هآرتس: الازمة المطلقة
هآرتس 14/4/2024، بقلم: الون بنكاس: الازمة المطلقة
قوة الدعم السياسي والالتزام الامني الذي تعطيه الولايات المتحدة لاسرائيل حول امكانية أي تصعيد عسكري مع ايران، تشبه كما يبدو قوة وحجم المساعدة والدعم التي اعطتها اياها منذ 7 تشرين الاول. فقط كما يبدو. في الحالتين، رغم أن الولايات المتحدة تقف الى جانب اسرائيل في البعد الاستراتيجي والاخلاقي – القيمي إلا أنها تختلف معها حول سياستها، وتشكك بدوافعها ولا تثق باعتبارات رئيس حكومتها، الى درجة أن الرئيس الامريكي، جو بايدن، اختصر نهاية الاسبوع في بيته في ولاية ديلفر في اعقاب تقدير استخباري يفيد بأن ايران يمكن أن ترد قريبا.
الولايات المتحدة في الحقيقة ترى خطوط تشابه جيوسياسية بين الازمتين، لكنها لا تنظر اليهما بنفس المعايير السياسية. السبب لا يكمن فقط في جوهر التزام امريكا بالامن القومي الاسرائيلي، بل يكمن في أن التصعيد مع ايران ينطوي على امكانية كامنة مهمة لجر الولايات المتحدة نفسها الى حرب ليس لها فيها ناقة أو جمل. واذا كانت الحرب في غزة قد تحولت الى مصدر ازعاج سياسي لبايدن، واذا اصبح الانشغال المزعج بنتنياهو ازمة متواصلة تحتاج الى صيانة عالية بدون أي مكاسب، فان ايران هي لعبة مختلفة كليا.
الحرب مع ايران توجد لها تداعيات على تحالفات اقليمية وعلى كل السياسة الخارجية والدفاعية لامريكا. هذا يبدأ بحرف الاهتمام عن اوكرانيا وتعزيز تحالفات في حوض الهندو- باسفيكي، اسعار النفط، حرية الملاحة البحرية، الارهاب الاسلامي الذي يغطي العالم. لذلك، اساس الجهود في الفترة الاخيرة هو على الصعيد الدبلوماسي امام ايران في محاولة لمنع، أو على الاقل احتواء، أي رد لايران على أمل أن لا تنتج عن ذلك عملية انتقام اسرائيلية غير متزنة.
اضافة الى ذلك فان الثقة بنتنياهو في الحضيض، الى درجة أن امريكا تشكك في دوافعه واهدافه. وحسب تقديرات وضع لم تتغير منذ تشرين الثاني – كانون الاول فان الولايات المتحدة تعتقد أن نتنياهو يريد توسيع المواجهة الى درجة توريطها في حرب مع ايران، وهدفه هو ابعاد نفسه عن كارثة 7 اكتوبر وخلق رواية بديلة تفيد من البداية بأن الموضوع هو منع اقامة الدولة الفلسطينية والتسبب بمواجهة كبيرة مع ايران.
ثانيا، هدفه هو تحويل فشل تاريخي الى نوع من النصر الاستراتيجي الذي يبرر كل ما قاله خلال سنوات بخصوص ايران. ثالثا، الادارة الامريكية اقتنعت منذ فترة بأن دوافع نتنياهو هي دوافع سياسية فقط، ليس لها أي علاقة بالامن القومي أو أي اهتمام بالمصالح الامريكية. ورغم أن الادارة الامريكية نقدية جدا تجاه اخفاقات نتنياهو السياسية المتواصلة في الموضوع الايراني، إلا أن الولايات المتحدة تعترف بخطورة التهديد الايراني، سواء الذي يكتنف الامكانية الكامنة النووية – العسكرية لدولة حافة نووية اقرب من أي وقت مضى من “قدرة الاختراق” أو الذي يتمثل في النسيج التنظيمي الارهابي الذي يمثله وكلاؤها. من هنا ينبع “برنامج بايدن” لامن اقليمي وخلق محور امريكي – اسرائيلي – عربي، وهو مخطط اسرائيل لم تكلف نفسها في أي يوم عناء التطرق اليه لأنه يحتوي على عامل فلسطيني.
إن التصعيد بين اسرائيل وايران هو سيناريو رعب بالنسبة للولايات المتحدة. منذ 7 اكتوبر “منع التصعيد” اصبح مصلحة امريكية عليا. وعن خيبة الامل من اسرائيل والتآكل الدراماتيكي لردعها، فقد عوضتها الولايات المتحدة بواسطة تهديد ضمني لايران وحزب الله: “إياكم”، كما قال بايدن في خطابه في 10 تشرين الاول والذي كرره في يوم الجمعة.
الرئيس عزز تصريحه بارسال قوتي مهمة تتمثل في حاملات الطائرات الى البحر المتوسط وتوسيع نشاط الاسطول الخامس في الخليج وفي البحر الاحمر. بين تشرين الثاني وآذار اقنعت الولايات المتحدة نفسها بأن هدفها تحقق وأن احتمالية التصعيد بين اسرائيل وايران قليلة رغم استمرار حزب الله في اطلاق النار. حسب رأيهم كان يمكن التوصل الى تهدئة في لبنان في موازاة وقف اطلاق النار في غزة، لكن هذا لم يحدث. رغم التزام الرئيس الامريكي العميق باسرائيل، وحقيقة أن تزويد السلاح، منظومات مستقبلية وذخيرة في الوقت الحالي، تمت المصادقة عليها رغم ضغوط متزايدة عليه لربط استمرار المساعدة بمساهمة اسرائيلية في الجهود الانسانية في غزة، فان الولايات المتحدة ليست لامبالية بالمكانة الجديدة لاسرائيل.
في واشنطن يلاحظون فقدان للردع ووجود استخبارات معيبة وقدرة عسكرية متوسطة وقيادة سياسية عاجزة وغير مؤهلة وعديمة الرغبة. الولايات المتحدة ترى ايضا وتحذر اسرائيل من تآكل دراماتيكي، ربما لا يمكن اصلاحه، في مكانتها الدولية وسمعتها وجودة العلامة التجارية التي تسمى اسرائيل. هم لا يستخدمون بشكل علني مفهوم “تدمير ذاتي للقيمة”، لكن الحكمة الدارجة في الادارة وفي اجزاء واسعة ومتزايدة في الكونغرس، هي أن هذا ما فعله نتنياهو.
منذ الامتناع عن التصويت على القرار في مجلس الامن فان الولايات المتحدة تقريبا لا تتحدث عن وقف اطلاق النار باستثناء الرد الشديد نسبيا على قتل عاملي منظمة الاغاثة. ايضا الامريكيون توقفوا عن التحدث عن دولة فلسطينية. ولكن العملية في دمشق ضد شخصيات ايرانية رفيعة، التي لم تتم حتلنة الامريكيين حولها، تورطهم مباشرة. الالتزام القوي باسرائيل ضد ايران يستهدف الحاجة الى التهدئة، ليس فقط لايران بل ايضا لاسرائيل.