هآرتس: اعمال الشغب في المحكمة تُقرب نهاية الديمقراطية

هآرتس 10/4/2025، مردخاي كرمنتسر: اعمال الشغب في المحكمة تُقرب نهاية الديمقراطية
اقالة رئيس الشباك تثير اسئلة جوهرية وحاسمة من ناحية سلطة القانون، وهي تنحرف بشكل كبير عن الموضوع الشخصي لرونين بار. تصعب رؤية في بار شخص يحارب شخصيا من اجل تمديد فترة ولايته من اجل استنفاد المتعة التي يعيشها، حيث من غير المحتمل تصور متعة أقل من الخدمة في منصب رئيس الشباك في ظل هذه الحكومة. اذا استمر النقاش حتى البت فيه فان النزاهة تقتضي السماح لرئيس الشباك بعرض على القضاة رده على الادعاءات التي طرحت ضده وموقفه في جلسة سرية، تمكن المحكمة من البت في الامر بشكل جوهري كما هو مطلوب والغاء قرار الاقالة.
من اعتقدوا أن الملتمسين سيتم رميهم من المحكمة بصورة مهينة، خاب املهم. من كانوا يأملون أن عدم امتثال رونين بار كملتمس للمحكمة سيؤدي الى رفض الالتماس، خاب أملهم. وقد صدقوا الذين قدروا بأن المحكمة يمكن أن تؤيد حل وسط يعفيها من اتخاذ قرار في هذه الالتماسات بحد ذاتها. بداية هذا المسار في اقتراح شخصي للقاضي نوعام سولبرغ، الذي ظهر وكأن القضاة الآخرين غير متحمسين له، لكنه بعد ذلك اصبح اقتراح من قبل المحكمة للحكومة والمستشارة القانونية للحكومة.
ادعاء الحكومة بأن رئيس الجهاز تنازل عن حق الادعاء لأنه لم يأتي الى جلسة الحكومة اثناء مناقشة اقالته، يدل على أي درجة تستخف الحكومة بحق الادعاء، الذي هو من أسس العدل الطبيعية. لا يمكن توقع قدوم رئيس الجهاز الى جلسة بدون أن تقدم له بنية تحتية وقائعية مفصلة حول الادعاءات ضده. ولأن هذه الادعاءات لم يتم تقديمها له فانه يمكن الافتراض أن هدف الجلسة هو اهانة لرئيس الشباك على يد الموجودين في حالة تضارب مصالح تحرمهم من مناقشة قضيته. هذا بعد أن سمع من رئيس الحكومة بأنه نسبت له خيانة الدولة، وبعد أن تم ابعاده عن المفاوضات حول اطلاق سراح المخطوفين في اعقاب نجاحه في هذه المهمة.
لقد كانت لدى الحكومة ادعاءات من شأنها أن تستخدم كـ “ورقة رابحة”. الادعاء الاول هو أنه توجد للحكومة صلاحية واضحة في القانون لاقالة رئيس الشباك، والمحكمة لا يمكنها التدخل بالصورة التي تستخدم فيها الحكومة صلاحياتها. ورغم أن هذا الادعاء ليس له أساس قانوني إلا أن الحكومة صممت عليه وكأنها لم تسمع أي شيء عن وجود قانون اداري ينص على كيفية تفعيل الصلاحية القانونية في حالة محددة.
إن طرح هذا الادعاء من قبل رجال قانون يذكر بتحذير رئيس المحكمة العليا السابق مئير شمغار بأنه لا يجب استخدامهم كـ “مهرجي قضاء”. لذلك فانه احيانا ظهرت النقاشات في المحكمة مثل دورة مبتدئين تمهيدية في مباديء القانون الاداري.
عمليا، هذا الادعاء اكثر خطرا من التهريج، لأنه يفتح جبهة دائمة امام المحكمة. في كل مرة يطلب فيها من المحكمة فحص طبيعة استخدام الصلاحيات – نسمع أنها انحرفت عن صلاحياتها. هكذا فان الحكومة تتنصل من سلطة القانون وتدعي تحررها من نير القانون. هذا ادعاء بسيط يمكن استيعابه، الذي بسرعة يأمر قلوب كثيرة ويخلق العداء للمحكمة.
من اجل انقاذ الادعاء احتاجت الحكومة الى القول بأنه اثناء الحرب يتم تعطيل وشل القانون الاداري. هذا ادعاء معيب محظور قبوله. وباعادة صياغة لاقوال القاضي المتوفى ميشال حشين، فان القانون الاداري هو الصوت العالي الذي يجب أن يسمع حتى عندما تطلق المدافع وتصمت الجنيات. في المقابل، طرح هذا الادعاء يمثل افضليات وضع الحرب من ناحية السلطة، والحاجة الى تعزيز العلاقة المشبوهة تجاه سياسة استمرارها بدون هدف سياسي. لذلك تمت اضافة ادعاء بشأن الحاحية هذه الخطوة. سلوك الحكومة نفسها، التي في البداية طلبت تأجيل انهاء الولاية لثلاثين يوم، يدل على أن الحديث لا يدور عن ادعاء حقيقي، بل ذريعة متأخرة.
عندما تلوح الحكومة بالقلق على أمن الدولة فانه مطلوب فرك الاذن. من الذي قام برعاية وتقوية حماس، وعمل على تعزيز مكانة قطر بجعلها وسيطة، وقام بتطبيع عمل المقربين من مساعديه في الخدمة الداعمة لحماس اثناء الحرب، وأراد اقالة يوآف غالنت لأنه حذر من الخطر الكبير على الأمن، ثم تم طرده اثناء الحرب لاستبداله بيسرائيل كاتس، هؤلاء الذين يتخلون عن المخطوفين ويشجعون على التهرب من الخدمة العسكرية، ويقومون بتعيين رئيس جديد لجهاز الامن خلافا لأمر المحكمة، ويتم التراجع عن ذلك بسرعة – كل ذلك يضر بأمن الدولة وسيجد صعوبة في اقناع الناس بأن قيادة سفينة الأمن توجد في أيدي أمينة، كما المحت القاضية دفنة براك – ايرز.
الادعاء الثاني يتعلق بازمة الثقة التي نشأت بين الحكومة، وبالاساس رئيسها، وبين رئيس الشباك، التي تمنع الأداء المناسب. ولكن هذا الادعاء يتجاهل مصادر ازمة الثقة والمسؤول عنها. أولا، عندما يتوقع رئيس الحكومة من رئيس الشباك تقديم خدمات شخصية وحزبيه له، كما طلب نتنياهو من بار تقديم في صالحه رأي كاذب للمحكمة، عندها يجب على رئيس الجهاز أن يرفض. لا يجوز في أي حالة النظر الى رفضه أداء واجبه، وإلا ستفتح طريق سهلة لاقالته من خلال تقديم طلبات يجب عليه رفضها بحكم خضوعه للمملكة وليس الملك.
مصدر آخر للازمة يكمن في محاولة منع رئيس الشباك من اسماع رأيه المهني، الذي بحسبه لجنة التحقيق الرسمية هي أمر حيوي لأمن الدولة. لذلك فان الحكومة تنفي استقلالية رئيس الجهاز ودوره كحارس عتبة. بدون حماية رئيس الشباك الذي يطرح موقفه بدون تحيز فانه لن يكون لدينا رئيس شباك مستقل ولن يكون لدينا جهاز دولة. اضافة الى ذلك فان الجهاز السري الذي يخدم المصالح الشخصية والحزبية سيشكل خطرا على كل الحريات المدنية والديمقراطية ووجود الدولة.
الجزء المحرج اكثر في ادعاءات الحكومة هو تجاهل الكثير من الادعاءات الواقعية، التي هي حسب رأيها مصدر ازمة الثقة. من فشل رئيس الشباك في علاج المتظاهرين ضد الانقلاب (امتناعه عن جعل الجهاز جهاز شتازي) الى دوره في كارثة 7 اكتوبر (بعد سنة ونصف من الاحداث عندما يتجرأ رئيس الوزراء على نفي دوره الحاسم فيما يحدث باستمرار) الى مطالبة رئيس الجهاز بتعيين لجنة تحقيق رسمية (الحاجة الامنية من الدرجة الاولى) وما شابه. ليس بالصدفة اشار القاضي سولبرغ الى عدم وجود صورة واقعية. وهذا غير مفاجيء أبدا لأن الحكومة لا يمكنها تحمل كشف الحقيقة.
السبب الحقيقي في ازمة الثقة يكمن في التوتر الذي يحدث بين رئيس جهاز رسمي وبين رئيس حكومة لا صلة له بالدولة، وهو أسير متاهة مصالحه الشخصية والسياسية. عندما سئل المحامي تسيون امير عن النفي الذي نشره رئيس الحكومة بخصوص نية اقالة رئيس الشباك، عبر عن الاستغراب من السؤال. أي سبب يمكن افتراضه في أن بيان رئيس الحكومة يعكس الحقيقة. من غير الغريب أن ممثل الحكومة لم يتردد في وصف مؤامرة الدولة العميقة بأنها موقف مشروع. فقط في عالم لا يوجد فيه فرق بين الحقيقة والكذب يمكن اعتبار رئيس الوزراء رجل أمن ورونين بار خائن.
المستشارة القانونية للحكومة حذرت في الوقت المناسب اعضاء الحكومة من الحاجة الى توضيح مسألة تضارب المصالح. ولكن كالعادة اختاروا تجاهل نصيحتها، بالذات لأنها تعكس بوضوح القانون الذي يعتبر غير دستوري. وفي غطرستهم جنبوا ايضا تحويل قضية المساءلة الى لجنة التعيينات العليا كما كان يجب أن يفعلوا. ظاهريا، يمكن الغاء قرار اقالة بار واعادة الحكومة الى مهمة اجراء التحسينات. ولكن مشكوك فيه أن يكون هذا حل حقيقي، حتى لو حدثت معجزة فان لجنة غرونس ستقدم توصية جوهرية رغم أن اثنين من اعضائها يتم تعيينهم من قبل الحكومة – من الذي سيضمن استماع الحكومة للتوصية؟ يتوقع حدوث العكس. الساذجون فقط هم الذين يعتقدون أن الحكومة تستطيع النظر الى القضية بموضوعية، لا سيما في ظل العداء الكبير الذي يظهره رئيس الوزراء لرئيس الشباك.
ليس فقط اقالة رئيس الشباك هي الحدث غير المسبوق، ايضا اعمال الشغب في المحكمة أول أمس هي غير مسبوقة. توجد علاقة مباشرة بين عداء الائتلاف للمحكمة، خاصة الادعاء بأنها تعمل خلافا للقانون وضد ارادة الشعب، وبين موقف الجمهور من المحكمة. لذلك فانه يجب التحذير من الخطر الذي يتعرض له القضاة، خطر العنف، ليس أقل من ذلك، خطر كبير وفوري يتربص بالديمقراطية التي مضمونها يفرغ من المضمون. رئيس المحكمة العليا عميت كان على حق عندما اعترف بقدرة الحكومة على وضع حد لهذه المشكلة من خلال اتخاذ خطوات كبيرة، واقالة رونين بار تعتبر من هذه الخطوات.
إن نهج الحكومة الذي يعرف الديمقراطية بأنها ليست أكثر من حكم الاغلبية، هو نهج معاد للديمقراطية، واسوأ من ذلك هو نهج لديه القدرة على تدمير الديمقراطية بشكل كامل.