هآرتس: الإيرانيون غير مردوعين واستفزاز بن غفير منسق
هآرتس 27/8/2024، عاموس هرئيل: الإيرانيون غير مردوعين واستفزاز بن غفير منسق
بعد يومين على اشتداد المواجهة بين اسرائيل وحزب الله سجل منحى تهدئة نسبي على طول الحدود مع لبنان، على الاقل حتى مساء أمس. الطرفان قاما بتقليص بدرجة معينة الهجمات وحصر الخطوات في قطاع ضيق نسبيا على جانبي الجدار.
مع ذلك، العودة المريحة الى روتين تبادل اطلاق النار في الشمال تعكس تطبيع لروتين غير محتمل. سكان الجليل وهضبة الجولان على حق. فبخطواتها في الايام الاخيرة حيث حزب الله يستعد لاطلاق المسيرات نحو قواعد الاستخبارات في منطقة غليلوت في شمال تل ابيب، المحت اسرائيل بأن استمرار اطلاق النار على الشمال في الواقع هو مقبول عليها.
في ظل غياب تسوية سياسية في الشمال، وعدم وجود عملية عسكرية، لا يوجد الآن مسار يبث للسكان بأن الدولة تحاول اعادتهم الى بيوتهم في القريب. ايضا الاول من ايلول سيمر، في الاسبوع القادم، بدون تحسين لوضعهم أو أي موعد هدف مستقبلي للعودة. من غير المفاجيء أن رؤساء المجالس المحلية على الحدود مع لبنان اعلنوا بأنهم سيقاطعون زيارات الوزراء هناك (ليس لأن الوزراء يقفون في الطابور للزيارة)، وأمس وجهوا انتقادات غاضبة لوزير التعليم وقائد الجبهة الداخلية.
طبيعة عملية حزب الله وعدم الرد من قبل ايران حتى الآن تشير كما يبدو الى أنهم في بيروت وفي طهران يفضلون في هذه المرحلة تجنب الحرب الاقليمية، بالتأكيد عندما تقوم الولايات المتحدة بزيادة تواجدها العسكري في منطقة الشرق الاوسط.
احباط هجوم حزب الله من قبل الجيش الاسرائيلي يعكس افضلية استخبارية وعملياتية واضحة، كانت تنقص اسرائيل تماما في الاخفاق الفظيع في غلاف غزة في 7 تشرين الاول. في اسرائيل هناك ميل الى رؤية بنجاح الاحباط الذي حدث أول أمس كدليل جديد على ترسيخ الردع الاقليمي والتفوق الاستراتيجي. ولكن يبدو أن هذا التقدير بعيد عن الدقة. فخطاب رئيس حزب الله، حسن نصر الله، تضمن أول أمس الاكاذيب والمراوغة، لكن ايضا درجة من الغطرسة. بعد عشرة اشهر ونصف على الحرب فان محور ايران لا يبدو في حلالة ذعر من اسرائيل. ربما هو يفضل أن يختار بنفسه موعد التصادم الاوسع معها، ولا يوجد أي تأكيد على أن احد الطرفين، بالذات اسرائيل وليس ايران، هو الذي يستغل الوقت لتطوير القوة العسكرية بشكل ناجع اكثر.
خفوت التوتر في الشمال مكن أول أمس من استئناف المحادثات حول صفقة التبادل. البعثة الاسرائيلية جاءت الى القاهرة بعد بضع ساعات على هجوم سلاح الجو الشديد في لبنان.
يبدو أن ضبط النفس المعين لاسرائيلي وحزب الله في تبادل اللكمات يمكن أن يوضح لقيادة حماس في القطاع بأن الأمل في اندلاع حرب اقليمية واسعة لن يتحقق في القريب. عمليا، حماس رفضت اقتراحات الجسر الجديدة للوسطاء على خلفية معارضة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، للانسحاب من محور فيلادلفيا على الحدود المصرية ومن ممر نتساريم في وسط القطاع.
نتنياهو يعتقد أن الضغط العسكري المتزايد، بالاساس تعزيز ملاحقة السنوار نفسه، سيؤدي في نهاية المطاف الى تحسين قدرة اسرائيل على المساومة في المفاوضات. محادثته مع المخطوفات اللواتي تم اطلاق سراحهن في يوم الجمعة الماضي برهنت على أنه لا يمهد الارضية الجماهيرة لتنازلات في الصفقة، بل امتناعه عن فعل ذلك. في هذه الاثناء يزداد القلق في جهاز الامن على مصير المخطوفين في القطاع. هذه ليست فقط الشروط القاسية، بل ايضا تعامل حماس معهم كلما طالت الحرب.
الهدف الأسمى
موقف نتنياهو من المفاوضات ظهر ايضا في هجومه غير المسبوق أول أمس على المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي، العميد دانييل هاجري. نتنياهو مرة اخرى بقناع مصدر سياسي نشر بيان للصحافة ضد المتحدث بعد تأكيده في المؤتمر الصحفي أول أمس بأن اعادة المخطوفين هي هدف سام للحرب. في مكتب رئيس الوزراء نشروا قائمة طويلة للاهداف (من بينها “اعادة سكان الشمال بأمان الى بيوتهم” الأمر الذي لم تعمل الحكومة مطلقا على القول بأنها هدف علني للحرب). وقالوا إن اقوال هاجري “مخالفة لتعليمات المستوى السياسي”.
منذ بداية الحرب اهتم هاجري بأن يعقد المؤتمرات الصحفية بشكل متواتر، وأن يرد على اسئلة المراسلين، ويتحدث بمبادرة منه مع الجمهور، حتى عندما تتناول الاسئلة أنباء سيئة. مثل المخطوفين الثلاثة الذين نجحوا في الهرب من اسر حماس وقتلوا على يد قوات الجيش الاسرائيلي.
عمليا، هاجري عمل اكثر من مرة كدرع بشري لنتنياهو ورجاله. رغم أن مقر الاعلام الوطني – المدني لا يعمل على الاطلاق في الحرب. هذا في الوقت الذي يفضل فيه رئيس الحكومة التحدث الى الجمهور بالاساس بعد انجازات عسكرية. في الفترة الاخيرة نتنياهو لا يكلف نفسه حتى عناء نشر بيانات قصيرة للمشاركة في الحزن في اعقاب موت جنود في الحرب.
مهاجمة هاجري بشكل علني في الوقت الذي فيه وسائل الاعلام تتعاون مع عرض “المستوى السياسي” (رغم أنه عمليا الحديث يدور عن نشر بيان خطي للمكتب)، تستهدف خدمة عدد من الاهداف. فقد ضربت الجيش الاسرائيلي في اليوم الذي وفر فيه البضاعة من خلال الهجوم في لبنان؛ عرضته ايضا كانهزامي مع مواصلة القاء الاتهامات للضباط على الاخفاقات في 7 اكتوبر؛ وبثت للقاعدة السياسية مواقف متشددة في المفاوضات.
لا يضبط نفسه
خطوة نتنياهو تبدو تقريبا مسالمة مقارنة مع الهياج الاخير لوزير الامن الوطني ايتمار بن غفير. أول أمس نشرت قائمته، “قوة يهودية”، اعلان كبير في الصحف ضد رئيس الشباك رونين بار. هذا بعد أن قام بار بارسال رسالة تحذر من الاستفزازات الخطيرة لبن غفير في الحرم، وأنها يمكن أن تؤدي الى اشتعال آخر في القدس وفي الضفة الغربية. حزب “قوة يهودية”، الذي مول نشر البيان من اموال دافعي الضرائب، اتهم بار بأنه يجر اسرائيل الى كارثة اخرى لأنه يدفع قدما بـ “صفقة خاطئة لا اساس لها”.
عندما طرحت هذه الامور في جلسة الحكومة رد نتنياهو بتقديم موعظة صغيرة لوزراء الحكومة، وطلب منهم اظهار ضبط النفس. ولكن بن غفير لم يظهر أي ضبط نفس حتى لو قليل. ففي الـ 48 ساعة الاخيرة استكمل تعيين المفتش العام الجديد للشرطة، ليكون خاضع لكل اخطائه، واعلن عن ترقية ضابط عنيف في الشرطة وتجاهل قرار المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا. وكي لا يغيب للحظة عن العناوين اهتم ايضا بالتهديد باقامة كنيس في الحرم.
نتنياهو كعادته تحفظ، لكن من الواضح أنهما يلعبان لعبة مركبة، تشمل تنسيق غير قليل من وراء الكواليس. في جهوده لابقاء نظر وسائل الاعلام متجهة نحوه فان وزير الامن الوطني يضر بأمن الجمهور ويحاول بكل قوته اشعال الشرق الاوسط. ما تم كبحه على الحدود مع لبنان يمكن أن يشتعل في نهاية المطاف في القدس.