هآرتس: اعادة يحيى السنوار الى المفاوضات
هآرتس 14/8/2024، رونيت مرزان: اعادة يحيى السنوار الى المفاوضات
“يحيى السنوار يتعرض لضغط من قادة الذراع العسكري الذين بقوا في القطاع، وهو معني بوقف اطلاق النار في اسرع وقت. فقد تفاجأ وهو غير راض عن تعيينه كرئيس للمكتب السياسي لحماس، وحتى أنه يخشى من أن هذا الامر يتعلق بشرك”. اذا كانت الاقوال في هذا الاقتباس صحيحة، الذي اقتبسه المحلل اهود يعاري من مصادر في حماس، فانها تعني أن السنوار يعتبر أن ترقيته للمنصب الاعلى هي شرك يستهدف جعله يخرج من الانفاق. هذا غير مفاجيء لأنه بين السنوار وقطر وقيادة حماس الخارج هناك نزاع طويل الأمد على خلفية محاولتهم تصفيته سياسيا، وربما جسديا، بواسطة اسرائيل.
في شباط 2017، على الفور بعد انتخابه رئيس للمكتب السياسي في غزة، قام السنوار بالتنسيق الامني مع مصر بما يشبه ما يفعله محمود عباس مع اسرائيل، وتصالح مع محمد دحلان، وهو من كبار قادة فتح وعدو أبو مازن (دحلان يعيش الآن في دولة الامارات). وقد اعلن السنوار حتى بأنه مستعد لاخضاع سلاح كتائب القسام لـ م.ت.ف (التي وقعت على اتفاقات اوسلو).
قطر وقيادة حماس الخارج ادركت أن خطوات السنوار، وتوجهه الى مصر، يمكن أن تشوش على خططها لتتويج مشعل على رأس م.ت.ف، وبدأت في العمل على قضم مكانته السياسية. وقد استخدمت حقائب الاموال القطرية التي حولت الى غزة من اجل وصفه كمتعاون مع اسرائيل، وكمن باع فلسطين مقابل ثمن قطري بخس. في الانتخابات الداخلية لمؤسسات حماس في 2021 تم ترشح نزار عوض الله امامه، المقرب من مشعل، وفاز عليه. ولكن بسبب معارضة كتائب القسام فقد بقي السنوار في منصبه. بعد انتهاء المعركة العسكرية بين اسرائيل والجهاد الاسلامي في 2022، التي قرر السنوار عدم المشاركة فيها، تم نشر كاريكاتير في صحيفة “العربي الجديد” القطرية، ظهر فيه السنوار مثل أبو مازن كمتعاون مع اسرائيل خان الشعب الفلسطيني.
قرار تعيينه في منصب رئيس المكتب السياسي لحماس (ليس فقط في غزة)، كان يمكن أن يسمح له بالخروج من غزة باحترام كونه يشغل منصب تمثيلي. ولكن السنوار، حسب يعاري، يعتقد أن الامر يتعلق بشرك، وأنه يخشى من أن يُفعل به ما فُعل بهنية. اذا خرج من غزة اسرائيل ستقوم بتصفيته. وخصمه مشعل يمكن أن يجني ثمار العملية التي قادها في 7 تشرين الاول.
السنوار جاء من الذراع العسكري لحماس. فهناك هو يشعر بالراحة، ومن هناك هو يأخذ قوته السياسية. عندما انتخب لرئاسة المكتب السياسي في غزة، رغم أنه عرف بأن الامر يتعلق بانجاز كبير له، قال: “أنا لا أحب الجاكيت الذي ألبسوني اياه”. لذلك، من المرجح الافتراض بأنه لن ينفصل جغرافيا عن مصدر قوته العسكرية، ولن يقع في اغراء فخ قطر. واذا لم يكن أمامه أي خيار واضطر الى الخروج من القطاع فان خروجه سيكون فقط الى مصر، التي علاقته معها تختلف كليا عن علاقته مع قطر.
بعد انتهاء عملية “حارس الاسوار” في 2021، وعندما عادت مصر للتوسط بين اسرائيل وحماس، شرح الصحفي المصري عمرو اديب، المقرب من النظام، لماذا السنوار، وليس اسماعيل هنية أو خالد مشعل اللذان يعيشان في قطر، يجب أن يكون العنوان لأي مفاوضات مستقبلية بين السلطة الفلسطينية واسرائيل والمجتمع الدولي. وشرح أديب بأن السنوار هو “زعيم حقيقي، أصيل ومهم، كان في السجن الاسرائيلي ويعيش في غزة ويعاني مثل كل المواطنين، ويحافظ على علاقة شخصية مع الميدان وعائلات الشهداء، وشجاع وخصم عنيد لاسرائيل. اللغة العدائية للسنوار تصعب على مصر الدفع قدما بمبادرات المصالحة والتسوية السياسية، حتى لو كانت تتفهم حاجته الى اظهار القوة المماثلة لها، الامر الذي تطلب منها شن حرب تشرين الاول من اجل التوقيع على اتفاق السلام مع اسرائيل. ولكن في 7 تشرين الاول 2023 تمت ترجمة لغة السنوار العدائية الى عمليات ذبح اجرامية لا يمكن أن تغفر، وهي لا تشبه حرب مصر في تشرين الاول”.
السنوار لم ينجح في استغلال انجازاته في عملية حارس الاسوار للتقدم السياسي الى جانب السلطة الفلسطينية، واستمر في الاهتمام بزيادة القوة العسكرية. وهو ايضا لم يتوقع قوة رد اسرائيل العسكرية على المذبحة في 7 تشرين الاول، ولم يتوقع ايضا اللامبالاة النسبية للزعماء العرب والمسلمين، الذين بدرجة معينة تركوه لوحده في المعركة.
مقابل فقدان العدد الكبير من النشطاء الرئيسيين في المجال السياسي والعسكري، وتعزز قوة خالد مشعل في اعقاب اغتيال هنية وصالح العاروري، فانه يوجد امام السنوار خيارين. استخدام “الترقية” التي حصل عليها من اجل عقد صفقة تحرير المخطوفين مقابل تحرير سجناء فلسطينيين، والتي ستسجل على اسمه وليس على اسم مشعل وامير قطر، وربما ايضا ستحافظ على قدرته على التأثير على “اليوم التالي” بواسطة محمد دحلان من جهة، وتحرير مروان البرغوثي، زعيم فتح الذي يحظى بشعبية كبيرة، من جهة اخرى.
في ظل غياب الصفقة فان خيار السنوار الثاني هو تعزيز علاقته مع الجهاد الاسلامي والحمائل الكبيرة في غزة المقربة من الجهاديين، على أمل أن تهاجم ايران اسرائيل وتنقذ ما تبقى من كرامته.
البيان المشترك لحماس الداخل والجهاد الاسلامي الذي نشر بعد فترة قصيرة من اغتيال هنية، هو اشارة لمصر ودولة الامارات ودحلان، المحور الذي اختار السنوار الانضمام اليه والذي تمت تصفيته على يد قطر واسرائيل. حسب هذا التلميح فان كل من سيحاول فرض سلطة لجهات فلسطينية أو خارجية على قطاع غزة يمكن أن يواجه جبهة موحدة تشمل حماس والجهاد الاسلامي والحمائل في غزة.
هذا هو الوقت المناسب لاستخدام الانجازات العسكرية للجيش الاسرائيلي وترجمتها الى مفهوم سياسي، يعيد السنوار الى المفاوضات برعاية مصر، وهي الرئة الوحيدة التي ما زال يتنفس من خلالها، والدفع قدما بصفقة لاعادة المخطوفين، ومنع جعل غزة جنة للجهاديين المجانين.
*باحثة في الشؤون الاجتماعية والسياسية الفلسطينية في مجموعة بحوث “شارة مرور”