هآرتس: الجيش الإسرائيلي في غزة: تقدّم سريع وتحديات تصبح أكثر تعقيد

هآرتس 2023-11-2، بقلم: عاموس هرئيل: الجيش الإسرائيلي في غزة: تقدّم سريع وتحديات تصبح أكثر تعقيداً
حركة قوات الجيش الإسرائيلي إلى داخل شمال غزة كانت أسرع مما كان متوقعاً في البداية. فبعد أربعة أيام على بدء المعركة البرية، تصاعدت لتصبح حرباً حقيقية. قوات مشاة ومدرعات كبيرة تقاتل المنظومة الدفاعية لـ”حماس”، التي تشمل عدة دوائر مهيأة حول المركز الأمني لـ”حماس” في داخل مدينة غزة، وفي غرب جباليا على مدخل المدينة يجري قتال صعب وحازم في منطقة مبنية، التي جزء كبير منها تم تدميره في عمليات القصف السابقة لسلاح الجو. نتيجة لذلك، سقط كما يبدو مئات كثيرة من القتلى من “حماس”، لكن إسرائيل أيضاً تدفع ثمناً. أول من أمس، تم الإبلاغ عن جنديين من كتيبة دورية لواء غولاني، قتلا في المعارك. وصباح أول من أمس، نشر الجيش الإسرائيلي أن تسعة جنود من كتيبة “تصبار” التابعة للواء جفعاتي ومن الكتيبة 77 من اللواء السابع قتلوا بإصابة صاروخ مضاد للدروع لناقلة جنود من نوع “النمر”.
كلما مر الوقت، فإن التحدي الذي يقف أمام القوات يصبح معقداً أكثر. “حماس” منظمة إرهابية، لكن في الدفاع هي تحارب بأساليب حرب العصابات. لا توجد أفضلية من ناحيتها للتصادم المباشر مع الجيش الذي يتمتع بتفوق كبير في التكنولوجيا وقوة النيران. “حماس” تبحث عن نقاط ضعف التي يمكنها من خلالها جباية ثمن باهظ من الجيش الإسرائيلي. المتحدث بلسان الجيش، العميد دانييل هاجري، اعترف بأنه تجري “معارك صعبة في غزة”، وأنه “توجد أثمان لذلك”.
خلال 20 سنة اختلفوا وناقشوا في الجيش الإسرائيلي مسألة الغزو البري. الادعاءات السائدة قالت: إن القوات البرية، بالأساس الاحتياط، غير مدربة ومؤهلة بما فيه الكفاية لمهمة معقدة جداً في منطقة مبنية، وأن الجمهور في إسرائيل سيجد صعوبة في مواجهة حجم الخسائر التي يمكن أن تكون مقرونة بذلك. هذه المرة الحكومة والجيش حسموا هذا التردد لصالح قتال صعب في القطاع، وذلك إزاء خطورة الهجوم الذي نفذته “حماس”. السؤال هو: هل هذه العملية ستكون وبحق ناجعة كما أملوا قبل أن تحسم؟ هذا السؤال سيتضح فقط فيما بعد رغم أنه حتى الآن سجلت إنجازات عملياتية.
في الأيام الأولى العملية البرية جرت بصورة منظمة، وفي السنوات الأخيرة كل الوحدات التي شاركت في العملية اجتازت تدريبات مفصلة في قيادة المنطقة الجنوبية على إمكانية حدوث حرب في غزة. الخطط العملية السابقة كانت أقل طموحاً، واحتاجت إلى إعادة ملاءمة بعد الهجوم الإرهابي في 7 تشرين الأول. ولكن الحديث هنا لا يدور عن تحدٍ لم يستعد له الجيش الإسرائيلي جيداً. لا يمكن تجاهل تأثير عوامل أُخرى مثل المعنويات القتالية والإيمان بعدالة القضية. رغم الغضب الكبير على الحكومة ورؤساء جهاز الأمن المشاركين في فشل المفاجأة، يبدو أن القادة والجنود ينشغلون الآن بالأساس في بذل الجهود للمسّ بـ”حماس”.
تتركز النشاطات البرية في هذه المرحلة على شمال القطاع، المفصول بوادي غزة. الأبعاد غير كبيرة: عرض القطاع في الجزء الضيق منه هو بالكاد 6 كم. هناك مرحلة فيها السهم الأزرق الذي يعكس حركة قوات الجيش الإسرائيلي على الخارطة يجب أن يتوقف، وأن يبدأ بالبحث عن مهمات أُخرى له: تدمير الأنفاق والتمشيط بحثاً عن مسلحين وسلاح (في سيناريو متفائل أيضاً البحث عن مخطوفين). كلما قامت إسرائيل بتضييق الحصار، فإنها تواجه مخاطرة أن تصبح القوات ثابتة ومكشوفة للإصابة.
تطرح أيضاً مسألة الوقت. ففي الجيش يستعدون لأشهر كثيرة من النشاطات المستمرة في القطاع. الإدارة الأميركية تفضل تجنب إسرائيل للتواجد الدائم، وفي مرحلة معينة ربما خلال أسابيع، يجب عليها التركيز على اقتحامات عسكرية (دخول وخروج) لأهداف معينة. الصبر الدولي ليس أمراً غير محدود. أيضاً مشاهد الدمار التي تتسبب بها إسرائيل في القطاع أصبحت تجعل الرأي العام في بعض الدول الغربية يميل ضدها. من أجل محاولة تقليص الأضرار، فإن إسرائيل وافقت على زيادة المساعدات الإنسانية لجنوب القطاع. الآن يناقشون إمكانية إدخال عشرات الشاحنات من مصر كل يوم. إسرائيل تشترط ذلك بفحص دقيق. الأزمة الإنسانية في القطاع كبيرة ومن شأن ذلك أن يكون له تأثير على حرية عمل الجيش الإسرائيلي لفترة طويلة.
معضلة “حزب الله”
أمس، أطلق المتمردون الحوثيون، شركاء إيران، صواريخ بالستية وطائرات مسيّرة من اليمن نحو إيلات، وهذه تم اعتراضها بنجاح فوق البحر الأحمر. هذا جزء من الجهود الإيرانية المخطط لها لدعم “حماس” في الحرب ضد إسرائيل. ولكن بؤرة المخاطرة الرئيسة بقيت في جبهة لبنان. ستتعزز معضلة “حزب الله” كلما تعمق اختراق الجيش الإسرائيلي في قلب غزة. وفي بيروت وطهران يثور الخوف حول قدرة صمود “حماس”.
أيضاً في هذا الشأن، بالمناسبة، من الأفضل أن تكون إسرائيل حذرة في التقديرات. ففي الـ 51 يوماً من القتال في عملية الجرف الصامد في 2014 توقعت الاستخبارات العسكرية أكثر من عشر مرات أن توافق “حماس” على وقف لإطلاق النار. لكن هذه التوقعات خابت. تبلور هذا الاستعداد لوقف إطلاق النار فقط في نهاية المعركة، بعد أن زاد الجيش كثيراً هجماته في غزة (مستوى قوة سبق اجتيازه منذ فترة طويلة في هذه المرة إزاء الظروف الصعبة). في الأيام القريبة القادمة من شأن “حزب الله” أن يزيد من حدة ردوده ويحاول أن ينقل بالتدريج خط إطلاق الصواريخ نحو الجنوب. هذا يتعلق أيضاً بخطوات إسرائيل. فالجيش الإسرائيلي يضرب جزءاً كبيراً من الخلايا التي تقوم بإطلاق الصواريخ المضادة للدروع والقذائف، ويبعد بالتدريج مواقع قوة الرضوان التابعة لـ”حزب الله” عن المناطق الحدودية.
في وسائل الإعلام العربية نشر أن قائد قوة القدس في حرس الثورة الإيراني، الجنرال إسماعيل قاءاني، وصل إلى بيروت بعد 7 تشرين الأول لبلورة سياسة رد لإيران و”حزب الله”. مع ذلك، الادعاء السائد هو أن القرار النهائي موجود في يد رئيس “حزب الله”، حسن نصر الله، وأن القيادة في إيران تظهر الاحترام الكبير لتفهمه لما يحدث في الجانب الإسرائيلي. في هذه الأثناء يتم نشر استطلاعات في لبنان، أيضاً في وسائل الإعلام المقربة من “حزب الله”، يظهر فيها أن معظم الجمهور اللبناني يعارض الدخول إلى الحرب ويخشى من أن هذا الأمر سيؤدي إلى تدمير لبنان، الذي يعاني أصلاً من أزمة اقتصادية خطيرة جداً.
معهد أبحاث القدس في الأردن، الذي كبار الباحثين فيه هم جنرالات احتياط في الجيش الأردني، أجرى في الأسبوع الماضي نقاشات حول الحرب في غزة. كتب الأعضاء في المعهد أن “الحرب البرية في غزة هي حاجة وجودية بالنسبة لإسرائيل، بعد الهزة الأرضية في 7 تشرين الأول”. وحسب تقديرهم، فإن “إيران لن تتدخل بشكل مباشر في الحرب، و”حزب الله” سيفعل ذلك فقط إذا تم فرض هذا الأمر عليه من قبل إسرائيل. الوضع الحالي في الدول العربية لا يشير إلى توسع الحرب. وأيضاً واشنطن تظهر عدم الرغبة في ذلك”. مع ذلك، الخبراء في الأردن يعتقدون أن “إسرائيل ربما تقضي على قدرات “حماس”، لكن المقاومة هي أيديولوجيا وعقيدة ومشروع لن ينتهي. فهي تراكم شعبية أكبر وسترتدي صوراً جديدة”.
قصر نظر
لا تقتصر الصعوبة الدولية لإسرائيل على عدم التأييد في أوساط الليبراليين في العالم. تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تحولت إلى متطرفة أكثر ووصلت إلى حد اللاسامية. بوتين، مثل خصومه في الغرب، يصف الحرب كجزء من صراع دولي بين الخير والشر. أيضاً بالنسبة له روسيا والفلسطينيون في الجانب نفسه، لكن بالنسبة لموسكو فإن إسرائيل جزء من تحالف الشر مع الولايات المتحدة وأوكرانيا، الذي يجب على العقلانيين النزيهين محاربته. هذه الأقوال مرة أُخرى تستخف بادعاءات رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قبل بضع سنوات وكأنه نجح في جعل روسيا مؤيدة لإسرائيل والتلويح بالعلاقات مع بوتين في دعايته الانتخابية.
إن قصر النظر الذي تعاني منه السياسة الخارجية الإسرائيلية برز أيضاً في الخطاب غير الناجح لسفير إسرائيل في الأمم المتحدة، جلعاد أردان. ادعاءات إسرائيل قوية جداً. لا توجد حاجة إلى تعزيزها بمشهد استعراضي فيه علق السفير ورجال البعثة شعاراً أصفر على معاطفهم. المذبحة التي نفذها مخربو “حماس” في غلاف غزة ذكّرت وبحق بوحشيتها في صور من الكارثة. ولكن إسرائيل غير عاجزة. فهي دولة إقليمية عظمى عسكرياً، وتحصل على دعم أمني غير مسبوق من أميركا.
هذه المبالغات التاريخية لا تفيد في أي شيء عدا إثارة الشفقة والذعر. رئيس “يد واسم”، داني ديان (كما هو دائماً، صوت العقلانية والمنطق) قال وبحق: إن قرار السفير هو أمر يسيء لضحايا الكارثة والدولة. ولكن بطريقة معينة يطرح الشك في أن أردان لا يهتم برد ديان وأمثاله. فهو يستعد للتنافس الذي سيجري في الليكود حول وراثة نتنياهو.
برميل البارود
في كل هذه الضجة الفظيعة محظور تجاهل للحظة ما يحدث في الضفة الغربية. يتحدث رجال الأمن الذين يتابعون ما يحدث في الضفة عن جهود مخطط لها للمستوطنين – ليس فقط المتطرفين والعنيفين – من أجل السيطرة على مناطق وإبعاد الفلسطينيين وفرض الرعب على سكان الضفة، بطريقة يمكن أن تشعل مواجهة أصعب أيضاً هناك.
حسب أقوالهم، فإن هذه نشاطات واسعة مخطط لها ومنظمة، ترافقها أيضاً نشاطات متقطعة ومستقلة من سكان البؤر غير القانونية. من بين هذه النشاطات شق الطرق حول المستوطنات وربطها بالبؤر الاستيطانية والمزارع الجديدة نسبياً، بعض الطرق تم شقها من قبل الجيش والأغلبية بشكل مستقل من قبل المستوطنين. هناك عملية مخطط لها لطرد الفلسطينيين من أراضيهم بوساطة العنف والتهديد، ضمن أمور أُخرى، في منطقة سوسيا في جنوب جبل الخليل. يتم الشعور بزيادة في أعمال العنف مثل اقتلاع مئات أشجار الزيتون وإحراق الممتلكات والتخريب والضرب وإطلاق النار. في نفس الوقت أقيمت بؤر استيطانية جديدة غير قانونية، اثنتان قرب “بدوئيل” في منطقة “أريئيل”، وواحدة في وادي شيلا في شمال رام الله وواحدة في غور الأردن.
كل هذا يبدو أموراً صغيرة مقارنة مع المذبحة الصادمة في غلاف غزة أو القتال الصعب في غزة. ولكن هذه الأحداث توجد لها إمكانية كامنة لتدهور الضفة والوصول إلى جبهة إضافية، بحيث تثبت هناك موارد وقوات الجيش بحاجة إليها في ساحات تحتاج إلى العلاج بصورة أكثر إلحاحاً وحسماً. الإدارة المدنية لا تبلغ بشكل كاف عما يحدث، ويثور الشك بوجود مؤامرة صمت من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي في هذا الشأن. بعضهم يتعاونون بشكل فعال مع هذه العملية، وآخرون يغضون النظر ولا يواجهون.
في جهاز الأمن يقولون: إن هناك نية لإصدار المزيد من أوامر الاعتقال الإداري لنشطاء متطرفين (أحد هذه الأوامر تم إصداره)، وأنه تم وضع قوات معززة من حرس الحدود في مناطق الاحتكاك بين المستوطنين والفلسطينيين، وأن “الشاباك” دخل إلى الصورة بشكل أكثر حدة. حتى الآن يوجد هنا برميل بارود آخر يهدد بالانفجار. مطلوب رد أكثر شدة من الدولة، رغم وجود وكلاء شبيبة التلال في الحكومة والـ”كابينيت” الموسع.