هآرتس: اسرائيل حكمت على مئات آلاف الفلسطينيين بالفقر، هذه جريمة اخلاقية

هآرتس 15/12/2024، اساف ش. بوندي: اسرائيل حكمت على مئات آلاف الفلسطينيين بالفقر، هذه جريمة اخلاقية
مؤخرا يتناقشون في اسرائيل اكثر فأكثر حول الجرائم التي ترتكبها اسرائيل في قطاع غزة منذ 7 اكتوبر. النقاش العام حول الجرائم هو في الحقيقة المرحلة الاولى في الطريق الى وقفها. ولكن في ظل ذلك يوجد تجاهل مطلق لجريمة موازية، التي اسرائيل متهمة فيها امام هيئة قضائية اخرى، وهي حرمان مئات آلاف العمال الفلسطينيين من العمل والاجور، وعمليا، العيش بكرامة.
منظمات عمال دولية قدمت مؤخرا لمنظمة العمل الدولية (آي.ال.أو) التابعة للامم المتحدة، شكوى ضد اسرائيل. هذه المنظمات تدعي أنه منذ 7 اكتوبر تعمل حكومة اسرائيل على منع ملايين الفلسطينيين من العمل وكسب الرزق والعيش بكرامة.
في اطار النقاش الذي سيجري في هيئة قضائية خاصة تم تشكيلها لهذا الغرض، سيتم فحص خرق اسرائيل لمواثيق دولية وقعت عليها، على رأسها ميثاق ضمان الحق في الحصول على الاجر الاساسي (العمل). هذه المنظمات تدعي أن العمال الفلسطينيين الذين يوجدون منذ 7 تشرين الاول 2023 تحت الحصار، ما زالوا مشغلين بالفعل وهم يستحقون اجورهم، وأنه يحق لهم الذهاب الى اماكن عملهم. ورغم أنه لا توجد أي صلاحية لمنظمة العمل الدولية لفرض عقوبات مادية، إلا أن الجلسة التي يتوقع عقدها تدل على حجم الكارثة، ويمكن أن تؤثر على مكانة اسرائيل في العالم المتقدم، وفي نفس الوقت في اسرائيل هناك صمت مدو.
مسؤولية اسرائيل عن اعالة الفلسطينيين تنبع من السيطرة العسكرية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة. خلال عشرات السنين رسخت سياسة الحكومة اعتماد الفلسطينيين على سوق العمل في اسرائيل، مع المنع المتعمد والمنهجي لتطور الاقتصاد الفلسطيني. الوسائل هي تقييد وحشي لحركة البضائع والاشخاص، ومنع تطوير اقليمي صناعي، الامر الذي حول العمل في اسرائيل الى البديل الاكثر فائدة والمفضل على الكثيرين.
منع دخول الفلسطينيين الى اماكن عملهم في اسرائيل، التي تمت اقالتهم منها، والتي يعتمدون عليها في كسب الرزق، هو خرق للمواثيق الدولية، وعلى رأسها ميثاق توفير الحماية للاجور من العام 1949. هذا الخرق هو خطير بشكل خاص ازاء وقته الطويل.
الحقائق التي هي اساس الاجراء القضائي خطيرة. فمنذ 7 اكتوبر حكومة اسرائيل تمنع دخول اكثر من 150 ألف عامل فلسطيني، الذين كانوا يعملون فيها عشية الحرب. هكذا، هي تلقي مئات آلاف العمال العاطلين عن العمل وعائلاتهم الى داخل الفقر والضائقة. هؤلاء كانوا العمال الاكثر اجرة في مناطق السلطة الفلسطينية، الذين اجورهم لم تعل عائلاتهم فقط، بل كانت محرك رئيسي للاقتصاد الفلسطيني، وحتى أنهم في الحكومة يتفاخرون بهذه السياسة ويتعهدون علنا باستمرارها. ازاء صدمة الموت والجوع والفقر في غزة فان هذه الحقائق القاسية تصبح باهتة. ولكن الدمج بين “الصور” يكشف السياسة التي ليس فقط تخلق الجوع في غزة، بل عمليا هي تجوع ايضا الفلسطينيين في الضفة الغربية.
هذه السياسة لا يوجد لها أي منطق أمني أو اقتصادي. في جهاز الامن قالوا في الفترة التي اعقبت 7 اكتوبر بأنه يجب السماح للعمال الفلسطينيين بالدخول للعمل في اسرائيل لتخفيف الازمة في المناطق ومنع الغليان الاجتماعي النابع منها. ايضا المشغلون هم بحاجة الى العمال في فرع البناء والصناعة والتمريض والسياحة. ومحاولة الحكومة تجنيد مهاجري عمل كبديل فشلت. دعوات المشغلين لاعادة العمال الفلسطينيين يبدو أنها جبهة اخرى فشلت فيها الحكومة، والنصر المطلق الوحيد الذي يلوح في الافق هو النصر على الاقتصاد الاسرائيلي نفسه.
يصعب اتهام حكومة اسرائيل بعدم المنطق لفترة طويلة. ولكن ربما قادة هذه العملية في الحكومة يوجد لهم منطق آخر، ليس أمني او اقتصادي، ربما أن المنطق الذي يوجههم هو الرغبة في توسيع الاستيطان اليهودي، مع القمع الاقتصادي والسياسي للفلسطينيين. لذلك، الحكومة تعمل ضد التنسيق الامني مع السلطة الفلسطينية، في حين أنها تمنع دخول العمال الفلسطينيين الى اسرائيل إلا أنها تسمح بتشغيلهم في المستوطنات. هذه السياسة تكشف الوجه الحقيقي للحكومة. ليس أمن أو اقتصاد، بل ايديولوجيا الطرد والتدمير.
الاجراء القانوني الذي يجري في منظمة العمل الدولية يكشف ليس فقط الضرر الاقتصادي الكبير، بل بالاساس الجريمة الاخلاقية التي تناقض قيم الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، وتناقض مع المواثيق الدولية التي وقعت عليها اسرائيل، المواثيق التي تغذي قوانين العمل الاساسية وقانون العمل في اسرائيل.
لقد حان الوقت لاستيقاظ المجتمع في اسرائيل والعمل على تغيير هذه السياسة المدمرة. فاستمرارها لا يضر فقط باقتصاد اسرائيل ويعمق الازمة الاقتصادية في المناطق، بل هو يسيء لمكانة اسرائيل الاخلاقية في العالم، ويناقض القيم الاساسية التي يقوم عليها المجتمع الاسرائيلي نفسه.