هآرتس: التطبيع مع السعودية قد يحد من العملية في رفح، لكنه لا يضمن حلا لغزة
هآرتس 16-5-2024، تسفي برئيل: التطبيع مع السعودية قد يحد من العملية في رفح، لكنه لا يضمن حلا لغزة
«نحن لن نستسلم في أي يوم، ولن نوافق على أي شيء أقل من النصر المطلق»، الحديث هنا لا يدور عن اقتباس التصريحات الحربية لبنيامين نتنياهو، بل هذه الأقوال قالها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في تشرين الثاني في 2005 في الخطاب الذي ألقاه أمام الجنود المتدربين في الأكاديمية البحرية في انابوليس. بوش وجه في حينه نبوءته ضد الرأي العام في الولايات المتحدة الذي بدأ في وضع علامات استفهام كبيرة على الحرب في العراق، التي بدأت قبل سنتين من ذلك، وحول جدوى استمرار بقاء القوات الأميركية في هذه الدولة.
«إن انسحاب القوات الأميركية قبل تحقيق الاهداف لا يعتبر خطة للنصر»، أكد بوش في حينه. «كل من يرتدون الزي العسكري أتعهد لهم بأن أميركا لن تهرب من الذين يفخخون السيارات والقتلة، طالما أنني قائدكم الأعلى». وبعد مرور ست سنوات وآلاف القتلى قامت أميركا بسحب قواتها من العراق في 2011، فقط من اجل العودة الى هناك بعد ثلاث سنوات لمحاربة داعش الذي احتل مناطق في هذه الدولة.
«النصر المطلق» لم يكن في العراق. هذا الامر كان بعيداً عن ذلك. هذا هو الدرس الرئيس الذي تريد الادارة في واشنطن نقله الى اسرائيل من فترة طويلة. وحتى منذ بدء الحرب عندما كان الحوار بين أميركا واسرائيل اكثر ودية بكثير فقد أسمعت جهات رفيعة أميركية في المحادثات مع نظرائها الإسرائيليين مخاوفها من انزلاق إسرائيل الى «مسار العراق» في غزة. الآن هم يسمعون من نتنياهو أقوالاً مشابهة، وحتى متطابقة، المعنى الذي سمعه النظراء قبل عشرين سنة من الرئيس بوش بقلق شديد.
مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك ساليفان، سيصل في هذا الأسبوع الى السعودية والى اسرائيل وسيبذل جهوداً اخرى لصياغة مسار على الاقل سيمكن من البدء في تخطيط «اليوم التالي»، وقبل ذلك سيوقف العملية العسكرية في رفح التي تقض مضاجع الرئيس الأميركي وزعماء الدول العربية، لا سيما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. في مركز مهمة ساليفان في السعودية سيكون فحص استعداد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لبناء صيغة سياسية بحسبها ستعرض السعودية خطوات اولية للتطبيع مقابل تعهد إسرائيل بأنها لن تعمل في رفح.
هذه الخطة تذكر بالطريقة التي تراكم فيها التطبيع بين إسرائيل واتحاد الإمارات، التي بصورة عملية نسب لحاكمها بأنه تمت الموافقة على هذا التطبيع مقابل تنازل نتنياهو عن ضم الضفة الغربية لاسرائيل. هذه لم تكن كل القصة. ففي رزمة الامارات كانت هناك ايضا صفقة شراء طائرات اف 35. في الحقيقة هذه الصفقة لم تخرج الى حيز التنفيذ بعد تولي جو بايدن لمنصب الرئيس، ولكن الامارات استخدمت هذا المبرر لاظهار اسهامها الكبير في القضية الفلسطينية. السعودية، التي قبل الحرب اكتفت بتعهد اسرائيل بـ «تحسين ظروف حياة الفلسطينيين» طرحت بصورة دراماتيكية الثمن الفلسطيني الذي تطلبه مقابل التطبيع وهو الثمن الذي يتبنى الحل السياسي على اساس حل الدولتين.
التطبيع يمكن أن يأتي على دفعات. والسؤال الكبير هو هل ساليفان سينجح في تجنيد محمد بن سلمان لعملية تدريجية توفر لاسرائيل سلماً ثابتاً للنزول عليه في موضوع رفح والبدء في فحص إقامة حكم فلسطيني في القطاع. حسب التقارير فان ساليفان حصل على وعد من إسرائيل بأن توسيع العملية في رفح سيتم تأجيله الى ما بعد انتهاء زيارته، لكن حتى قبل انطلاقه الى الطريق استقبل بتصريح موثق لنتنياهو، بحسبه «الحديث عن «اليوم التالي» في الوقت الذي فيه حماس بقيت على حالها، هو فقط حديث فارغ من المضمون».
ساليفان ليس بحاجة الى دروس من نتنياهو حول الصعوبة في اقامة حكم محلي بديل في المنطقة التي ما زالت تجري فيها حرب. ارشيفات وزارة الخارجية الأميركية والبنتاغون مليئة بالوثائق التي تصف الجهود السيزيفية لاقامة حكم ثابت في العراق، وقبل ذلك في افغانستان. الأميركيون ايضا يعرفون «محاولات» اسرائيل للعثور على حل اداري في غزة، وضمن ذلك التوجه لرؤساء العائلات الكبيرة ورؤساء العشائر الذين رفضوا هذه الطلبات بشكل علني. وحسب تقارير في وسائل الاعلام العربية فان رئيس المخابرات الفلسطينية، ماجد فرج، بالتنسيق مع اسرائيل ومصر، حاول تشغيل قبل شهر ونصف خلايا للرقابة والمرافقة لقوافل المساعدات الإنسانية لمنع رجال «حماس» أو عصابات محلية من السيطرة عليها، لكنه تم اعتقالهم وتم التحقيق معهم بشكل عنيف على يد «حماس» وطردوا من القطاع.
لكن الولايات المتحدة لا توافق على خطة المراحل لنتنياهو، أي في البداية تصفية «حماس» وبعد ذلك اقامة حكم بديل. بالذات محاولة واشنطن تعلمنا بأن هاتين العمليتين يمكن، وحتى يجب، أن تكونا مندمجتين. في العراق، الى جانب ملء الدولة بالجنود الأميركيين، الذين وصل عددهم في 2007 الى اكثر من 175 ألف جندي، اقام الجيش أحياء مغلقة محاطة بالاسوار، والسكان كانوا يمرون بفحص متشدد في كل عملية دخول من اجل منع تسلل الإرهابيين. هذا لم يكن حلاً ناجعاً، لكنه قلص بشكل كبير عدد المصابين ومكن الحكومة من البدء في عملها.
قطاع غزة ليس العراق، لكن حلولاً عملية تشمل الدفاع عن موظفي السلطة الفلسطينية، وتشغيل قوات شرطة محلية، إضافة الى البدء في إدارة مدنية مزودة بميزانية مناسبة، يمكن أن يكون مرحلة أولية لإدارة القطاع. لكن هذا الحل يحتاج الى تكاتف الإدارات الذي ما زال بعيداً عن التحقق.
«لا توجد لنا أي ثقة بأنه حتى لو وافقت السعودية على فتح مسار بالتدريج للتطبيع مع اسرائيل، الذي يمكن أن يوقف استمرار العملية في رفح، فان نتنياهو سيوافق على دخول السلطة الفلسطينية الى القطاع»، قال للصحيفة دبلوماسي غربي مطلع على جهود الاتحاد الأوروبي لطرح حلول خاصة به.
«نحن ندرك أنه بالنسبة لرئيس الحكومة فان رفض مشاركة السلطة يعكس موقفا مبدئيا وسياسيا وحتى ايديولوجيا، وليس فقط قضية مرهونة بالقدرة العملية للسلطة على ادارة قطاع غزة»، قال هذا الدبلوماسي واعترف بأنه «حتى السلطة الفلسطينية لا تسارع الى تحمل المسؤولية عن ادارة القطاع، بالاساس لأنها لا تريد أن تظهر وكأنها تخضع لأوامر الجيش الاسرائيلي. لكن ليس هذا فقط، فالشعور بأن مهمة ادارة القطاع مخصصة لها اضافة الى الدعم الدولي، الذي وجد التعبير ايضا في قرار الامم المتحدة بتوسيع مكانتها في هذه المؤسسة، يزيد تصميمها على الحصول على المزيد من الانجازات المهمة في الساحة الدولية قبل الدخول الى القطاع».
في المقابل، مصدر في م.ت.ف، محسوب على معارضي محمود عباس، قال للصحيفة إنه «من غير المعقول أن يكون حل عملي في غزة دون التنسيق مع حماس. المشكلة هي أنه في حماس نفسها توجد خلافات كبيرة، ليس فقط بين يحيى السنوار وقيادة حماس الخارج، بل ايضا في صفوف القيادة في الخارج. عندما تكون هذه هي العبوات المتفجرة التي تقف في طريق خطة البديل الفلسطيني في غزة فانه يبدو أن الإنجاز الوحيد الذي يمكن لساليفان أن يحققه هو تجميد العملية في رفح.