هآرتس: استراتيجية الساق الواحدة

هآرتس 21/10/2024، اريئيل لفيتا: استراتيجية الساق الواحدة
من البديهي أن الاستراتيجية الأمنية للأمة يجب أن تقوم على أربعة أرجل: السياسة والدبلوماسية، الجيش (بما في ذلك المخابرات)، الاقتصاد والمجتمع والمعلومات (معلومات ودعاية). في السنة الماضية تبين أن اسرائيل تضع كل أملها فيما يتعلق بالأمن فقط على رِجل واحدة: العسكرية. النتائج هي حسب ذلك؛ الانجازات المثيرة للانطباع مهما كانت في العمليات العسكرية (المكشوفة والسرية) تبقى في المجال العملياتي. نحن ننجح في الاحتلال، القتل، التدمير، كما نريد، وحتى أبعد من ذلك. ولكن بسبب أن الانجازات لا ترافقها جهود في المجال السياسي، الاقتصادي – الاجتماعي والمعلوماتي، فان اسرائيل تتعثر في غزة وفي يهودا والسامرة وفي لبنان وامام ايران ووكلائها في سوريا والعراق واليمن. اسرائيل لا يمكنها ترجمة الاستثمار والدقة والمخاطرة والتضحية المرتبطة بانجازاتها الى واقع أمني محسن وثابت.
أفق التهديدات يظهر مقلق اكثر من أي وقت مضى. نحن نوجد في حرب عصابات غير محدودة بجدول زمني في قطاع غزة، وموجة ارهابية في المناطق ومن داخلها، وحرب من الجو وعلى الارض في لبنان، ومواجهة عسكرية مباشرة مع ايران التي تسير نحو الذرة، واحتكاك متزايد مع وكلائها في الشرق الاوسط وربما ايضا ابعد منه.
قوة اسرائيل العسكرية وقوتها الاستخبارية تتآكل من الجهد الكبير الذي بذل خلال سنة. في هذه الاثناء هناك عملية تتلو عملية اخرى. وكل مخرب تتم تصفيته يقوم بدلا منه وريث مليء بمشاعر الانتقام وينجح في جمع آخرين خلفه.
الردع، القتل والدمار، هي احيانا الحل الضروري. ولكن فائدتها، اذا وجدت، هي بالضرورة مؤقتة ومرهونة برِجل واحدة مُنهية، التي ليست الرجل العسكرية.
في هذه الاثناء المجتمع في اسرائيل نازف وممزق، ومصير المخطوفين يقضم العقد الاجتماعي، معظم مواطني الدولة يخضعون لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية، والدفاع الجوي والشباك، من اجل ممارسة نمط حياة طبيعي كما يبدو ازاء موجات الصواريخ والقذائف والصواريخ المجنحة والعمليات المتواترة.
المخطوفون في قطاع غزة الذين ما زالوا على قيد الحياة يعانون بدرجة كبيرة وهم في تناقص. فقط جزء من المجتمع مستعد للتجند ومواصلة الخدمة. ايضا الاقتصاد يتعثر ويتدهور، ومصالح تجارية كثيرة تنقل مركز نشاطها الى الخارج، طوعا أو كرها.
اساس التفوق العلمي والتكنولوجي والتجاري في دولة اسرائيل يتعرض لخطر ملموس. أداء معظم الوزارات الحكومية مثير للشفقة، وهو يتحرك بالاساس بواسطة الاعتبارات السياسية الضيقة وقصيرة المدى. الثقة بها، والاكثر اهمية الثقة بالقدرة على ايجاد مستقبل افضل للدولة، آخذة في التلاشي في اوساط شرائح واسعة في الجمهور. كثيرون (جدا) يئسوا من العيش في اسرائيل، أو أنهم يفحصون الهجرة.
العالم آخذ في التضييق علينا. حتى اصدقاءنا يجدون صعوبة في الوقوف الى جانبنا أو دعمنا بالذات في الوقت الذي نحن فيه بحاجة اكثر من أي وقت مضى الى مساعدتهم المادية وغيرها من اجل أن نحارب الآن وترميم انفسنا بعد ذلك. الثقة بمصداقية نضالنا آخذة في التآكل في ظل غياب رؤية تكون استكمال ومواصلة، وبديل لحرب متعددة الساحات الى الأبد. قيادة الدولة التي عرفت في السابق كيفية معالجة كل هذه الامور تتهرب بصورة ثابتة من طرح على الجمهور وعلى شركائها المحتملين رؤية قابلة للتحقق من اجل انهاء القتال، وطريقة قابلة للتنفيذ من اجل استبداله بواقع آخر افضل وثابت، واستراتيجية للبقاء حتى ذلك الوقت.
في الاصل لا توجد خطة عمل واقعية للمواجهة طوال الوقت. بدلا من ذلك نحن نعود ونسمع الشعار الذي يقول بأنه يجب علينا التوحد ودعم القيادة التي توجهنا نحو الحرب المتصاعدة وغير النهائية في جبهات مختلفة.
لكن ربما نحن نظلم الحكومة، لا سيما رئيسها، بالادعاء بأنه لا توجد لديهم رؤية؛ ربما توجد لديهم رؤية ولكنهم لا يكلفون انفسهم عناء طرحها على الجمهور. الخطوات على الارض والتصريحات المختلفة تشير الى أنه ربما هذا هو الوضع، على الاقل في كل ما يتعلق باحتلال اسرائيل المتواصل في القطاع والاستيطان هنا وهناك وضم المناطق وتشجيع الفلسطينيين على الهجرة منها (تحويل الاردن الى فلسطين) ومهاجمة المنشآت النووية في ايران على أمل أن تنفذ الولايات المتحدة المهمة من اجل اسرائيل مرة والى الأبد، واقامة حزام امني في جنوب لبنان، وفوق كل ذلك تحريض السكان لدى اعدائنا ضد زعمائهم على أمل تأسيس انظمة ودية اكثر لدولة اسرائيل.
يظهر بوضوح أن التسويات السياسية (بدءا بصفقة التبادل وحتى اقامة حكم عربي في القطاع، بدون التحدث عن المناطق) لا تعتبر جزء من المعادلة (على الاقل ليست افضلية)، ايضا لا تعتبر خطة واقعية لتعزيز الامن وتماسك المجتمع وتجنيده، وترميم الاقتصاد، وتحسين مكانة اسرائيل الدولية، وتعزيز علاقات اسرائيل مع الولايات المتحدة وما شابه.
لكوننا دولة ومجتمع نحب الحياة فان احتمالية بقائنا هنا مرهونة الآن برص الصفوف حول حلم واضح وخطة عمل واضحة، وخلف منتخب سياسي ومهني يستطيع تطبيق هذه الخطط. لذلك، لم يبق للجمهور أي خيار. يجب عليه الطلب من الحكومة أن تعرض عليه وعلى الفور رؤيتها. ليس فقط بالنسبة للأرجل الثلاثة المهملة للاستراتيجية الامنية للدولة، بل ايضا للحفاظ على التفوق العسكري والامني لاسرائيل لفترة طويلة، بالنظر الى التحديات الصعبة، الداخلية والخارجية، التي تواجهها. مثلا، لا يمكن مواصلة لفترة طويلة الاعتماد على جزء آخذ في التقلص من المجتمع والذي يتحمل العبء وأصبح اكثر قسوة واكثر ايلاما مما في السابق.
ليس فقط القيادة الحالية للدولة مطلوب منها طرح على الجمهور عقيدتها، بل يجب أن يفعل ذلك ايضا كل من يوجدون في المعارضة ويتفاخرون باستبدال هذه القيادة. يجب عليهم طرح رؤية موازية وبديلة، خطة عمل عملياتية، ومنتخب واعد من اجل تطبيقها. يجب على كل هؤلاء اجراء الآن نقاش عام، وبعد ذلك سيتم وضعهم لاختبار الشعب.
كل من يرفض طرح رؤيته وخطة عمله – يفضل أن يخلي مكانه على الفور. إن واقع “على حد السيف الى الأبد” واستمرار المراوحة في المكان والضبابية، هي وصفة مؤكدة للذبول المتواصل للحلم الصهيوني.