ترجمات عبرية

هآرتس: اسرائيل هي دولة الابرتهايد الاخيرة في العالم

هآرتس 28/11/2024، ديمتري شومسكي: اسرائيل هي دولة الابرتهايد الاخيرة في العالم

من السائد التفكير بأن حل الدولتين لم يحصل في أي يوم على دعم كبير من الجمهور الواسع في اسرائيل، وذلك بسبب الهياج الفلسطيني القاتل والذي لا يتوقف منذ اتفاق اوسلو وحتى الآن. ولكن الحقيقة هي أنه في السنوات الاولى لمشروع الاحتلال والاستيطان، الفترة التي فيها قضى الاسرائيليون وقت الفراغ بدون ازعاج في الاسواق في غزة، التي يحب أن يرتكز اليها رومانسيو “الدولة ثنائية القومية”. التفكير بأنه يجب وضع نهاية لاحتلال شعب آخر لم تزعج راحة معظم الاسرائيليين. السبب الحقيقي والآن ايضا، يكمن في حقيقة أن استمرار السيطرة المباشرة، وغير المباشرة، على الشعب الفلسطيني لم يكن في أي يوم مرهون بالنسبة للاسرائيليين بدفع أثمان باهظة. 

اضافة الى ذلك: اذا كان الارهاب الفلسطيني مع ذلك في العقود الثلاثة الاخيرة قد زاد اسهامه في تخويف الاسرائيليين من حل الدولتين، فان ذلك حدث بسبب العمى التراجيدي – الكوميدي الذي اصاب معظم الاسرائيليين في فترة ما بعد اوسلو. بالنسبة لهم اتفاقات اوسلو خلقت بالفعل واقع الدولتين، وفي اعقاب الانفصال عن غزة خلق واقع الثلاث دول. ولكن ليس فقط أن هذا “الواقع” لم يمنع الارهاب، بل على العكس، هو حتى شجعه على الظهور.

لقد غاب عن فهم معظم الاسرائيليين بأن التداعيات الفعلية لاتفاقات اوسلو طورت وسائل سيطرة اسرائيل على الشعب الفلسطيني،  مع التأكيد الكبير على تفوق اليهود بين النهر والبحر. فقد غاب عن الوعي أن هذا الوضع المشوه الذي كان وما زال حقا من العوامل الرئيسية لارهاب الفلسطينيين، هو عكس نموذج الدولتين القوميتين المستقلتين، وهو النموذج الذي لم تتم في أي يوم تجربته هنا. ازاء كل ذلك فان الدفع قدما بمشروع الضم لاراضي الضفة الغربية وشمال قطاع غزة، الذي تسعى اليه الحكومة الكهانية – البيبية الحالية، يمكن أن يؤدي الى تغيير جذري في عقلية الاسرائيليين، وغرس في عقولهم فكرة أن نموذج الدولتين، الذي ما زال قابل للتنفيذ بالتأكيد على الارض اذا توفرت الارادة المتبادلة للشعبين، هو الطريقة الوحيدة لضمان الوجود السياسي والامني لاسرائيل كدولة قابلة للحياة.

أولا، الضم سيؤسس بين البحر والنهر دولة جديدة، التي جوهر الابرتهايد فيها لا يمكن اخفاءه، لأن لا احد في دولة العرق اليهودي  سيخطر بباله اعطاء الجنسية، حتى لعدد قليل من فلسطينيي العام 1967. نتيجة لذلك فانه من المرجح الافتراض بأنه خلال فترة قصيرة نسبيا ستنهار بمرة واحدة جميع السدود السياسية، وتسونامي من العقوبات والمقاطعات الدولية ستغرق دولة الابرتهايد اليهودية من كل الجهات. حياة الاسرائيليين ستصبح رويدا رويدا اقل قدرة على التحمل، الاقتصاد والسوق سيصلان الى شفا الانهيار، ونتيجة كل ذلك فان المزيد من الاسرائيليين سيبدأون بشكل جدي في التفكير بخيار تقسيم البلاد. 

تعميق الاستعباد القومي للفلسطينيين في اعقاب الضم سيفاقم المقاومة الفلسطينية ضد القمع الاسرائيلي، ومعنى ذلك هو أن موجات الارهاب ستصل الى رقم قياسي جديد. هذا سيفتح عيون الاسرائيليين على العلاقة بين النضال القومي الارهابي للفلسطينيين وبين دولة الابرتهايد ثنائية القومية، وجعلهم يتبنون مقاربة ايجابية تجاه حل الدولتين. 

بنظرة تحليلية باردة فان من يؤيدون حل الدولتين لا يجب عليهم الخوف من الضم. لأنه في الحقيقة مهما كانت المفارقة في ذلك فانه يبدو أن مسار خلاص الشعبين في البلاد من الاحتضان القاتل للمحتل والواقع تحت الاحتلال يجب أن يمر بجهنم “السيادة”. 

رغم ذلك يجب على بقايا اليسار في اسرائيل محاربة بجرأة هذيان الضم، وذلك لسببين. الاول، تطبيق هذا الحلم الخيالي سيلقي في المدى القريب على سكان المنطقة بين النهر والبحر المعاناة والألم بشكل غير مسبوق. وحتى لو كان من الواضح أنه من داخل الدمار والخراب سينمو انبعاث للشعبين، إلا أنه في نهاية المطاف فان الحكمة والاخلاق تقتضي عدم التضحية بالحاضر على مذبح المستقبل.

ثانيا، النضال الايديولوجي ونضال الجمهور ضد نظرية العرق القومي – الكهاني، الذي مشروع الضم هو درة التاج الاجرامية فيه، مهم جدا الآن للقلة الاسرائيلية الصهيونية لبلورة واحياء قصة وطنية – ليبرالية، قديمة – جديدة. هذه هي القصة التي على اساسها سيتم بناء المجتمع المثالي، الاسرائيلي الليبرالي، بعد الانهيار المأمول لدولة الابرتهايد الاخيرة في العالم.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى