ترجمات عبرية

هآرتس : الاسرائيليون كمنكرين للكارثة

هآرتس – بقلم اليران بار إيل  – 22/5/2018

في الخطاب الاسرائيلي فان انكار الكارثة بشكل عام ينسب لشخص آخر ما – تركي، فلسطيني أو ايراني – ويعتبر انكار حقيقة أنه في الحرب العالمية الثانية تمت ابادة اليهود بصورة منظمة وممنهجة. من ينكر هذا يعتبر في اسرائيل منكر للكارثة ويستبعد من الحوار العام.

لأن الكارثة تعتبر حدث مؤسس من ناحية تاريخية، الذي بسببه اقيمت دولة اسرائيل، وكتبرير اخلاقي لكونها دولة يهودية – فان انكار الكارثة يترجم فورا الى انكار لحق وجود دولة اسرائيل، وحتى انكار لحق تقرير المصير القومي للشعب اليهودي. هذه الصيغة هي جزء لا يتجزأ في اعماق الاجماع، الى درجة أنه يصعب التفكير بطريقة اخرى للتعامل مع الكارثة. ولكن نظرة جديدة على هذه الرؤية الاشكالية من شأنها أن تؤدي الى استنتاج بعيد المدى يقضي بأن الاسرائيليين انفسهم وبعملهم هم منكرون للكارثة.

الاحتفالات بمناسبة فوز نتاع برزيلاي في الاورفزيون في ميدان رابين في تل ابيب قبل ساعات من يوم النكبة وبعد القتل في غزة في ذلك اليوم، لا تقل عن انكار كارثة اسرائيلي عام. من اجل فهم كيف وصلنا الى هذا الوضع وما هي تداعياته علينا العودة الى الافتراض الاولي بشأن عبرة الكارثة، والتي يمكن كما يبدو انكارها أو تذكرها.

حسب الخطاب الاسرائيلي فان العبرة هي كما هو مفهوم، أن اليهود مطاردون. كل الحدث الضخم الهام والصادم، تضاءل وتسطح ليصل الى افتراض أن اليهود مطاردين. هذا الموقف تم التعبير عنه في بحث الكارثة الاكاديمي، عندما قامت مدرسة كاملة تسعى خلف دوافع مثل دوافع اللاسامية، ترى بذلك الحدث جريمة ضد اليهود. هذا خلافا لمدرسة تركز على الاجهزة وتقول إن الامر يتعلق بجريمة ضد الانسانية. المدرسة الاخيرة ايضا تثير عبرة اخرى، اكثر عالمية من الكارثة، بحسبها بني البشر في كل العالم يمكنهم التعلم من الكارثة، بغض النظر عن الدين، الجنس، العرق أو القومية.

العبرة العالمية للكارثة هي أن الاقتصاد السياسي الذي يقوم على بيروقراطية عنصرية أو اثنية ويتضمن تفضيل مجموعة سكانية على مجموعة اخرى، ينتهي بخراب وابادة متبادل. العبرة العامة العالمية تختلف عن العبرة الخاصة الاسرائيلية لأنه بدل الافتراض بأنه في كل مكان وزمان يطارد العالم اليهود، وأن الكارثة هي التعبير المتطرف جدا عن هذه المطاردة، والعبرة العالمية، ترى الخطوط العامة، التي بحسبها النازيون هم تعبير عما يمكن أن يحدث دائما عندما يخيفون الجمهور من اعداء شيطانيين، وذلك من اجل منع تغيير اجتماعي اقتصادي سياسي واسع وعميق.

من المهم تذكر السياق التاريخي لصعود هتلر الى الحكم، سياق تحاول العبرة الخاصة الاسرائيلية ابعاده. هتلر طور نظرية العرق والنازية السياسية كرد على محاولات التغيير الشيوعية التي انتشرت في كل مكان. لقد نجح للأسف، في شرح كل مشاكل المجتمع الالماني – الوضع الاقتصادي الصعب، الشروخ الاجتماعية – من خلال توحيدها في شخصية واحدة “اليهودي”، التي فقط اذا رفعوها وأخفوها فان كل المشاكل ستحل.

هتلر لم يفكر بمفاهيم المساواة والعدالة والحرية، لذلك فقد تبنى طريقة التخويف التي بحسبها “اليهودي – الذي فورا تمت مساواته بالشيوعي – هو سبب كل المعاناة الالمانية. هتلر ركب على مخاوف حقيقية للالمان من وضع متدهور وغير مؤكد، وركزهم جميعا على عنصر واحد الذي يفسر بجرة قلم ايديولوجية جميع الواقع.

العبرة العالمية، اذا كان الامر كذلك، تشير الى الخطر الكامن في سياسة تخويف عنصرية، خطر يمكنه أن يحدث طوال الوقت. إن احتضار التعبير الذي وضعه يشعياهو لوفوفيتش “يهود النازية” تعبر عن احتضار العبرة العالمية التي كما يبدو ماتت قبل اوانها، في نفس الوقت الذي قيل فيه.

لذلك، اليوم ونحن ما زلنا نشهد الاحتفالات الجماهيرية التي تجري في نفس الوقت الذي يتم فيه اطلاق النار الممنهج على الغزيين الذين يتظاهرون قرب الجدار، وحيث نجد فيه انفسنا جزء من اتحاد المتناقضات العدائية بين يوم النصر من جهة وبين يوم النكبة والكارثة للآخر – ليس هناك سوى أن نستنتج أن الاسرائيليين بأفعالهم ينفون العبرة الحقيقية والعالمية للكارثة. هذه هي العبرة التي تتناول حرية كل بني البشر كونهم بشرا، بغض النظر عن القابهم واسمائهم ووظائفهم أو اشكالهم. العبرة العالمية تذكر بأن كل انسان لكونه انسان واقع تحت خطر من قبل منظمة سياسية عنصرية من شأنها جر الجماهير الى تخويفات متخيلة وشروحات وهمية.

الباحث في الادب البريطاني تيري اغلتون كتب أن كل من يجلس على مقعد مخصص للبيض فقط حتى لو قال إنه يعارض العنصرية، عليه أن يتذكر أن الايديولوجيا العنصرية متجسدة في المقعد وليست فيه. وبنفس الوزن كل من احتفل في الميدان بفوز نتاع برزيلاي ولا يهم كم يقول بأنه يعارض قمع الفلسطينيين – فان الايديولوجيا الاسرائيلية مجسدة في الميدان وليست في رأيهم. كما كتب ماركس عن الايديولوجيا: “هم يفعلون ذلك دون ادراك ذلك”. ما فعله المحتفلون ولم يدركوه هو انكار الكارثة بمعناها العالمي، الاخلاقي والسياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى