هآرتس: الجيش يسمح للعصابات بسرقة شاحنات المساعدات في قطاع غزة
هآرتس 11/11/2024، نير حسون وينيف كوفوفيتش: الجيش يسمح للعصابات بسرقة شاحنات المساعدات في قطاع غزة
الجيش الاسرائيلي يسمح لمسلحين فلسطينيين بسلب ونهب شاحنات المساعدات التي تدخل الى القطاع. مصادر في مؤسسات المساعدات يقولون بأن المسلحين من ابناء عائلتين معروفتين في رفح يقومون بمنع عدد كبير من الشاحنات التي تدخل الى القطاع في معبر كرم أبو سالم، بشكل ممنهج ومن خلال غض النظر المتعمد من قبل جنود الجيش الاسرائيلي. بعض منظمات المساعدات ترفض دفع رسوم حماية، وفي حالات كثيرة تبقى المواد في المخازن التي يسيطر عليها الجيش. المساعدات الانسانية التي تنقلها الشاحنات تشكل الاغلبية المطلقة من الغذاء والمعدات الحيوية للقطاع، التي توقفت التجارة الخاصة بها بصورة شبه مطلقة.
حسب اقوال المصادر فان سلب ونهب شاحنات المساعدات يعكس الفوضى المطلقة السائدة في القطاع نتيجة غياب سلطة مدنية يمكنها العمل. في المنظمات الدولية يقولون إن بقايا قوات الشرطة المحلية حاولت في عدة حالات العمل ضد هؤلاء السارقين لكنه تمت مهاجمتهم من قبل الجيش الاسرائيلي الذي يعتبرهم جزء من حماس. ايضا في المنظمات قالوا إن حل المشكلة بشكل يمكن المساعدات من الوصول الى السكان يقتضي وضع في القطاع قوة شرطة فلسطينية أو دولية – الخطوة التي حتى في المستوى السياسي وفي الجيش يرفضونها. في المستوى السياسي طلبوا القاء على الجيش المسؤولية عن توزيع المساعدات، لكن جهاز الامن يعارض ذلك.
مشكلة العصابات المسلحة فاقمت بشكل كبير سيطرة الجيش الاسرائيلي على معبر رفح، الذي استخدم حتى الآن كمحور اساسي لادخال البضائع الى القطاع. منذ تم وقف عمل المعبر على الحدود بين غزة ومصر دخلت معظم البضائع الى القطاع في معبر كرم أبو سالم، الذي سيطر المسلحون على منطقة قريبة منه. في الفترة الاخيرة زادت عمليات السطو الى درجة أن مقطع الطريق المؤشر عليها في خرائط نشرتها الامم المتحدة كـ “منطقة خطيرة جدا، بالاساس بسبب انهيار النظام المدني”.
الشاحنات تدخل الى القطاع في معبر كرم أبو سالم، تمر في منطقة يسيطر عليها الجيش الاسرائيلي في محور فيلادلفيا وبعد ذلك تتحرك شمالا نحو رفح، هناك يهاجمهما المسلحون. مصادر مطلعة على عملية نقل المساعدات قالت إن المسلحين يوقفون الشاحنات بواسطة حواجز ارتجالية أو بواسطة اطلاق النار على اطارات الشاحنات، بعد ذلك يطلبون من السائقين دفع “رسوم الحماية”، التي تبلغ 15 ألف شيكل. السائق الذي يرفض ذلك يتعرض لخطر الاختطاف أو السيطرة على الشاحنة وسرقة حمولتها.
الجهات التي تعمل في القطاع تقول إن هجمات المسلحين يتم تنفيذها تحت نظر قوات الجيش الاسرائيلي وعلى بعد مئات الامتار منهم. بعض منظمات المساعدات التي تمت مهاجمة شاحناتها توجهت للجيش الاسرائيلي بهذا الشأن، ولكنه رفض التدخل. في هذه المنظمات يقولون إن الجيش يمنعهم ايضا في السفر في شوارع اخرى تعتبر اكثر أمنا.
“أنا شاهدت دبابة اسرائيلية التي وقف على بعد 100 متر منها فلسطيني يحمل كلاشينكوف”، قال للصحيفة مصدر رفيع في منظمة دولية تعمل في القطاع. وحسب قول هذا المصدر فان “المسلحين يقومون بضرب السائقين ويأخذون كل المواد اذا لم يتم الدفع لهم. ومن اجل تجنب ذلك فان بعض منظمات المساعدات توافق على دفع رسوم الابتزاز هذه. الدفع يتم على الاغلب بواسطة شركة فلسطينية تعمل كوسيطة. وحسب عدد من المصادر فان جهات في قسم منسق اعمال الحكومة في المناطق، المسؤول عن المساعدات الانسانية، اوصت بالعمل عبر هذه الشركة.
“نحن جربنا كل شيء. اردنا السفر في طرق اخرى ولكن الجيش منع ذلك. حاولنا الوصول في الخامسة فجرا على أمل أن لا يكون السارقون هناك، لكن ذلك لم يساعد. وحتى حاولنا اجراء مفاوضات مع المسلحين والشرح لهم بأن هذا غذاء للناس، لكن ذلك ايضا لم يساعد”، قال المصدر الرفيع.
مصادر في جهاز الامن اكدت على أنهم في الجيش الاسرائيلي يعرفون هذه الظاهرة. وحسب قول هذه المصادر فانهم في المستوى السياسي فحصوا في السابق حتى القاء على العائلات التي ينتمي اليها هؤلاء المسلحون المسؤولية عن ادخال المساعدات وتوزيعها على السكان. هذا رغم أنه حسب اقوال هذه المصادر فان ابناء هذه العائلات كانوا مشاركين في الارهاب، وبعضهم حتى كان يتم تشخيصهم كأعضاء في منظمات متطرفة مثل داعش.
مصادر في الجيش اوضحت أنه في السابق كانت عدة حوادث فيها تمت مهاجمة المسلحين الذين قاموا بسلب الشاحنات، وفي اعقاب ذلك اصيب ايضا عاملون في منظمات المساعدة. هذه الاحداث أدت الى توجيه انتقادات شديدة في وسائل الاعلام الدولية، لذلك فانهم في الجيش يفضلون عدم المخاطرة بهجوم في منطقة الشاحنات. المصادر اضافت أنهم في الجيش يختارون مهاجمة المسلحين الذين يهاجمون الشاحنات فقط عندما يكون الحديث يدور عن رجال لحماس، وليس عن سارقين لا ينتمون لحماس.
منطقة السلب والنهب
على بعد كيلومتر تقريبا عن معبر كرم أبو سالم الى داخل القطاع، وقبل الاحياء الشرقية في رفح بقليل، توجد منطقة يسمونها في الجيش “منطقة السلب والنهب”. في هذه المنطقة جرت معظم الاحداث التي تم فيها سلب سائقو الشاحنات. الحديث يدور عن منطقة توجد تحت سيطرة الجيش الاسرائيلي العملياتية، الذي يوجد على بعد مئات الامتار عن الحواجز التي يضعها المسلحون على الشارع، واحيانا أقل من ذلك.
سلاح الجو يراقب المنطقة بواسطة المسيرات، ومراقبات الجيش الاسرائيلي يتابعن ما يحدث على الارض. جنود وضباط يعملون في القطاع قالوا بأنهم يعرفون عن اعمال السلب التي اصبحت حسب قولهم أمر روتيني. اثناء جولة لمراسلين مع الجيش الاسرائيلي في شمال القطاع مرت في المنطقة قافلة شاحنات للمساعدات التي كانت تشق الطريق نحو الجنوب. أحد الضباط قال للمراسلين بأنه “بعد 500 متر سيتم سلبها”. لا أحد من الجنود تفاجأ من ذلك.
منظومة المراقبات في الجيش الاسرائيلي وسلاح الجو ينفذون عملية الرقابة طوال اليوم وعلى المحاور اللوجستية التي قام الجيش الاسرائيلي بفتحها على طول القطاع، والتي تستخدمها قوافل المساعدات الانسانية. سائقو الشاحنات وممثلو المنظمات الدولية قالوا إن جنود الجيش الاسرائيلي يشاهدون مهاجمة الشاحنات، لكنهم لا يفعلون أي شيء حسب قولهم. في الجيش الاسرائيلي يقولون بأنه في الفترة الاخيرة تم فتح محور آخر في جنوب القطاع، يمكن السائقين من تجاوز منطقة السلب والنهب، لكن ايضا في هذا المحور حدثت عدة احداث. حسب الفلسطينيين فان المسلحين يستمرون في هذه الاثناء اخذ الاموال مقابل ادخال المساعدات الى المناطق الانسانية ومناطق القتال.
جهات امنية رفيعة تطرقت لهذا الموضوع مؤخرا قالت إن رؤساء جهاز الامن يدركون ظاهرة سلب الشاحنات على يد عائلات مسلحة، وأن هذا الموضوع طرح ايضا في النقاشات مع المستوى السياسي. حتى أنه مؤخرا وصل رئيس الاركان هليفي الى قيادة المنطقة الجنوبية وتحدث هناك مع الضباط وتطرق الى هذه الظاهرة المقلقة، حيث أنه كانت هناك قوات رفضت المشاركة في كل ما هو متعلق بالمساعدات.
مشكلة اخرى تثقل جدا على نقل المساعدات هي تهريب السجائر. منذ فرض الحصار على القطاع قبل حوالي سنة تم منع ادخال السجائر من قبل المستوى السياسي، الذي يحدد سلة المواد التي يجب ادخالها الى القطاع في اطار المساعدات. ولكن جهات اجرامية وتجار في غزة وجدوا مسار للتهريب على شاحنات المساعدات. السجائر المهربة تباع في القطاع باسعار خيالية، التي ارتفعت بمئات النسب المئوية منذ بداية الحرب. في بعض الحالات يتم تهريب السجائر في رزم المساعدات ويتم اخذها من قبل السائقين في مقطع الشارع الذي يسيطرون عليه، احيانا تصل الى مخازن المنظمات بعد انزال البضائع في القطاع، والمسلحون يأخذونها من هناك.
المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي قال ردا على ذلك بأن “الجيش يعطي اهمية كبيرة لنقل المساعدات الانسانية للقطاع. وبناء على ذلك فانهم يعملون على تمكين وتسهيل نقل المساعدات بالتنسيق مع المجتمع الدولي والخضوع لفحص أمني دقيق في المعابر. وعلى خلفية محاولة المنظمات الارهابية استغلال نقل المساعدات، فان الجيش الاسرائيلي يقوم بعمليات احباط مركزة ضد المخربين المسلحين الذين يسلبون المساعدات الانسانية”. في الجيش قالوا ايضا بأن النشاطات تتم بشكل روتيني ووفقا للتعليمات العملياتية مع الحذر الشديد، والتأكيد على تركيز المس بالمخربين ومنع المس بنقل المساعدات. وأن الجيش الاسرائيلي يعمل بالتنسيق مع منظمات المساعدات الانسانية من اجل تقديم حلول وتوفير وسائل بديلة في اطار هذا التنسيق لنقل المساعدات الى القطاع.