ترجمات عبرية

هآرتس: الجيش الإسرائيلي يمنع سيارات الإسعاف الفلسطينية من دخول جنين أثناء الهجوم

هآرتس 16-2-2023، بقلم عميرة هاس: الجيش الإسرائيلي يمنع سيارات الإسعاف الفلسطينية من دخول جنين أثناء الهجوم

منذ بداية كانون الثاني يعرف سكان مخيم جنين للاجئين وطواقم النجدة الفلسطينية في المدينة بأن الجيش الإسرائيلي يمنع سيارات الإسعاف من الدخول إلى ساحة اجتياحاته كي تنقذ الجرحى في الزمن الحقيقي. وعلى حد قول السكان في المخيم، فقد أمر الجيش جهات في السلطة الفلسطينية أن تنقل الرسالة إلى طواقم النجدة بالتوازي مع الاجتياحات في بداية السنة. من تجربتهم، يعرف السكان أيضاً بأن من يقترب من الجرحى كي يقدم إسعافاً أولياً يعرض حياته للخطر، ومن شأن قناص إسرائيلي أن يطلق النار عليه. هكذا في 19 كانون الثاني قتل قناص جواد بواكنة، ابن 57، ومن 26 من الشهر أطلق جندي النار من داخل أحد المباني التي سيطر عليها الجيش الإسرائيلي فأصاب الزجاج الأمامي لسيارة الإسعاف التي كان يقودها فادي جرار، ابن 51.

يقول الناطقان بلسان الجيش ومنسق الأعمال في “المناطق” [الضفة الغربية] في ردهما على “هآرتس”، إنه لا مانع من إنقاذ الجرحى، لكن يجب عمل ذلك بالتنسيق (لمنع المس بغير المشاركين). أما الفلسطينيون فيقولون إن التنسيق يستغرق وقتاً، ومن شأنه أن يكلف حياة الإنسان في وضع من الإلحاح الطبي.

الصليب الأحمر، الذي يتوسط أحياناً بين الجيش الإسرائيلي وجهات فلسطينية، لا يتناول فوارق الروايات بشكل مباشر.

في 20 كانون الثاني، يوم اجتياح جنين الذي أودى بعشرة قتلى فلسطينيين، نشر الصليب الأحمر في موقعه بياناً عاماً يلمح بأن المفهوم من تلقاء ذاته – تقديم العلاج للجرحى – لا يتم. يجب احترام الطواقم والوحدات والمنشآت الطبية، ويجب أن تكون محمية في كل الظروف لضمان الوصول إلى المصابين وتقديم العلاج لهم”، كما جاء في البيان غير الاعتيادي الذي أرسل إلى “هآرتس” أيضاً.

رصاصة في الكتف

جواد بواكنة، كان معلماً في اللياقة البدنية في مدرسة جنين القانونية. رجل مبتسم، “صديق أولاده”، محبوب من أجيال من التلاميذ. في بيت العائلة الذي في الشارع الشمالي الرئيس لمخيم اللاجئين، كان هو الأكبر من بين 11، وأصغرهم حفيدته ابنة السنة والنصف.

الخميس 19 كانون الثاني، استيقظ أبناء العائلة، كباقي أهالي المخيم، نحو الثانية والنصف بعد منتصف الليل على صوت صافرة الإنذار. وكان تفعيلها مبادرة جديدة نسبياً من مخيم اللاجئين ما دام الجيش يجتاح المخيم. وعندما ازدادت أصوات الانفجارات وإطلاق النار، تجمعت العائلة في غرفة النوم الداخلية للأبوين. فقد تعلموا من التجربة، كما يشرح لـ “هآرتس” الابن البكر فريد. في أحد الاجتياحات السابقة التي توقفوا عن تعدادها، أصابت رصاصات غرفة الأطفال.

في محيط الرابعة فجراً، سمع أفراد العائلة صراخ نجدة من الشارع. رغم الخطر، طلوا من النافذة ورأوا على الطريق في الجانب الشرقي من بيتهم تماماً وقرب المحل الصغير للهواتف النقالة شخصاً مستلقياً يتلوى ألماً. أول من توجه إليه هي الابنة آلاء، 34 سنة، وهي الأخرى معلمة رياضة. تقدمت آلاء ملتصقة بالحائط الخارجي للبيت على طوله حتى وصلت إلى الجريح المستلقي على مسافة نحو ثمانية أمتار من باب بيتها. بعد ذلك، تبين أن هذا أدهم جبارين، عضو في الجهاد الإسلامي. لم تكن تعرفه، قالت بعد ذلك للباحث من “بتسيلم” عبد الكريم السعدي. نجحت في جره مترين – ثلاثة أمتار، وعندها انضم إليها أبوها، وهو يرتدي البيجاما. ويقول الابن فريد: “بعد ذلك فهمنا بأن الدم الكثير الذي تجمع تحت ظهر أدهم سهل عليها جره”. ركع الأب وأمسك بيد الجريح الثانية وسحبه مع ابنته. يعتقد فريد أن الأب تمكن من جر الجريح أقل من نصف متر حين التوى رأسه فجأة وانثنى ظهره ببطء نحو الدرج خارج بوابة الدخول. وأمام عيون أبنائه المذهولين، اخترقت رصاصة كتفه اليسرى وشقت صدره. جاءت النار من الأعلى، من ناحية الشرق.

سحب فريد أباه الجريح إلى مدخل الباب. وعندما صار رأس وصدر الأب داخل بيت الدرج وساقاه لا تزالان خارج البوابة، كما روى الابن، أطلقت نحوه رصاصات أخرى فأصابته هو أيضاً. بضع رصاصات أصابت باب الصيدلية المجاورة وبشجرة أيضاً.

سيارة إسعاف الهلال الأحمر التي حاولت الوصول إلى هناك أوقفت على مدى 45 دقيقة، يقول محمد السعدي، مدير عمليات الإسعاف في الجهاز. سيارة عائلة بواكنة توجد في الساحة الداخلية في البيت، وهكذا نجحت آلاء في نهاية الأمر في الخروج إلى شارع جانبي ونقل أبيها إلى المستشفى، حيث تقررت وفاته. بعد ذلك جيء إلى هناك بجثة جبارين أيضاً. وحسب فريد، لم ينتبه إذا كانت هناك بندقية إلى جانبه وهو ملقى في الشارع؛ ثمة ظلام وتوقف للكهرباء، كما يقول.

تقدر أوساط الفلسطينيين ومنظمة الهلال الأحمر أن النار الفتاكة جاءت من مبنى عال يقع على مسافة نحو 250 متراً شرق بيت العائلة. قوة من الجيش الإسرائيلي سيطرت في تلك الليلة على شقة في الطابق الخامس من المبنى. ورأى السكان الجنود ينصبون بندقية على ناصية في الصالون الذي يرى من نافذته المخيم وبيت بواكنة، وبعد وقت ما سمعوا النار من الغرفة المجاورة حيث حبسهم الجنود.

كل الطرق مسدودة

بعد أسبوع من ذلك، في 26 كانون الثاني اجتاح الجيش الإسرائيلي والشرطة مرة أخرى. هذه المرة بشكل مفاجئ في وضح النار. فادي جرار، سائق سيارة الإسعاف وصاحب شركة إسعاف خاصة متواضعة، يقدر بأنه سمع صافرة الإنذار الساعة السابعة إلا خمس دقائق صباحاً. بيته، قريب من المخيم. صعد على الفور إلى سيارة الإسعاف مع المسعف الذي يعمل معه، محمد بلعاوي، وانضم إليهما ممرض. أرادا الوصول إلى أقرب مسافة ممكنة ممن يحتاج إلى علاج ونجدة في المخيم.

في تلك الساعة كان الهلال الأحمر بلّغ عن مصاب أول: عز الدين صلاحات، 22 سنة، شرطي في الشرطة الفلسطينية ولاعب في منتخب كرة القدم. يروي المخيم بأنه عندما لاحظ المستعربين، أطلق النار عليهم. ويقولون أيضاً إنه جرى إطلاق النار عليه فوراً، وأصابوه في ظهره.

الجنود أنفسهم لم يروا في الأزقة. بقي بعض منهم في الجيبات المحصنة، وتحصن آخرون وتمترسوا في بضعة مواقع لإطلاق النار من أماكن عالية سيطرو عليها في بداية الهجوم. وقفت في كل واحد من مداخل المخيم سيارة عسكرية ومنعت سيارة إسعاف جرار، فأصر على السفر في طريق ملتوية في أعلى التلة التي بني المخيم عليها. “كان الشباب منتشرين هناك، فوجهونا إلى زقاق ينزل إلى حي جورة الذهب”، يروي جرار. في هذا الحي يوجد البيت الذي كان يسكنه نشطاء الجهاد الإسلامي المطلوبون، والذي قصفته القوة بتسعة صواريخ “لاو” بعد أن رفضوا أغلب الظن الخروج منه. في الخمسينيات، انتشرت شائعة تقول إن ذهباً مدفون في أرض الحي. فحفر الناس وحفروا دون جدوى إلى أن يئسوا. أوقف جرار سيارة الإسعاف في مكان آمن، على حد قوله. بمعنى أن ليس في منطقة بين الجيبات المحصنة وبين شباب المخيم المسلحين بالبنادق وبالحجارة. وكما هو دوماً، استعد هو وطاقمه في اللحظة التي يعلن فيها عن جريح، فيتوجه له بالإسعاف الأولي لنقله إلى المستشفى. بعد وقت ما، هتف أحد ما بالفعل بوجود جريح. تقدم جرار قليلاً في سيارة الإسعاف في نزلة الزقاق. نزل مسعفان منها وعادا مع جريح طفيف نسبياً. “كان الكثير من إطلاق النار”، يقول جرار.

عندما كان زميلاه يعالجان الجريح، رأى أمام عينيه شاباً يصيبه الرصاص فينهار. حمله بضعة شبان إلى سيارة الإسعاف. تقدم جرار نحو نصف متر باتجاههم. فخرجت مقدمة سيارة الإسعاف قليلاً عن حائط البيت ودخلت الزقاق. وعندها، أصابتها رصاصتان في الزجاج الأمامي، أمام المقعد قرب السائق، وخلفت ثقبين أحيطا بشقوق في الزجاج المحطم. “شعرت بنوع من الغبار يرش على وجهي”، يروي جرار. لم يكن له الوقت ليخاف أو ليعتقد أي حظ كانت للمسعف بلعاوي أن يعالج في تلك اللحظة الجريح الأول داخل السيارة، ولم يكن يجلس في مكانه المعتاد إلى جانب السائق.

الجريح الثاني الذي جيء به لتلقي العلاج كان مصاباً بجروح خطيرة. حقنه المسعفان بحقنة إنعاش، وبينما كانا يحاولان وقف النزف، بدأ جرار يسافر إلى الوراء معتقداً أن الساعة كانت التاسعة صباحاً تقريباً. في طريق الخروج التقوا بجرافة عسكرية، وهذه لم تسمح لهم بالمواصلة من هناك إلى المستشفى على مسافة ثلاث أو أربع دقائق سفراً. الالتفافة التي اضطررت للقيام بها استغرقت نحو 15 دقيقة. بعد ذلك، عاد الثلاثة إلى تلك الزاوية في المخيم كي يعالجوا الآخرين.

في الغداة، علم أن الجريح توفي متأثراً بجروحه. فهل كان سينجو لولا سدت الجرافة طريق سيارة الإسعاف وأجبرتها على السفر في طريق التفافي طويل؟ لا نعرف. بعد بضعة أسابيع من ذلك، لم يكن جرار قد استبدل زجاج سيارة الإسعاف الذي يزينه ثقبان. “هذا يكلف 2000 شيكل وليس لدينا مبلغ كهذا”، يقول.

عندما سافروا إلى المخيم كانوا يعرفون أنها مخاطرة، لأن الهلال الأحمر في رام الله أبلغهم بأن الجيش لا يسمح لسيارات الإسعاف بالدخول إلى منطقة المواجهة.

“هذا عملنا”

أن نرى جنوداً يعرقلون عمل طواقم طبية فلسطينية بل ويطلقون النار على سيارات إسعاف ويصيبونها، ليست ظاهرة جديدة. فحسب تقارير “بتسيلم” في تشرين الثاني 2020 في مظاهرة قرب حاجز تياسير في شمال غور الأردن، حاول جنود إخراج متظاهر جريح من سيارة إسعاف تلقى فيها علاجاً بعد إصابته بعيار مطاطي. إطلاق النار على سيارات الإسعاف وتأخير طواقمها حصل أيضاً في الاحتجاج على إقامة بؤرة “أفيتار” الاستيطانية في أيار 2021، وفي الاجتياح العسكري لنابلس في تشرين الأول الماضي. “الفرق أنهم أبلغونا رسمياً هذه المرة بأنه ممنوع على سيارات الإسعاف الدخول”، يقول السعدي. البلاغ الأول عن المنع سمعوه في الهلال الأحمر من رجل لجنة الارتباط العسكرية الفلسطينية، بعد ربع ساعة من بدء الاجتياح في 19 كانون الثاني. هكذا تعمل طريقة الارتباط والتنسيق: ضابط إسرائيلي ما، بشكل عام من مديرية التنسيق والارتباط، ينزل أمراً ما شفوياً (ليس خطياً أبداً) لنظيره الفلسطيني، وعليه أن ينقله إلى الجمهور الفلسطيني. لا يتذكر السعدي بالضبط من اتصل في 26 كانون الثاني، “لكني كنت أعرف بيقين بأن الإسرائيليين يمنعون هذه المرة أيضاً دخول سيارات الإسعاف إلى المخيم”. بعد نحو ساعة وربع اتصل به الصليب الأحمر كي يبلغه بأن سيارة الإسعاف يمكنها أن تتحرك، “لكن بحذر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى