هآرتس: اسرائيل يمكنها احتواء الرد الايراني على الهجوم، والتركيز على الاهداف في لبنان وغزة
هآرتس 27/10/2024، يوسي ميلمان: اسرائيل يمكنها احتواء الرد الايراني على الهجوم، والتركيز على الاهداف في لبنان وغزة
المتحدثون الرسميون ووسائل الاعلام في ايران اعلنت بأنه باستثناء اضرار صغيرة اصابت عدة اماكن، فان قواتها نجحت في صد الهجوم الاسرائيلي. هذا البيان، الذي يميز نظام ديكتاتوري وفاسد ويقوم باخفاء الحقيقة، يمكن أن يشكل للنظام في ايران سلم للنزول عن شجرة جولات اللكمات مع اسرائيل. ولكن مشكوك فيه أن تضع ايران حد لتبادل اللكمات في ظل الاجواء الغاضبة والمسمومة التي تشوبها الكبرياء الوطنية ولعبة الكرامة والمفاهيم المغلوطة حول الردع المتبادل.
الهجوم الاسرائيلي ليلة الأمس كان من خلال ثلاث موجات استمرت لثلاث ساعات تقريبا، بمشاركة عشرات الطائرات الحربية، وطائرات التزويد بالوقود واجهزة استخبارية محمولة جوا. حسب تقارير في ايران فانه شاركت في هذا الهجوم مسيرات اسرائيلية ايضا. الهجوم توجد له اهمية تاريخية. يمكن التقدير بأنه في السابق طائرات سلاح الجو والمسيرات حلقت فوق ايران بهدف جمع المعلومات، لكن اسرائيل لم تعترف بذلك في أي يوم.
هذه هي المرة الاولى التي تهاجم فيها اسرائيل من الجو اهداف في ايران في عدة اماكن، بما في ذلك قرب العاصمة طهران (ينسب لاسرائيل رد محدود على هجوم الصواريخ الاول لايران في شهر نيسان، الذي اصاب رادار لبطارية اس 300 قرب مدينة اصفهان).
الهجوم أزال القرد الذي يجلس منذ سنوات على كتف اسرائيل. الخوف الذي تم رسمه في السيناريوهات القاسية التي كانت ترافقها غرفة عمليات بأن هجوم جوي اسرائيلي يمكن أن ينتهي باسقاط طائرات وسقوطها في الأسر، وحتى موت طيارين. هذا لم يحدث واسرائيل اثبتت مرة اخرى، هذه المرة بدون أي شك، تفوقها الجوي والاستخباري.
الهجوم استهدف تحقيق عدة اهداف، البعض منها عسكري والبعض نفسي. في المجال النفسي اسرائيل اثبتت مرة اخرى لزعماء ايران وقادتها العسكريين بأن اجهزة استخباراتها تعرف الكثير عن معظم القواعد والقيادات ومنظومات الدفاع الجوية ومخازن الصواريخ، وايضا تعرف عن مراكز القيادة والسيطرة في ايران. زعماء ايران رغم تبجحهم يعرفون الحقيقة بالنسبة لقدراتهم، وايضا جزء واسع من الشعب في ايران. هم يعيشون في دولة مخترقة عسكريا واستخباريا، وهي تقريبا مثل كتاب مفتوح امام الاستخبارات الاسرائيلية وايضا أمام المخابرات الامريكية، التي تتعاون منذ سنوات بشأن الجمهورية الاسلامية.
الاهداف التي تم اختيارها لم تكن مفاجئة. فقد كان من الواضح أن اسرائيل ستهاجم في الموجة الاولى منظومات الدفاع الجوية في ايران لتقليص خطر المس بطائرات الموجة الثانية. توجد في ايران منذ سنوات منظومة الدفاع الجوية من نوع اس 300 من انتاج روسيا، المعروفة جيدا لسلاح الجو الاسرائيلي، التي دمر عدد منها في سوريا. ايران تريد منذ عشر سنوات تقريبا الحصول من روسيا ايضا على البطارية الاكثر تقدم، اس 400، لكن هذا الطلب تم رفضه.
مؤخرا، في اعقاب زيادة التعاون الاستراتيجي بين الدولتين على خلفية الحرب في اوكرانيا، نشر أن روسيا وافقت على تزويد ايران بالبطارية الاكثر تقدما. وحتى أنه نشر قبل بضعة اسابيع بأن الارسالية الاولى للبطارية وصلت في طائرة نقل مدنية روسية الى طهران. ولكن لا يوجد أي تأكيد لذلك من قبل أي مصدر رسمي. في كل الحالات حتى لو تم ارسال بطارية واحدة فان هذا الامر سيستغرق وقت الى حين أن تنشرها طهران، وطواقمها يتم تدريبها على تشغيلها.
اهداف اخرى في موجة الهجوم الثانية وموجة الهجوم الثالثة كانت مصانع للانتاج ومخازن وتحصينات تحت الارض، التي تم تخزين الصواريخ البالستية بعيدة المدى والمسيرات فيها. المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي قال إن الضربات كانت دقيقة. ويمكن التقدير بأن هذه الوسائل تم تدميرها أو تضررت بشكل كبير. هكذا فقد تقلص أكثر مخزون السلاح، وقدرة ايران على الحاق الضرر اذا قررت الرد ستكون ضئيلة.
حتى الآن يجب الذكر بأن هذا كان هجوم محدود لعشرين هدف. اسرائيل لم تهاجم منشآت النفط أو المنشآت النووية، ولا حتى البنى التحتية الاقتصادية الاخرى أو رموز النظام. هكذا، هي في الحقيقة استجابت لطلب الولايات المتحدة التي تخشى من اندلاع الحرب الاقليمية، التي ستتدهور ايضا الى ضرب ايرانية لجيرانها، السعودية ودول الخليج.
هذا الامر يعلمنا بأنه رغم تعاظم ثقته بنفسه وميوله المسيحانية، وبين حين وآخر ايضا تصريحاته الاستفزازية لواشنطن التي تتم ادارتها من قبل ادارة مؤيدة جدا لاسرائيل، فان رئيس الحكومة نتنياهو يعرف جيدا قيود قوة اسرائيل واعتمادها على الولايات المتحدة وأهمية أخذها في الحسبان.
الجمهور في اسرائيل ينتقل مرة اخرى الى موقف الانتظار من اجل رؤية اذا كانت ايران سترد. السوابق الماضية في السنة الاخيرة تشير الى أن ايران لن تمر مر الكرام على ما حدث ليلة الأمس. السؤال الكبير هو هل ستكتفي باطلاق بضع عشرات من الصواريخ مرة اخرى نحو اهداف عسكرية. اذا حدث ذلك فيمكن الافتراض بأن معظمها سيتم اعتراضه بفضل الدفاع الجوي الممتاز لبطارية الحيتس ومقلاع داود وطائرات سلاح الجو، الى جانب بطاريات “ثاد” التي تم نشرها في اسرائيل ودعم سلاح الجو الامريكي.
في هذه الحالة، حسب رأيي، اسرائيل يمكنها السماح لنفسها بضبط النفس وعدم الرد بجولة ثالثة من تبادل اللكمات. كدولة قوية، تعرف قدراتها، يمكنها الاعلان بأنه في هذه المرة ستقوم بضبط النفس، ليس من خلال الضعف، بل بسبب قوتها، والاعلان بأنها تفضل التركيز على اهداف الحرب في لبنان وفي غزة، من خلال الرغبة الصادقة في التوصل الى انهاء الحرب التي جبت ثمنا دمويا باهظا، وتضر باقتصادها وتشوش نمط الحياة فيها.
ولكن اذا ردت ايران بقوة – قائد حرس الثورة هدد قبل بضعة ايام بأن أي هجوم اسرائيلي على بلاده سيؤدي الى اطلاق آلاف الصواريخ – مرة اخرى ستجد اسرائيل نفسها في دائرة الرد على الرد على الرد، الى درجة تحقق خطر الحرب الشاملة مع ايران، والخشية هي أن تقرر الاخيرة في اعقاب الضربات المدوية ضدها تركيب سلاح نووي خاص بها.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook