا. الانضمام للمنظمة يضمن احتمالية افضل لبقاء العائلة حتى في ظل ظروف الحياة القاسية في القطاع.

السكان يفترضون أن حماس ستجتاز الحرب وستبقى في الحكم. غالنت، بدعم رؤساء أجهزة الامن، يطلب منذ نهاية تشرين الأول الماضي اجراء نقاش في المجلسين حول ترتيبات اليوم التالي. نتنياهو، الذي يحتفظ بصلاحية تحديد جدول الاعمال يرفض ذلك. اقتراح وزير الدفاع يشمل دخول تحالف دولي – عربي يشمل “فلسطينيين محليين” عيونهم تشخص نحو رام الله، وهي مصطلحات معقدة تهدف الى تجاوز فيتو نتنياهو الذي فرضه على مشاركة السلطة الفلسطينية.

بالاجمال، بالنسبة لغالنت ورؤساء أجهزة الامن، فان إسرائيل تبدد الاعتماد الذي راكمته العمليات العسكرية. حماس لم تهزم، بل هي تعيد بناء نفسها في المناطق التي قام الجيش الإسرائيلي باخلائها. وفي ظل غياب بديل سلطوي فان حماس من شأنها أن تتعزز. الإحباط يزداد، لأن المزيد من الجنود يقتلون في أماكن عاد اليها الجيش الإسرائيلي للمرة الثانية والثالثة، بدون أي جدوى أو هدف، باستثناء الوعود التي لا أساس لها لنتنياهو حول النصر المطلق. “هذه فتنمة حقيقية”، قال شخص يشارك في المشاورات الأمنية.

الجمود الاستراتيجي الإسرائيلي يخيب أيضا آمال الشركاء الاستراتيجيين. دولة الامارات التي عبرت عن الاهتمام بترتيبات اليوم التالي في القطاع، ومستعدة أيضا لتمويل إعادة الاعمار والمساعدة في خطط منع التطرف، لن تقترب من هناك طالما استمر الوضع الحالي. في حين أن الولايات المتحدة التي تحدثت في البداية عن سلطة فلسطينية محدثة، تضغط الآن على إسرائيل للموافقة على أي حل في القطاع باستثناء أن تنهي فقط القتال في القطاع والانسحاب منه. أمس تم في شمال القطاع افتتاح الميناء البحري الذي أقامه الجيش الأمريكي، وهو القرار الذي فرضته الإدارة الامريكية على نتنياهو، إزاء الصعوبات التي وضعتها إسرائيل على ادخال المساعدات الإنسانية الى القطاع.

تملص هاديء

في الحكومة وفي الإدارة الامريكية أيضا هناك من يتشككون في أن رفض نتنياهو السعي نحو ترتيبات لانهاء الحرب، لا يكمن فقط في الادعاء “المشروع” الذي بحسبه حماس لم تتكبد حتى الآن ضربة قاسية بما فيه الكفاية من اجل التمكين من اجراء نقاش حول اليوم التالي. الادعاء هو أن نتنياهو يحاول بطريقة ما كسب الوقت الى حين اخلاء الرئيس الأمريكي مكانه لدونالد ترامب، اذا فاز الأخير في الانتخابات القادمة في تشرين الثاني. هذه ستكون مقامرة على ركيزة ضعيفة. فترامب وجه انتقادات شديدة لإسرائيل في الأشهر الأخيرة وتشاجر بشكل شديد مع نتنياهو بعد أن اعترف الأخير بفوز بايدن في انتخابات 2020. الطريقة التي فيها الرئيس السابق مستعد للتخلي عن أوكرانيا في حربها ضد روسيا، ونظرته السلبية للناتو، يجب أن تقلق إسرائيل أيضا.

في هذه الاثناء نتنياهو ينجح في اغضاب الأمريكيين بسبب طريقة تعامله مع المساعدات الإنسانية للقطاع. من جهة، إسرائيل تتعهد للولايات المتحدة بعدم وضع العقبات على ادخال المساعدات (لا سيما عندما مصر تمنع دخول المساعدات من أراضيها احتجاجا على احتلال معبر رفح). ومن جهة أخرى، من داخل الائتلاف يشجع وزراء وأعضاء كنيست المليشيات المتطرفة في اليمين على مهاجمة وبعنف قوافل المساعدات في الضفة الغربية للتشويش على وصولها الى القطاع. وفي نفس الوقت الشرطة التي تخضع لبن غفير تنظر الى ما يحدث باهتمام اكاديمي.

بيان غالنت عكر اكثر العلاقات العكرة أصلا بينه وبين نتنياهو. من المرجح الافتراض أنه في ظروف أخرى كان نتنياهو سيحاول اقالته. ولكن رئيس الحكومة سبق واكتوى بذلك في آذار 2023 عندما خرج الجمهور الى الشوارع للاحتجاج على اقالة غالنت في ذروة ازمة الانقلاب النظامي، ونتنياهو اضطر الى التراجع عن الإقالة. في فترة الحرب فان اقالة وزير الدفاع يوجد لها وزن اكبر. اقالة غالنت وانسحاب غانتس وايزنكوت أو كلاهما ستوفر للامريكيين المبرر لزيادة الضغط السياسي على نتنياهو، وربما أيضا تسريع عمليات ضد إسرائيل في المحاكم في لاهاي. 

في الخلفية تقف أيضا ازمة قانون التجنيد. “المناورة البارعة” لنتنياهو أول أمس تبين بسرعة أنها مناورة نتنة. لا أحد، باستثناء بعض المحللين والمراسلين السياسيين، صدق مناورة نتنياهو عندما اعلن بأنه قرر تقديم مشروع القانون الذي بلوره غانتس كوزير للدفاع قبل سنتين تقريبا. غالنت اعلن أنه لن يدفع قدما بالقانون بصفته وزير الدفاع، وغانتس قال وبحق إن الزمن تغير والامر يحتاج الى قانون يطلب أكثر من الحريديين. مثله ايضا، لمبررات قانونية، تعتقد ذلك المستشارة القانونية للحكومة. 

هذه الأجواء غير الصحية ليست فقط من نصيب الحكومة. فالوضع في هيئة الأركان العامة ليس افضل. هذا ليس فقط الإحباط من تقدم الحرب ومشاعر الذنب حول ما حدث في 7 أكتوبر. فالجيش، حتى اكثر من منظمات هرمية أخرى، يدور حول تعييناته. أيضا في ظروف ازمة وطنية ومآسي شخصية فظيعة، وفي الوقت الذي ما زالت فيه هيئة الأركان تعيش الصدمة الجماعية، فان الضباط الكبار ما زالوا ينشغلون بقضية الترقيات والاقالات. 

على الفور بعد المذبحة كان الشعور العام يقول بأن الجميع، المستوى السياسي والمستوى الأمني، يجب عليهم الذهاب الى البيت إزاء كبر الكارثة والاخفاقات التي أدت اليها. هذا ليس ما حدث بالفعل. كما هو معروف نتنياهو رفض كليا أن يتحمل المسؤولية، والضباط الكبار وقيادة الشباك تحملوا المسؤولية بشكل علني، لكن حتى الآن لم يطبقوا ذلك فعليا باستثناء رسالة استقالة رئيس “أمان”، الجنرال اهارون حليفه، في الشهر الماضي (أيضا قائد المنطقة الوسطى يهودا فوكس قدم استقالته دون أي صلة باخفاقات الحرب).

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى