هآرتس: استئناف الحرب لن يقدم رد على نوايا الأمريكيين لرسم صورة اليوم التالي

هآرتس 11/3/2025، تسفي برئيل: استئناف الحرب لن يقدم رد على نوايا الأمريكيين لرسم صورة اليوم التالي
الهياج والغضب وخيبة الامل التي اثارتها المحادثات التي اجراها آدم بهلر، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون المخطوفين، مع خليل الحية، المسؤول عن غزة في حماس، تملأ الخطاب الإعلامي في إسرائيل وكأن الامر يتعلق بإعلان حرب من الولايات المتحدة – أو على الأقل خيانة للمباديء والتفاهمات التاريخية التي تستند اليها العلاقات بين الدولتين. يمكن فقط تخيل أي بركان نتن كان سينفجر من أنبوب المجاري لو أن المحادثات جرت في عهد الرئيس جو بايدن، وخلال هذه الهستيريا تقريبا اختفى الموضوع الرئيسي المهم الذي خرج من محادثات بهلر مع الحية، والذي يشير الى توجه جديد في السياسة الامريكية: التوجه الآن الى نقاش جوهري وموضوعي حول طبيعة إدارة القطاع بعد انهاء الحرب، وليس فقط حول صفقة تحرير المخطوفين. من الجدير أيضا الانفعال من حقيقة أنه في هذه المحادثات لم تطرح أبدا فكرة التهجير، وأنها آخذة في الخفوت.
الحية لم يتسلم خطة تفصيلية تقنية لاقامة ريفييرا أو قوائم لترتيبات نقل مليوني غزي، الذين كان يمكن أن ينتقلوا الى “أماكن اجمل” لن يرغبوا في العودة منها الى غزة، كما وعد ترامب. هذه المحادثات في الواقع جرت قبل مؤتمر القمة العربية التي عقدت في الأسبوع الماضي في القاهرة، لكنها تعكس الحوارات والنقاشات لشخصيات سعودية رفيعة مع نظرائهم الأمريكيين. السعودية وضعت سور محصن ضد خطة الترانسفير، وانضم اليها الانتقادات والمعارضة للخطة التي سمعت بشكل واضح من قبل جهات جمهورية مؤثرة في الكونغرس الأمريكي.
حسب معظم التسريبات في إسرائيل وفي وسائل اعلام عربية فان بهلر والحية ناقشا ثلاثة مواضيع أساسية: إعادة جميع المخطوفين مقابل وقف طويل المدى لاطلاق النار، خمس – عشر سنوات، ويشمل انسحاب إسرائيل من القطاع مثلما تحدد في الاتفاق الأصلي؛ تحرير مئات السجناء الفلسطينيين حسب مفتاح متفق عليه مع مرونة تسمح لإسرائيل بوضع الفيتو على أسماء بعض السجناء المحكومين بالمؤبد؛ نزع سلاح حماس وتحييدها عن كل النشاطات لمدنية والسياسية، التعهد بإدخال المساعدات الإنسانية والبدء في إعادة اعمار القطاع – هذا أيضا وفقا لما تقرر في الاتفاق.
هذه المحادثات يمكن أن تدل على أن الولايات المتحدة تنوي توسيع اطار النقاشات التي تم استئنافها في الدوحة. رغم أن إسرائيل أكدت مرة أخرى بأنها تنوي مناقشة فقط “خطة ويتكوف” التي تتحدث عن وقف اطلاق النار لشهرين، وفي اليوم الأول سيتم اطلاق سراح نصف المخطوفين، وفي نهايتها اذا تم التوصل الى وقف دائم لاطلاق النار فانه سيتم اطلاق المخطوفين الباقين – الولايات المتحدة تطمح الى الدمج بين هذه الخطة وبين الحل الدائم في القطاع. هذا الحل يستند الآن الى خطة مصر التي تتحدث أيضا عن مشروع إعادة اعمار واسع بحجم 53 مليار دولار، وإقامة آلاف المباني المؤقتة وإعادة ترميم البنى التحتية للخدمات الحيوية وبالاساس إدارة القطاع على يد “لجنة دعم اجتماعية”، التي تعني إدارة تتكون من مهنيين بدون ممثلين من حماس، الذين سيكونون خاضعين للسلطة الفلسطينية لمدة نصف سنة. منذ بضعة أسابيع أعلنت حماس أنها تؤيد الخطة، ومؤخرا أكدت تأييدها لها.
الولايات المتحدة، في المقابل، رفضت حتى الآن الخطة بذريعة أنها “لا تأخذ في الحسبان الوضع القائم في القطاع”، أي أن غزة غير صالحة لسكن الناس. ربما هذا ادعاء عقاري صحيح، لكن في أساس خطة مصر هناك التطلع الى تغيير “الوضع القائم”. المشكلة في هذه الخطة، المفصلة في عشرات الصفحات، هي أنها لا تقدم جواب واضح على القضية الرئيسية التي ناقشها بهلر مع الحية، التي تتعلق بنزع سلاح حماس. هنا توجد الفجوة بين تصريحات بهلر وردود حماس. ففي حين أن بهلر يقول بأن حماس وافقت على نزع سلاحها وأن لا تكون جزء من الهيئة التي ستدير القطاع، وأن مصادر في حماس قالت أمس لموقع “العربي الجديد” بأن حماس مستعدة لنزع سلاحها الهجومي مثل الصواريخ على اشكالها، لكن ليس من كل سلاحها الدفاعي – حتى بعد إقامة الدولة الفلسطينية – وأن الامر يتعلق بطلب أساسي حماس لن تكون مستعدة للتنازل عنه.
سقالة في الهواء
حسب التقرير حماس اقترحت أن وقف اطلاق النار بعيد المدى سيسري أيضا على الضفة وليس فقط على قطاع غزة، وأنه سيطبق فقط مقابل انسحاب كامل لإسرائيل. لأنه حتى الآن الحديث لا يدور عن مفاوضات حول نزع السلاح، بل حول “معرفة ما يريده الطرف الثاني”، حسب اقوال بهلر، من الأكثر أهمية معرفة أن المحادثات بين الولايات المتحدة وحماس حول نزع سلاح الأخيرة وحول قضية ابعادها عن إدارة القطاع تشير الى أن الولايات المتحدة ترى في حماس عنوان حيوي لصياغة اتفاق شامل يرسم مستقبل السيطرة في غزة، وفي كل الحالات هي لا تطالب في هذه الاثناء بابعادها جسديا عن القطاع أو حل حماس كمنظمة.
هذه الرؤية تشبه الخطة التي تم التوصل اليها في اتفاق وقف اطلاق النار في لبنان. حكومة لبنان بموافقة حزب الله تحملت المسؤولية عن نزع سلاح الحزب في جنوب الليطاني، والطموح الذي ما زال بعيد عن التطبيق، عن نزع كل السلاح غير الحكومي الموجود في الدولة – لكن هذه الخطة لا تطالب بحل حزب الله كمنظمة. ولكن مقابل الوضع في لبنان فانه في القطاع لا تسيطر دولة أو سلطة يمكنها نزع سلاح حماس، وأيضا اذا وافقت إسرائيل على السماح للسلطة الفلسطينية بإدارة القطاع بشكل مؤقت أو دائم، فان قضية السلاح ستواصل تهديد أمن إسرائيل. هذه القضية لا يوجد لها حل واقعي حتى في خطة مصر.
في الحقيقة الخطة تتحدث عن اعداد قوة شرطة فلسطينية على يد مصر ودول أخرى. ولكن هدف هذه القوة سيكون ضمان النظام العام، وهي لا يمكنها إدارة حرب ضد حماس اذا قررت أن تثور ضدها. حتى الآن لا يوجد اتفاق على قوة متعددة الجنسيات أو قوة عربية تشارك في إدارة القطاع، والدولة العربية الوحيدة التي عبرت حتى الآن عن استعدادها لارسال قوات هي دولة الامارات، وقد وضعت شرط صعب لمشاركتها. من هنا حتى لو وافقت حماس على نزع سلاحها الهجومي فانه من غير الواضح من الذي يمكنه الموافقة على الاشراف على عملية نزع السلاح، التي بدونها احتمالية تطبيق خطة مصر وتجنيد التبرعات لصالح إعادة اعمار القطاع، هي احتمالية ضعيفة، هي تشبه الآن السقالة المعلقة في الهواء بدون أي أسس، وكل الهدف منها طرح بديل لخطة التهجير التي طرحها ترامب.
في المقابل، خطة استئناف الحرب في قطاع غزة التي يمكن أن تترجم الى أفعال، “فتح أبواب جهنم”، وتدمير حماس، لا تطرح أي حل لسيطرة بعيدة المدى في القطاع، وبالتأكيد ليس تحرير المخطوفين. ربما ستكون واسعة، واكثر شمولا وقتلا من الحرب التي شنتها إسرائيل حتى الآن في القطاع، ولكن هي مثلها أيضا ما زال يجب أن تعالج بشكل مباشر شؤون 2 مليون من السكان، جزء من القوة العسكرية سينشغل بالامور المدنية والاهتمام بتوزيع المواد الغذائية وتوفير الخدمات الطبية واستئناف التزويد بالكهرباء وأن يصبح مع الوقت قوة احتلال دائمة تخضع للرقابة والتفتيش من قبل المجتمع الدولي، الامر الذي يضع الولايات المتحدة أمام ضغط دولي وعربي بكونها الدولة العظمى التي تعطي الرعاية لنشاطات الجيش الإسرائيلي.
الاعتماد على “الترخيص” الجارف الذي منحه ترامب لإسرائيل عندما قال إنه “يرسل لإسرائيل كل ما تحتاجه من اجل انهاء العمل، ولن يكون أي شخص من حماس آمن اذا لم تنفذ حماس ما أقوله”، يجب أن تفحص نفسها بدقة في كل لحظة من جديد. لأن الامر يتعلق بترامب الذي اظهر في الفترة الأخيرة قدرة بهلوانية فريدة على تغيير مواقفه. في نهاية المطاف هذا هو نفس ترامب الذي سمح لبهلر (الذي قال إن الولايات المتحدة ليست وكيلة لإسرائيل) باجراء محادثات مباشرة مع حماس، والذي يعتبر السعودية ودول الخليج، اكثر مما يعتبر إسرائيل، شركاء في إعادة تنظيم الشرق الأوسط.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook