هآرتس: اسرائيل ملزمة بأن توفر للغزيين الغذاء المناسب والحماية من الجوع
هآرتس 3/4/2024، بقلم: ايال غروس وتمار لوستر: اسرائيل ملزمة بأن توفر للغزيين الغذاء المناسب والحماية من الجوع
تقرير مبادرة “آي.بي.سي” (التصنيف المرحلي المتكامل للامن الغذائي)، الذي نشر في 18 آذار الماضي وتناول عدم الامن الغذائي والجوع في غزة، أثار اصداء كبيرة. 95 في المئة من السكان في القطاع يعانون من عدم الامن الغذائي الشديد. وحسب التقرير فان دمج عدم الامن الغذائي الشديد وسوء التغذية الشديد في الشمال، يصل الى حافة المجاعة. التقرير اشار ايضا الى اضرار الحرب لمنظومات الغذاء، ضمن ذلك الاضرار بالاراضي الزراعية والبنى التحتية للزراعة والمزارع وبنى تحتية حيوية لانتاج الغذاء. واشار التقرير اضافة الى ذلك، الى أن الصعوبة في ادخال المساعدات الانسانية هي عامل آخر لهذا الوضع.
التقرير يصف كيف أن المس بسلسلة توفير الغذاء أدى الى خلق سوق غير رسمية للغذاء، وكيف أن الصعوبة في الحصول على الغذاء أدت الى ارتفاع الاسعار، الامر الذي يقلص القوة الشرائية للسكان. ايضا انهيار النظام العام يضر بالقدرة على توفير الغذاء للمجموعات السكانية الاكثر ضعفا.
القرار الجديد لمحكمة العدل الدولية في لاهاي اعتمد على هذا التقرير وعلى منشورات اخرى، واستنتاجاته هي أن الفلسطينيين لا يتعرضون فقط لخطر الجوع، حيث أنه يوجد هناك جوع حقيقي. على خلفية ذلك تم اعطاء الامر، الذي انضم اليه ايضا القاضي الاسرائيلي اهارون براك، الذي يأمر اسرائيل بضمان توفير الاحتياجات الحيوية والمساعدات الانسانية للفلسطينيين في غزة، بما في ذلك الغذاء. المعطيات عن وضع الجوع في غزة توجد ايضا في اساس الالتماس الذي ستتم مناقشته في هذا الاسبوع أمام قاض في المحكمة العليا في اسرائيل، والذي يريد ايضا الزام اسرائيل بالسماح بالانتقال الحر والسريع للمساعدات الانسانية الحيوية وأن توفرها هي نفسها.
ردا على هذه الادعاءات تدعي اسرائيل، ضمن ذلك في التقرير الذي نشره منذ فترة غير بعيدة مكتب منسق نشاطات الحكومة في المناطق، بأنها تسمح بدخول الغذاء بدون قيود وأن عدد شاحنات المواد الغذائية التي تدخل للقطاع كبير. ولكن عمليا توجد تقارير كثيرة عن اختناقات وجدت في منطقة دخول شاحنات المواد الغذائية بسبب الفحوصات الامنية وامور بيروقراطية اخرى. في كل الحالات فانه بدون حسم الخلاف الوقائعي في هذه القضية يجدر التأكيد على أن مسألة كمية المواد الغذائية التي تدخل الى القطاع ليست المقياس الوحيد لفحص الوضع الغذائي هناك. نقاش معمق حول عدم الامن الغذائي والجوع في غزة يجب أن يتحرر من التأطير المقيد لمسألة كمية الغذاء في غزة في كل لحظة معطاة.
رجل الاعمال المعروف، الحاصل على جائزة نوبل عن اطروحته في مجال الجوع العام، امارتيا سن، أكد قبل بضع سنوات على حقيقة أن الجوع وعدم الامن الغذائي ليسا في الاساس نتيجة لتوفير أو نقص الغذاء. وحسب قوله فان “الجوع هو أحد صفات حقيقة أنه يوجد اشخاص ليس لديهم ما يكفي من الطعام ليأكلوه”. الجوع هو نتاج العلاقة بين الناس والغذاء، وليس حقيقة عدم وجود ما يكفي من الغذاء.
في نفس الوقت فان التعريفات الدولية للحق في الغذاء والامن الغذائي تذكر بالحاجة الى “وجود” غذاء بكمية كافية، لكن ايضا توجد ضرورة لقدرة الناس على الوصول الى الغذاء. في حالات الحرب مثلما في غزة يتبين أن مسألة وجود كمية كافية من الغذاء هي مسألة حيوية ولكنها بعيدة عن أن تكون كل القصة. إن عدم قدرة السكان على الوصول الى الغذاء يمكن أن ينبع من اسباب جسدية أو مالية. يبدو أنه في موضوع غزة العاملان موجودان. لا يدخل بما فيه الكفاية من الغذاء، والغذاء الذي يدخل ايضا هو ليس في متناول أيدي السكان بسبب غياب آليات توزيع يمكنها القيام بعملها. الوضع على الارض، بما في ذلك انهيار النظام الاجتماعي (الذي السرقة هي نتيجة له)، يحول الغذاء الى شيء غير قابل للوصول اليه ماديا لجزء من السكان. ارتفاع اسعار الغذاء، اضافة الى نقص الاموال النقدية، يحوله ايضا الى اقل قدرة على الوصول اليه من ناحية مالية.
من هنا فان قياس كمية الغذاء التي تدخل الى القطاع، مهما كانت اهميتها حقا توجد اهمية لأن يدخل الى هناك الغذاء بدون قيود، بعيد عن أن يحكي كل القصة. اضافة الى قضية الكميات التي تدخل والوصول الى الغذاء، يجب ذكر أن هناك اهمية ليس فقط للكمية، بل ايضا نوعية الغذاء مهمة. عدد السعرات المطلوبة للشخص لا يعتبر مؤشر على وجود الامن الغذائي. المعطيات تشير الى أن التغذية في غزة سيئة جدا. الجمهور لا يحصل على المركبات الغذائية الحيوية من أجل الصحة السليمة. ايضا النقص الكبير في المساعدات يمنع تحقيق الامن الغذائي. ففي يوم يوجد غذاء وفي يوم يمكن أن يختفي، كما يتبين من اعلان “المطبخ المركزي العالمي”، أنه سيوقف نشاطاته في غزة بعد قتل عامليه هناك بهجوم للجيش الاسرائيلي.
حسب اقوال سن فانه يجب فهم عوامل عدم قدرة الجمهور على الوصول الى الغذاء. في حالة غزة فان الحرب وتدمير سلسلة التزويد وانهيار حكومة قادرة على القيام بعملها هي العوامل التي دفعت الناس الى حافة الجوع. عمليا، منذ سنوات كثيرة السكان في القطاع يعانون من عدم الامن الغذائي الذي هو نتيجة الوضع الاقتصادي الذي تسبب به الحصار الاسرائيلي. الحرب فاقمت هذا الوضع بشكل كبير.
لا يوجد في الاقوال الآنفة أي شيء يمكن أن يدعي بأن كل التهمة عن الوضع ملقاة على اسرائيل، أو أنه يمكن أن يقلل من شدة الفظائع التي ارتكبتها وترتكبها حماس ومن مسؤوليتها عندما يصل الغذاء الى يدها وليس الى المواطنين المحتاجين اليه. ايضا لا يوجد في ذلك ما من شأنه أن يقلل التعقيد الكبير لوصول المساعدات الانسانية الى غزة في الوضع القائم. ولكن بسبب أنها وضعت امامها هدف تدمير سلطة حماس، ويبدو أنا فعلت ذلك على الارض بدرجة معينة، فان اسرائيل اوجدت في غزة فراغ في الحكم، وهو جزء من عوامل تفاقم ازمة الغذاء هناك. بالتالي فان الواجب المنصوص عليه بشكل واضح في قانون حقوق الانسان وفي القانون الانساني الدولي هو ضمان توفير كميات كافية من الغذاء لسكان غزة وتحريرهم من الجوع.