هآرتس: اقرث وبرعم وأم الحيران، والآن غزة
هآرتس 4/12/2024، كوبي نيف: اقرث وبرعم وأم الحيران، والآن غزة
قبل حوالي أسبوعين، نشرت صحيفة “هآرتس” مقالًا لاذعًا وصادقًا بشكل لا يضاهى ضد الظلم الفادح الذي تعرض له سكان قرية أم الحيران البدوية. أُجبر سكان القرية على هدم منازلهم بأيديهم، لتجنب دفع تكاليف الهدم للدولة، ونُقلوا من قريتهم لتُقام على أراضيهم، بقرار حكومي وموافقة المحكمة العليا، مستوطنة يهودية تحمل اسمًا ساخرًا، “درور”، حيث سيتم تسويق الأراضي فيها “فقط لمن يلتزم بتعاليم التوراة والقيم الأرثوذكسية اليهودية”.
كتب في المقال: “تاريخ هذه القرية يعكس الجانب المظلم من المشروع الصهيوني”. و”أفراد عشيرة أبو القيعان، الذين عاشوا في النقب منذ القرن التاسع عشر، نُقلوا في عام 1956 إلى وادي حيران، إلى قرية غير معترف بها تسمى أم الحيران …”. وشُدد في المقال على أن “الدولة نفسها هي التي أرسلتهم إلى هناك”.
وجاء في المقال أيضًا أن السبب وراء تهجير البدو من أراضيهم الأصلية كان “استيلاء كيبوتس شوفال على أراضيهم”. وهنا أضيف أن هذا الكيبوتس ينتمي إلى حركة “هشومير هتسعير” (الحارس الشاب)، التي أسستها حركة مبام الاشتراكية المزعومة، والتي لم يتبقَّ منها اليوم سوى رماد حزب ميرتس.
قصة أم الحيران تصدرت العناوين بسبب مقتل أحد سكان القرية، يعقوب أبو القيعان، والشرطي إيريز ليفي، في عملية شرطية فاشلة، دون أن يُحاسب أي شخص على وفاتهما المأساوية، وأيضًا بسبب التدمير النهائي للقرية البدوية لإقامة مستوطنة يهودية، وكأن النقب لا يحتوي على مساحة كافية لإقامة مستوطنات جديدة.
ورغم ذلك، مر هذا الظلم الفادح بصمت إعلامي وسياسي مطبق، وكأنه أمر عادي ومعتاد.
نظرة إلى الوراء: قريتي إقرث وبرعم
في أواخر العام 1948، استسلمت قرية إقرث وقرية برعم، وهما قريتان فلسطينيتان مسيحيتان في الجليل الأعلى، دون مقاومة للجيش الإسرائيلي، الذي أمر سكانهما بمغادرة قراهم لمدة أسبوعين فقط “لأسباب أمنية”. كان هذا التبرير الكاذب يُستخدم باستمرار كمبرر لطرد الفلسطينيين، وتجريدهم من أراضيهم وقراهم. بالطبع، لم يتم الوفاء بالوعد بعودة السكان إلى قراهم أبدًا.
تجاهل قرارات المحكمة العليا
بعد مرور ثلاث سنوات، ومع إدراك المهجرين أن وعد العودة لم يتحقق، لجأوا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية. أصدرت المحكمة حكمًا يأمر الحكومة بالسماح لهم بالعودة إلى قراهم. لكن بدلاً من تنفيذ الحكم، أصدرت السلطات أوامر جديدة بإبعاد السكان عن قراهم، مستندة إلى “أسباب أمنية” بأثر رجعي من العام 1948. ولتعزيز هذا القرار، دمر الجيش الإسرائيلي جميع منازل قرية إقرث.
التصعيد واستمرار التهجير
لجأ المهجرون إلى المحكمة العليا مرة أخرى للطعن في أوامر الجيش، لكنها رفضت الطعن. بعد عامين، في العام 1953، قصفت القوات الجوية الإسرائيلية منازل قرية برعم المهجورة.
مصادرة الأراضي
صودرت أراضي القريتين وقُسمت بين المستوطنات اليهودية في المنطقة، مثل “أفين مناحيم”، “شوميرا”، “دوفاف”، و”جورين”، بالإضافة إلى الكيبوتسات “سعسع” و”برعم”، وبعض هذه الأراضي أعلن عنها كمحميات طبيعية.
محاولات غير مجدية لإعادة المهجرين
- العام 1972: قررت حكومة غولدا مئير عدم السماح للمهجرين بالعودة. ولكن حزب المعارضة (جاحل) (الليكود اليوم) برئاسة مناحيم بيغن اعلن ردا على ذلك انه يؤيد المهجرين. ولكن عندما صعد بيغن الى سدة الحكم بعد 5 سنوات من ذلك شكل لجنة والتي قررت الا تسمح للمهجرين بالعودة الى بيوتهم . في العام 1981 قدم المهجرون التماسًا آخر للمحكمة العليا للطعن في أوامر الإبعاد ومصادرة أراضيهم، لكنها رفضت الالتماس بحجة مرور وقت طويل على إصدار الأوامر. وفي العام 1993: شكلت حكومة إسحق رابين لجنة أوصت بإعادة المهجرين إلى مساحة محدودة من أراضيهم (1.200 دونم)، ولكن التوصية لم تُنفذ.
- العام 1997: لجأ المهجرون مجددًا إلى المحكمة العليا، لكنها رفضت الالتماس بحجتين: الأولى عدم وجود أراضٍ كافية، والثانية أن إعادة المهجرين قد تشكل “سابقة خطيرة” فيما يتعلق بحق العودة. وبهذا الشكل انتهت القضية، على ما يبدو، دون تحقيق أي عدالة أو إنصاف.
الآن تنفذ دولة إسرائيل – وليس فقط حكومة إسرائيل ذات التوجهات البيبية – الكهانية، بل دولة إسرائيل نفسها – من خلال جيشها، الذي يخدم فيه كتفًا إلى كتف إخوة في السلاح والدمار، من المعسكرين “كابلان” و”البيبييين”، عملية تدمير واسعة النطاق تكاد تصل إلى حد التطهير العرقي في قطاع غزة، خاصة شماله، لإقامة مستوطنات يهودية مكان المدن ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
لست أنا، “الخائن اليساري”، من يقول ذلك، بل وزير الدفاع ورئيس الأركان الأسبق الفريق موشيه (بوغي) يعلون: “يدفعوننا نحو الاحتلال، الضم، والتطهير العرقي. انظروا إلى شمال القطاع، سمّوه ترحيلًا أو أي شيء تريدونه، لكن الفكرة هي الاستيطان، إقامة مستوطنات يهودية. هذا هو الموضوع”.
ليس يعلون وحده من يقول ذلك، بل أيضًا دانييلا فايس، منظّرة الاستيطان اليهودي في غزة، والتي يمكن وصفها بـ”هرتسل” دولة اليهود في غزة. عندما سألها المراسل الصحفي إيلان لوكاش من أخبار القناة 12، مستفزًا: “من سيحميكِ هناك؟” أجابت فايس بكل ثقة وفرح: “ما هذا السؤال؟ إذا لم يكن هناك عرب، فلن يكون هناك حاجة للحماية.” هل فهمتم؟.
يعلون محق: “هذا هو الموضوع.” وهذا لم يكن الموضوع الآن فقط في غزة، بل كان دائمًا جوهر المشروع الصهيوني. دائمًا كان الموضوع هو احتلال الأراضي الفلسطينية، طرد سكانها، تدمير منازلهم، مصادرة أراضيهم، إقامة مستوطنات يهودية عليها، وإنشاء دولة اليهود على أرض إسرائيل، التي هي لنا وحدنا.
“تاريخ هذه القرية هو تاريخ الجانب المظلم من المشروع الصهيوني”، كما جاء في مقال افتتاحي سابق. لكن هذا ليس “الجانب المظلم” من المشروع الصهيوني، بل هو المشروع الصهيوني نفسه. لقد ذكرت هنا ثلاثة أمثلة فقط، لكن هناك المئات بل الآلاف المنتشرة في أرجاء البلاد. لأن هذا هو المشروع الصهيوني، وهذه هي الصهيونية.