هآرتس: الأسبوعان الاخيران يلقيان بظلال شك على كون إسرائيل حليفة الولايات المتحدة
هآرتس 30/9/2024، الون بنكاس: الأسبوعان الاخيران يلقيان بظلال شك على كون إسرائيل حليفة الولايات المتحدة
منذ 7 تشرين الاول 2023 والمصلحة الامريكية العليا في الشرق الاوسط هي منع التصعيد الاقليمي. هذا المنع فشل، حتى لو كان يبدو في واشنطن خلال 11 شهر بأن هذا تقريبا ينجح. على طول محور الزمن تمت صياغة مصالح ثانوية. المصلحة الثانية كانت اقامة بنية تحتية سياسية لترميم الاستقرار بواسطة تقليص حجم الحرب والنار، ووقف النار ومنع توسيع الحرب. ايضا هذه العملية فشلت.
المصلحة الثالثة كانت بلورة خطة لغزة ما بعد الحرب، تشمل قوة عربية وتعاون السلطة الفلسطينية وملء الفراغ الحكومي في غزة، من هناك كانت الولايات المتحدة تأمل توسيع التغيير في غزة ليصبح اطار سياسي اقليمي يشكل وزن مضاد امام “محور الارهاب والفوضى”، الذي تقف في مركزه ايران؛ “محور الاستقرار” الذي يشمل اسرائيل والسعودية ومصر والاردن وقطر واتحاد الامارات والسلطة الفلسطينية، كل ذلك برعاية امريكا. لكن هذه الخطة فشلت. المصلحة الرابعة التي اصبحت مصلحة هامة في الصيف هي منع تحويل الحرب الى مكرهة ومصدر ازعاج سياسي في الفترة التي تسبق الانتخابات الامريكية، ايضا هنا كان فشل.
رغم النوايا الحسنة والمنطق السياسي في هذه المصالح لكل ذوي العلاقة وادوات الضغط للولايات المتحدة في ترسانتها السياسية والعسكرية، إلا أنها فشلت. لا توجد طريقة معتدلة أو لطيفة أكثر لصياغة ذلك. المقارنة بين وضوح الاستراتيجية، السياسة المنظمة والادارة الناجعة والحازمة للولايات المتحدة في ازمة اوكرانيا منذ 2022، والاستخذاء والتشويش ودمج السذاجة والغطرسة في ادارة العلاقات مع بنيامين نتنياهو حول الحرب في غزة والتصعيد في لبنان، ليست اقل من مدهشة في تناقضها الحاد.
في اوكرانيا الولايات المتحدة بلورت سياسة جديدة. فقد اعادت صياغة اهداف وجوهر حلف الناتو، ووسعت الحلف عند انضمام السويد وفنلندا، ووفرت مساعدة كبيرة ومستمرة لاوكرانيا. المساعدة في الدفاع عن اسرائيل، منظومات السلاح والتسليح والحماية السياسية، كانت تقريبا غير مسبوقة. ولكن في كل ما يتعلق بالحفاظ والدفع قدما بمصالحها في الشرق الاوسط حول الحرب، فان سياسة امريكا فشلت في تحقيقها. في مخزن السياسة الخارجية والمصالح للولايات المتحدة الاستراتيجية فان الشرق الاوسط لم يعد حاسم مثلما كان في السابق، لكن الفشل ينعكس الى الخارج وتتم مشاهدته في العالم.
تحدٍ صريح وصارخ
الخط الثاني الذي يمر بين بنود الفشل الامريكي يوجد له اسم وهو بنيامين نتنياهو. في بؤرة وديناميكية العلاقات بين امريكا واسرائيل (من البداية هي علاقات غير متكافئة، التي ما زال يتم اعادة تشكيلها في واقع دولي مختلف عما كان عليه عندما تم تصميمها في السبعينيات والثمانينيات)، توجد قاعدة توجيه تفوقت حتى الآن على القواعد الاخرى: حرية عمل محدودة لاسرائيل، وتنتهي عندما تتصادم افعالها مع مصالح الولايات المتحدة. خلال سنوات حرصت اسرائيل على تنفيذ هذه القاعدة. نتنياهو بدأ يمطها، وعندما شاهد بأن ذلك يمر بدون رد حقيقي من الادارة الامريكية، وفقط يتطلب انتقاد خفيف، فقد استمر في ذلك.
الادارة الامريكية استغرقها سنة حتى تستوعب. وحتى الآن من غير المؤكد أنها ادركت ذلك بشكل كامل، أن نتنياهو يسعى الى المواجهة بشكل متعمد. مقولة “أنا فقط أعرف كيفية الوقوف أمام امريكا”، ليست تصميم مبرر لتحقيق مصالح اسرائيلية حيوية، بل مناورة شعبوية لاغراض داخلية. بالضبط كما لا يوجد لخطاباته في الكونغرس أي اهمية سياسية، ولم يتم طرح فيها في أي يوم سياسة باستثناء ما اعتبره نتنياهو فائدة سياسية. امريكا استغرقها سنة حتى تبدأ بالفهم أن هدف نتنياهو هو مواصلة الحرب في غزة، وأن طموحه هو التصعيد، الذي ربما سيخلق حرب مع ايران، التي ستجر الولايات المتحدة اليها. بعد سنة من الالاعيب والخداع والتضليل والاكاذيب والتردد لا يوجد التزام بالتفاهمات، بل هناك تحد صريح وصارخ احيانا، ربما ادركوا في الادارة الامريكية بأن نتنياهو لا يعتبر حليف موثوق للولايات المتحدة.
هذا الامر لا يدل بالضرورة على جوهر السياسة الامريكية، وفي حالة معينة ربما الولايات المتحدة اخطأت. ولكن النموذج كان واضح والاحتكاك والمواجهة حدثت بوتيرة متزايدة: حجم استخدام القوة الزائدة في غزة، حجم قتل المدنيين، المساعدات الانسانية، الرفض المطلق لمناقشة اطار سياسي لغزة بعد الحرب، الديماغوجيا وصرخات الاستغاثة بأنهم “يحاولون فرض دولة فلسطينية علينا” (كأن هذا محتمل)، التملص والجشع فيما يتعلق بصيغة وقف اطلاق النار وصفقة التبادل، الاكاذيب حول التفاهمات، الرفض في رؤية أنه في وقف اطلاق النار في غزة يوجد مفتاح منع التصعيد في لبنان.
هذا لا يعني أن اسرائيل غير محقة في بعض الحالات. حتى لو كان من الحكمة المس الاستراتيجي بحزب الله فقد كان من الصحيح القول للامريكيين بهدوء: اعتمادنا عليكم كبير جدا، تقريبا اعتماد وجودي. المساعدات التي منحتونا اياها كانت حيوية وغير مسبوقة. توجد بيننا خلافات حول خططكم، وها هي خططنا، هذه هي خطتنا لغزة، وهذه خطتنا للبنان بعد مهاجمة حزب الله. ولكن هذا لم ولن يحدث.
رغم طبيعة السياسة الامريكية الفاترة، ورغم الخليط المدمر من البراءة الشديدة، “نتنياهو فقط أمس قدم التزام”، وغطرسة “نحن نعرفه منذ 30 سنة وسنعرف كيفية ادارته وكبحه”، رغم كل ذلك إلا أن الادارة الامريكية تستمر في شراء السيارات المستخدمة بدون محرك من نفس التاجر. مع ذلك، في الاسبوعين الاخيرين اصبح واضحا أن هناك شيء لم يتم قوله في السنة الماضية إلا بالهمس وهو أنه منذ 2023 والانقلاب النظامي اسرائيل ليس فقط تراجعت عن البنية التحتية لـ “القيم المشتركة” مع الولايات المتحدة، بل هي تضع محل الشك مسألة كونها حليفة للولايات المتحدة.
نهاية الشريك الخفي
حقيقة أن الولايات المتحدة تعتبر كمن ليس لديها اداة ضغط على اسرائيل أو أنها غير معنية باستخدامها، تخلق فيها وفي العالم صورة ضعف. نتنياهو يمكنه تقديم المواعظ حتى الغد في الامم المتحدة بأن اسرائيل تحارب “من اجل الغرب وقيم العالم الحر”، لكن لا أحد يصدقه.
الولايات المتحدة ايدت الحرب في غزة ومبررها. وأيدت ايضا بأثر رجعي العمليات ضد حزب الله، وهي مرة اخرى ترى نتيجة لذلك فرصة لاعادة تشكيل محور مناهض لايران، ومرة اخرى ستكتشف أن هذا المشروع ينقصه شريك رئيسي وهو بنيامين نتنياهو.